كتب

التحليل النفسي والسلوكي لبنيامين نتنياهو.. وجهة نظر علمية

ينظر نتنياهو إلى العالم على أنه مكان قاس يقوم على الصراع المستمر من أجل البقاء، لا مجال فيه للإيثار أو العمل الخيري..
نتنياهو شخص مثير للجدل، وله دور كبير في الصراع العربي الإسرائيلي من تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن، وهو أطول من شغل منصب رئيس الوزراء في إسرائيل، ويطلق عليه بعض الإسرائيليين "سيد الأمن". حتى لو رحل عن منصبه، فإن سياساته ستظل مؤثرة على القرار السياسي الإسرائيلي لفترة طويلة، وستكون لها تبعاتها على المنطقة والعالم. وهو إن كان يطلق على نفسه المؤسس الثالث لإسرائيل، فإنه يضع اليوم توقيعه على نهاية الكيان بعد إدارته الفاشلة لحرب طوفان الأقصى، والتي ضربت في مقتل ركائز أسس أمن الكيان حتى صار بقاؤه محل تساؤل كبير لدى كثير من الإسرائيليين ومؤيديهم.

وفي هذا المقال نقدم ملخص وافيا لدراسة مهمة لتحليل شخصية نتنياهو وسماته النفسية والإدارية والقيادية. كاتب هذه الدراسة هو البروفيسور شاؤول كيمحي رئيس قسم علم النفس بجامعة تل أبيب سابقا، وعضو جمعية علم النفس الأمريكية  (APA)والجمعية الدولية لعلم النفس السياسي  (ISPP) والرابطة الدولية للعلوم السياسية  (IPSA).

شكلت هذه الدراسة الفصل التاسع من كتاب "تنميط القادة السياسيين: دراسات عبر الثقافات للشخصية والسلوك"، والذي حرره عوفر فيلدمان وليندا فالنتي، وصدر في الولايات المتحدة عن دار نشر برايجر، عام 2001.

مقدمة الدراسة

تصف هذه الورقة الصورة النفسية لبنيامين نتنياهو، وذلك لتعزيز التنبؤ بسلوكه السياسي وأسلوبه في القيادة. واعتمدت الورقة على جمع أي معلومات ممكنة عن سلوكياته، وتصنيف المحتوى، والتحليل لبناء الملف النفسي، والذي يعتمد على تحليل السلوك ومقاييس الأفكار والمشاعر والأفعال المتكررة والمستمرة لديه. واعتمدت الدراسة على كتب نتنياهو، وما كُتب عنه من كتب ومقالات داخل إسرائيل وخارجها، والمقابلات التي أجراها مع وسائل الإعلام المختلفة.

نتائج تحليل البيانات والمصادر

تم تحليل البيانات، وتصنيف النتائج إلى أربع مجموعات رئيسية: الصفات المميزة لشخصية نتنياهو، الخصائص الوظيفية، النمط القيادي، النشأة ومرحلة الشباب:

أولا ـ الصفات المميزة لشخصية نتنياهو

طبقا للدراسة، فإن نتنياهو  يتميز بست صفات رئيسية، بداخلها سمات فرعية: التمركز حول الذات، الطموح والإصرار، العدوانية والتلون، انعدام المصداقية، محدودية العلاقات الشخصية، الشك والريبة:

1 ـ التمركز حول الذات

هذه السمة لها العديد من الأنماط السلوكية في حياة نتنياهو في كافة المراحل والمجالات:

1 ـ النجاح الشخصي أهم لنتنياهو من الأيديولوجية: فلم يتردد في قبول المساعدة من أمريكيين لهم آراء مختلفة تماما عن آرائه، ولا يتردد في استغلال الآخرين، حتى زملائه، لتحقيق ما يريد من نجاح، يقول يوئيل ماركوس: "نتنياهو أناني، ذئب وحيد، شخص من النوع الذي قد تقول إنه ليس له إله".

