مقابلات

سفير فلسطيني لـ"عربي21": فيتو أمريكا ضد وقف إطلاق النار رخصة باستمرار القتل

رويد أبو عمشة أكد موضحا أن واشنطن استخدمت حق الفيتو 91 مرة منها 47 مرة لحماية إسرائيل- عربي21
اعتبر السفير الفلسطيني لدى جيبوتي، رويد أبو عمشة، استخدام الولايات لحق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي بشأن وقف إطلاق النار في غزة، "رخصة باستمرار القتل".

وقال، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، إن "تلك الخطوة تأتي لتؤكد تماما أن واشنطن جزء أصيل من الانتهاكات التي تحدث بحق شعبنا في غزة والضفة، وتثبت بشكل جلي أن أمريكا شريكة ومتورطة في المجازر الإسرائيلية المتواصلة حتى الآن".

وأكد أبو عمشة أن "وقف إطلاق النار هو قرار سياسي، لكن في جوهره له بُعد إنساني، وبالتالي حينما تعارض أمريكا التي تعتبر نفسها القوة الأولى في العالم وقف إطلاق النار، يجب أن تكون منبوذة أخلاقيا على الأقل"، منوها إلى أن "ما جرى أظهر عزلة واشنطن في مجلس الأمن؛ فهي الدولة الوحيدة التي صوّتت ضد القرار".

وأشار أبو عمشة إلى أن "الولايات المتحدة لديها سياسة ثابتة ومعلنة في هذا الموضوع؛ حيث إنها تعلن بكل وضوح أن إسرائيل هي حليفتها وممثلتها في المنطقة، وبالتالي ستدافع عنها كما تدافع عن أي ولاية أمريكية"، موضحا أنه منذ تأسيس الأمم المتحدة استخدمت واشنطن حق الفيتو 91 مرة، منها 47 مرة لحماية إسرائيل.


ومساء الجمعة، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة للتصويت على مشروع قرار لوقف إطلاق النار، لكنه لم يتمكن من اعتماد مشروع القرار بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض.

وأيّد 13 عضوا من أعضاء المجلس الخمسة عشر المشروع، مع امتناع المملكة المتحدة عن التصويت.

وتُعدّ هذه المرة الثانية التي تستخدم فيها واشنطن "الفيتو" ضد مشروع قرار بمجلس الأمن بشأن غزة، حيث استخدمته لأول مرة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ضد مشروع قرار بالمجلس قدمته البرازيل، ويطالب بهدنة إنسانية في قطاع غزة.

وأضاف السفير الفلسطيني لدى جيبوتي: "نحن نراهن الآن على الحراك الشعبي من خلال المسيرات الحاشدة التي تجوب العالم كله، والمنددة بالعدوان الإسرائيلي، وباستعمال الأسلحة الأمريكية ضد شعبنا، ولو كانت الولايات المتحدة تقرأ لغة المصالح لكانت وافقت على وقف إطلاق النار".

وتاليا نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

كيف تقيّم موقف جيبوتي الرسمي من العدوان الإسرائيلي على غزة؟


موقف جيبوتي ثابت، وواضح، وحتى قبل بدء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقد صدرت في أولى أيام العدوان البيانات الرسمية عن رئاسة الجمهورية في جيبوتي، وعن وزارة الخارجية التي ندّدت بالعدوان، وكذلك الأمر في الاجتماعات التي جرى فيها مناقشة موضوع الحرب، سواء في الجامعة العربية، أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما خرجت تصريحات هامة في خطابات رسمية عن الرئيس إسماعيل عمر جيلي، الذي كان واضحا في دعم القضية الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني، ووجّه خطابه للشعب الجيبوتي.

وكانت آخر تصريحاته بهذا الشأن في افتتاح القمة الاستثنائية لمنظمة «إيغاد» التي تضم ثماني دول من دول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وبحضور الممثل الأمريكي للقرن الأفريقي، علما بأن هذه القمة كانت لمناقشة الأزمة السودانية، وذلك بحضور السفراء الأجانب، ومنظمات دولية عاملة في المنطقة، وقد تحدث في الخطاب الذي بثته العديد من وسائل الإعلام عن دعم القضية الفلسطينية، وعن استنكار العدوان، وقال "إنه مع الشعب الفلسطيني ومقاومته التي لا بد أن تنتصر"؛ فكان موقفه جليا وواضحا جدا، ونحن نثمن ونقدّر كثيرا هذه المواقف الإيجابية.