2 ـ يرى نفسه أكثر إدراكا وقدرة على الفعل من الآخرين، ويعتقد أن مهمته البطولية هي إنقاذ وطنه.

3 ـ يتلاعب بزملائه، ويتصرف بأنانية مع الأشخاص المقربين منه أو ممن يعملون معه.

نتنياهو شخصية نرجسية. وليس من المتوقع أن يغير أسلوبه في القيادة. وكل السمات السلبية في شخصيته، الشك والعدوانية وجنون العظمة والافتقار إلى المصداقية وغيرها، ستزداد أثناء وجوده في القيادة.
4 ـ لا يهتم بوجهات نظر الآخرين إذا كانت مخالفة لوجهة نظره.

5 ـ يجد صعوبة في التمييز بين الشخصي والعام في حياته السياسية.

6 ـ المبالغة في وصف الذات: يقول "الأمة كلها تقول لي كن قويا وثابتا. نحن معك، ونجاح كل من إسرائيل والشعب اليهودي، يعتمد عليك، ولن تُهزم أبدا".

7 ـ لا يلقي بالا للآخرين: فهو يتأخر بشكل مزمن عن الاجتماعات حتى مع رؤساء الدول. والتي يفسرها هؤلاء على أنها تصرف مسيئ ومهين. ورغم علمه بردود الفعل هذه، لكنها لم تؤثر على سلوكه.

2 ـ الطموح والإصرار

هاتان الصفتان من أبرز ما يميز نتنياهو. وتعبران عن سعيه ليكون الأفضل، والأول، وأن ينتصر على الآخرين. وهو لا ييأس، ولا يستسلم أبدا. قال أحد أساتذته في معهد ماساتشوتس للتكنولوجيا: نتنياهو هو الرجل الأكثر طموحا وتركيزا الذي رآه على الإطلاق، وهو على استعداد للعمل الجاد من أجل تحقيق أهدافه.

3 ـ العدوانية والتلون

السياسة لدى نتنياهو تحكمها "قوانين الغاب"، حيث يبقى القوي على قيد الحياة. كما يرى أن الغاية تبرر الوسيلة. ويتجلى هذا النهج في كل سلوكياته وتصريحاته. فهو لا يتصرف إلا من خلال  الخبث والقسوة وتحقيق الأهداف بأي ثمن.

4 ـ انعدام المصداقية

تصور شهادات كثيرة نتنياهو كشخص غير جدير بالثقة، يعد ويوقع على وعود لا يفي بها أو ينكرها فيما بعد. فالازدواجية معيار مقبول لديه في السياسة. وغالبا ما تعتمد قدرته المذهلة على البقاء على رأس القيادة على "الخداع" الذي يميز قيادته وعمله السياسي، دون أن يكون لديه شعور بالذنب أو وخز الضمير. حتى عندما يقول الحقيقة، فإنه يبدو غير مقنع للآخرين.

5 ـ محدودية العلاقات الشخصية

نتنياهو شخص منغلق على ذاته، مع قدرة محدودة للغاية للتعاطف والتواصل مع الآخرين. وتنحصر علاقاته الاجتماعية مع مساعديه أو من يحتاجهم؛ وينهيها إذا انتهت حاجته إليهم،. وهي علاقات ليست قوية ولا تقوم على عواطف متبادلة. والعديد منها يقوم على الاستغلال المتبادل أكثر من الصداقة.

6 ـ الشك والارتياب

يسيطر الشك على نظرة نتنياهو للآخرين وتعامله معهم، ف"العالم كله ضده". شك مصحوب بالإيذاء والقتال والسعي للفوز على خصومه. وزاد هذا الشك منذ دخوله الحياة السياسية، خصوصا خلال الأزمات عندما يشعر أنه مهدد. وهو دائم الشك في ولاء الافراد الذين لا يعملون معه، ويظن أنهم يتآمرون عليه.

ثانيا ـ الخصائص الوظيفية

يتناول كيمحي في تحليله لشخصية نتنياهو الخصائص الوظيفية له. ويحددها في خمس خصائص وظيفية مهمة هي:

1 ـ السلوك تحت الضغط

يختلف سلوك بنيامين نتنياهو تحت الضغط وخلال الأزمات من موقف لآخر بصورة كبيرة ومتباينة:

ـ إذا كان الإجهاد متوقعا: ومصدره معروف، فإنه يشعر بالسيطرة، ولا يرتجل، ويُفعل الخطط البديلة. ويبقى هادئا ومتفائلا خلال مثل هذه الأزمات حتى في اللحظات الصعبة، ويتعافى بسرعة من اللكمات المفاجئة.

ـ عندما تكون الأزمة غير متوقعة: لا يشعر نتنياهو بالسيطرة، ويتفاعل بطريقة مضغوطة وخائفة ومرتبكة ، وقد يفقد رباطة جأشه. وفي مثل هذه الحالات، يكون على استعداد للوعد بأي شيء، والتوقيع على أي وثيقة . قال إسرائيل هارئيل قائد مستوطني الضفة الغربية : إن نتنياهو يتنازل لمن يضغط عليه. ومتى يتعرض للتهديد أو الابتزاز، فإنه يقاوم بشدة؛ لكنه سيتنازل أيضا بصورة كبيرة. ففي حادثة محاولة اغتيال مشعل بالأردن عام 1997، فقد نتنياهو صوابه، وكان مذعورا، وأعطى الأردنيين سعرا باهظا بشكل شنيع. وذكر تقرير المحلل العسكري أمير أورن أن نتنياهو كان منزعجا جدا من اعتقال اثنين من عملاء الموساد في عمان لدرجة أنه اقترح بنفسه إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين على الملك حسين، كما أعطى الشيخ ياسين حرية اتخاذ القرار بنفسه.

وتحدث الأشخاص الذين عملوا عن كثب مع نتنياهو عن ردود فعله الجسدية أثناء الأزمات: غالبا ما ينسحب أثناء الأزمة، مع آلام في المعدة. وهذا النوع من التفاعل الجسدي يدل على آلية التأقلم مدفوعة بمشاعر لا يرغب نتنياهو في الاعتراف بها أو التعبير عنها.

2 ـ الأداء المعرفي

نتنياهو رجل ذكي جدا. لديه كما يقول البعض قدرة استثنائية على التعلم، وذاكرة ممتازة، ويمتلك قدرة قوية للتفكير التحليلي والبصري. ويقرأ جيدا في مجموعة واسعة من الموضوعات. ولديه ميل لدعم وجهات نظره الخاصة مع آراء شخصيات تاريخية بارزة. وهو يسعى إلى خوض التحديات التي تمكنه من إثبات نفسه. ويكره العمل الروتيني.

3 ـ المظهر والكاريزما والقدرات البلاغية

ينضح نتنياهو بالثقة بالنفس. ولديه قدرة بلاغية كبيرة، كما يشرح وجهات نظره بشكل منطقي. وطور ميلا للنقاش والمنطق والإقناع القوي في مرحلة الشباب لدرجة أن أقرانه وجدوا صعوبة في التعامل معه. ونتنياهو هو أفضل من المتحدثين باسم الحكومة في شرح موقف إسرائيل للجمهور الأمريكي باللغة الإنجليزية المصقولة والقدرات الخطابية.

4 ـ الحياة الترفيهية

يحب نتنياهو الحياة الجيدة التي توفرها له المكانة والسلطة. يعيش ببذخ: الفنادق الفاخرة، المطاعم الراقية، الطعام الفاخر، النبيذ، والسيجار، الملابس المصممة خصيصا له، تصفيف الشعر، الحرص على المظهر الشخصي  أمام جمهور أو الاجتماعات المهمة.

5 ـ العلاقات الزوجية

تزوج نتنياهو ثلاث مرات، وطلق مرتين. في جميع الحالات، فقد تزوج امرأة قوية ومهيمنة. كان أول زواجين قائمين الحب، وانتهيا بطلب الطلاق. ورغم معاناته من الانفصال، فإنه يتعافى بسرعة، ويبدأ علاقات جديدة بسهولة إلى حد ما؛ ولكن لا يحافظ عليها لفترة طويلة. تم الزواج الحالي بعد أن أصبحت سارة حاملا. لا يفوت نتنياهو الفرصة أبدا لتقديم نفسه كرجل الأسرة المثالي الذي يكرس نفسه للقيم العائلية.

ثالثا ـ النمط القيادي

1 ـ أسلوب الإدارة والعمل

نتنياهو إداري مركزي يميل إلى العمل بمفرده. يفوض بعض المهام لمساعديه، ويطالبهم بتقارير متكررة، ويحكم بيد من حديد. أسلوبه الإداري عدواني. يحب أن يلعب دور القائد في "غرفة الحرب"، ويعرض قدرة قيادية قوية، ويمكن أن تشجع الناس بنجاح على اتباعه. إنه يعمل مع فريق عمل صغير، ويمنح موظفيه شعورا بالأهمية وكونهم "وحدة النخبة". وتشير تصريحاته وسلوكه إلى طابع غير ديمقراطي. لا يستشير الآخرين، باستثناء مستشاريه الشخصيين. ويستخدم تكتيكات من وراء الكواليس تتعارض مع وعوده.

2 ـ العلاقات مع وسائل الإعلام

نتنياهو هو رجل الكلمات، ولديه كل ما يؤهله ليكون نجما تلفزيونيا: ثقة بالنفس، موهبة بلاغية، لغة إنجليزية ممتازة، قدرات منطقية قوية مكنته من التعامل مع أي محاور أو منافس، يعرف كيف يحقق أقصى استفادة من الموضوعات التي يسهل التوصل إلى توافق بشأنها. لديه موهبة لتحويل القضايا إلى ما يود مناقشته منها، وليس بالضرورة ما قصده محاوره أو منافسه. أسلوبه: رسالة بسيطة يتم التعبير عنها بإيجاز ووضوح وتكرار. إنه يعرف كيف يستخدم الصحفيين لتسريب المعلومات وتمرير الرسائل. ويعامل استوديو التلفزيون كساحة معركة ، حيث يجب عليه هزيمة منافسه.

3 ـ النظرة السياسية والدينية للعالم

تقم نظرة نتنياهو للصراع العربي الإسرائيلي من الوجهة الدينية والسياسية والتاريخية على الأسس التالية:

1 ـ من منظور تاريخي، لا يوجد شيء أكثر عدلا من عودة اليهود إلى "وطنهم".
2 ـ الدول العربية ليست دولا ديمقراطية. فلا يمكن إقامة السلام معها إلا من خلال توازن الخوف.
3 ـ لن يختفي العداء العربي خلال هذا الجيل . لكن مع إسرائيل قوية سيقبل العرب بها.

المعتقدات الدينية ليست مركزية في شخصية نتنياهو. لكن في إسرائيل، حيث يسير الدين والسياسة جنبا إلى جنب، فإنها ذات أهمية كبيرة لزعمائها. أما نتنياهو، فقد قامت حياته السياسية على أسلوب علماني تماما، وعلاقته بالدين هي شعور قوي بالاستمرارية التاريخية لليهود كأمة، وعبر احترام التقاليد التي كانت مركزية لأسرته. ذات مرة، وخلال إحدى حملاته الانتخابية، أثناء زيارته لكنيس يهودي، قبّل نتنياهو غلاف لفافة التوراة، كالمعتاد، ثم غمز خلسة إلى مراسل إحدى الصحف الذي رصد هذا التصرف.

رابعا ـ الأسرة والنشأة

كرس الد نتنياهو حياته المهنية كمؤرخ، وقضى شطرا من حياته في الولايات المتحدة. وقد فشل نتنياهو كوالده في الاندماج في المؤسسة السياسية أو الأكاديمية، وكان يشعر بالمرارة وبالتمييز بسبب آرائه السياسية. أما والدة بنيامين نتنياهو، فقد نشأت في إسرائيل في ظل ظروف صعبة خلال الحرب العالمية الثانية، مما ميزها بالدقة وقوة الإرادة. وطوال حياتها الزوجية، كرست نفسها بالكامل لعمل زوجها. وكانت هي الدافع وراء حياته المهنية والشخصية العائلية المهيمنة. وكانت سيليا امرأة باردة، علمت أطفالها ضبط النفس، وإخفاء عواطفهم وإظهار القوة. كما نقلت توقعات عالية من النجاح لأبنائها. كانت الأسرة معزولة اجتماعيا. كان هناك جو من الشك والمرارة والشعور بالظلم. رسالة الوالدين لأطفالهم: انجح بأي ثمن، وخصص كل شيء لهدفك.

نتنياهو هو رجل الكلمات، ولديه كل ما يؤهله ليكون نجما تلفزيونيا: ثقة بالنفس، موهبة بلاغية، لغة إنجليزية ممتازة، قدرات منطقية قوية مكنته من التعامل مع أي محاور أو منافس، يعرف كيف يحقق أقصى استفادة من الموضوعات التي يسهل التوصل إلى توافق بشأنها.
في هذا الجو نشأ نتنياهو، ووُصف بأنه طفل جاد وكادح بشكل استثنائي، وهادئ ومنسحب، وطالب منضبط، وقارئ نهم. وفي مراهقته، عاد نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وكرس كل وقته للدراسات. وكان وحيدا غريبا غير ودود.

عندما كان عمره 18 عاما، عاد نتنياهو إلى إسرائيل لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية. كان نتنياهو ضابطا جيدا؛ لكنه لم يكن متميزا مقارنة بقادة آخرين في وحدة النخبة الخاصة التي كان عضوا فيها. في الجيش، لم يقم نتنياهو بإجراء اتصالات اجتماعية تتجاوز تلك الضرورية في خط الواجب.

يوني هو شقيق نتنياهو، وكان أكبر منه بثلاث سنوات. وعمل في كثير من الأحيان كأب بديل لإخوته الأصغر سنا، وكان نموذجا لهم. قُتل يوني في عملية عنتيبي. بالنسبة لبنيامين نتنياهو، الذي كان يدرس في الولايات المتحدة، كانت هذه أكبر ضربة تعرض لها على الإطلاق. وتم توجيه مشاعر الحزن والأسى بطريقة عملية الاتجاه: في وقت قصير نسبيا ، كرست الأسرة نفسها لمشروع نصب تذكاري لابنها. وأصبح هذا المشروع مركز حياة بنيامين نتنياهو، واستغله كنقطة انطلاق ليصبح مشهورا وخبيرا دوليا في شؤون الإرهاب. ليس هناك شك في أن نتنياهو كان يشعر بالحزن على أخيه؛ لكن من المستحيل أيضا تجاهل استغلاله لموضوع النصب التذكاري لتحقيق مصالحه الذاتية.

التقييم النفسي لنتنياهو

بعد تحليل نتائج البيانات والمعلومات، يعرض كيمحي التقييم النفسي لشخصية نتنياهو، وهو تقييم يفسر لنا ما يجري اليوم على الأرض في حرب غزة. يقول كيمحي: يكشف سلوك نتنياهو عن الكثير من خصائص الشخصية النرجسية: الميل إلى جنون العظمة، ربط مصير إسرائيل بمصيره الشخصي، الطموح القوي، التفاني التام لتحقيق لهدفه بأي ثمن، عدم الاعتراف بالضعف، رفض اللوم، التلاعب في علاقاته مع الناس وصولا لتحقيق أهدافه، خيانة الأمانة، نقص الأخلاق السياسية، حساسية كبيرة للنقد ، والحرص شديد على مظهره.

ويميز سلوك نتنياهو منذ صغره الريبة والشك. ويتملكه شعور بالمؤامرة  في كل مكان، من يختلف معه فهو عدو له. ينظر إلى العالم على أنه مكان قاس يقوم على الصراع المستمر من أجل البقاء، لا مجال فيه للإيثار أو العمل الخيري، وليس فيه متسع للصداقة الحقيقية. وقد بدا هذا السلوك النرجسي في تعامله مع المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، إذ يرى نفسه دخيلا عليها، مغتربا عنها، ويشعر بالتمييز ضده، وأن جميع زملائه السياسيين منافسين له، واتخذ من الانتقام سلوكا ضد من يعارضه.

يمتلك نتنياهو أيضا بعض الخصائص الشخصية الاستبدادية: فهو يميل إلى إنكار نقاط ضعفه، وإلقاء اللوم في إخفاقاته على الآخرين. وتتسم علاقاته مع الناس بالتلون والتلاعب والسعي إلى الهيمنة على الآخرين، وينظر إلى الأحداث والناس من منظور القوة، فهو قائد عدواني، له تناقضات صارخة في تقييم للعالم والآخرين. برنامجه الأساسي هو القومية المتطرفة، يشعل نيران غرائز مؤيديه، ويعدهم بتأسيس هياكل اجتماعية وحكومية جديدة، ويدعوهم إلى التمرد ضد النظام الاجتماعي القائم. 
استنتاجات

نتنياهو شخصية نرجسية. وليس من المتوقع أن يغير أسلوبه في القيادة. وكل السمات السلبية في شخصيته، الشك والعدوانية وجنون العظمة والافتقار إلى المصداقية وغيرها، ستزداد أثناء وجوده في القيادة. لذا، فإن أن جزءا كبيرا من إخفاقاته سببها سمات شخصيته، وليس قلة الخبرة. كما أن صعوده النيزكي إلى السلطة راجع لسمات أخرى في شخصيته، مثل: الطموح والتصميم والمهارات الإعلامية والخطابية، كلها كانت مناسبة لتحقيق للوصول إلى أعلى المناصب السياسية؛ لكنها ليست كافية لتحقيق النجاح وديمومته. علاوة على ذلك، فإن سمات إضافية لم تعق صعوده إلى القمة، مثل: الافتقار إلى المصداقية، ضعف القدرة على بناء العلاقات الشخصية، جنون العظمة، العدوان والشك والأنانية؛ لكنها تمثل عقبة خطيرة أمام نجاحه.

خاتمة

عندما تم إعداد هذا الملف الشخصي، كان نتنياهو رئيسا للوزراء. ولم يكن القصد من التحليل أن يكون أساسا للتنبؤ باستمراره في شغل هذا المنصب على المدى الطويل. ومع ذلك، وبناء على سمات شخصيته، فإنه من الممكن التنبؤ بثقة إلى حد ما بأن فترة بقائه في منصبه ستستمر وسترافقها مشاكل خطيرة.

وتعكس هذه المشاكل طبيعة إدارته: ضعف العمل الجماعي، صعوبات التواصل، علاقات إشكالية مع شخصيات أخرى، التسرع في اتخاذ القرار ، صعوبة البدء بالقرارات ذات الأولوية مثل تقديم تنازلات للفلسطينيين من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. وفي حين أنه من الواضح أن سمات شخصية نتنياهو ساهمت بشكل كبير في سقوطه؛ لكن في ظل ظروف معينة قد تكون هذه السمات نفسها سببا في عودته إلى الساحة السياسية.