ما أبعاد العلاقة بين جيبوتي وإسرائيل قبل وبعد حرب غزة؟

جيبوتي دولة عضو في جامعة الدول العربية، وهي ملتزمة بمبادرة السلام العربية التي تؤكد على عدم إقامة علاقات أو الاعتراف بإسرائيل إلا بعد أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه، وقد أكدت جيبوتي مرارا على هذا الموقف.

وقد جاء على لسان وزير الخارجية قبل العدوان بشهرين: "إن باب التطبيع مُغلق تماما طالما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كافة (..)، ولن نسمح لإسرائيل بالتسلل إلى الاتحاد الأفريقي"؛ فهذا هو الموقف الرسمي المُعلن في جيبوتي، ولا توجد أي علاقات رسمية بين جيبوتي وإسرائيل، وهي ملتزمة بالمبادرة العربية للسلام بشكل مباشر باعتبارها عضوا في جامعة الدول العربية، وعضوا في منظمة التعاون الإسلامي.

وأيضا موقف جيبوتي كان واضحا في اجتماعات الاتحاد الأفريقي، حينما طُرحت مسألة منح إسرائيل عضوية "مراقب" في الاتحاد، فكانت جيبوتي من الدول التي صوّتت ضد منح هذه العضوية لإسرائيل.

وأذكر أيضا: أن قبل العدوان بثلاثة أشهر، وتحديدا في شهر تموز/ يوليو الماضي عندما تقدمت فلسطين بطلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية حول تعطيل إسرائيل حق تقرير المصير، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره لعقود طويلة، فكانت جيبوتي من الدول التي قدمت مرافعة مكتوبة لصالح الطلب الفلسطيني، وهذا أمر مهم جدا.

وقبل نحو أسبوعين، كان هناك طلبا أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن الأوضاع في فلسطين، تقدمت به عدد من الدول وهي: جيبوتي، وبوليفيا، وجنوب أفريقيا، وبنجلاديش، وجزر القمر، وبالتالي الموقف الجيبوتي الرسمي واضح، والموقف الشعبي نلاحظه يوميا بالشارع، والخروج في مسيرات ضخمة مساندة للشعب الفلسطيني.

هل هناك تحركات رسمية جديدة من قِبل جيبوتي ضد إسرائيل؟

جيبوتي تعمل بالتنسيق مع الأشقاء في جامعة الدول العربية، وهي أيضا دائمة التنسيق مع القيادة الفلسطينية، وأي إجراءات جديدة ستكون من هذا الاتجاه، لكن لا يوجد تحرك جديد بعينه، وكما ذكرت موقف الرئيس واضح وجلي في دعم الشعب الفلسطيني حتى نيله استقلاله، كما صرّح بذلك أمام رؤساء سبع دول من شرق أفريقيا، وبحضور ممثلين دوليين، وسفراء الدول الأجنبية.

كيف تنظر لما تحظى به إسرائيل من دعم أوروبي وحماية أمريكية كبيرة؟

إسرائيل في الأصل هي مشروع غربي، وهي قاعدة متقدمة للغرب؛ فالاستعمار القديم بشكله التقليدي قد انتهى، وكانت آخر الدول في المنطقة بريطانيا وفرنسا، ثم بدأ الاستعمار بالشكل الجديد، وتزعمته من دول الغرب الولايات المتحدة الأمريكية؛ فحركة الاستعمار العالمي مستمرة، ولكن بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

إسرائيل كما وصفها بعض وزراء الدفاع الأمريكيين في ستينيات القرن الماضي هي "حاملة الطائرات الأمريكية التي يجب ألا تغرق"، وهذا ما يُفسّر حجم هذا الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن سيكون لذلك نتائج خطيرة وكارثية على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب.

فبعد انتصارهم في الحرب العالمية الثانية بدأوا في بناء منظومة الأمم المتحدة، وصاغوا المواثيق والأدبيات المتعلقة بها، ثم وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تمر ذكراه الخامس والسبعين لإعلانه هذه الأيام، واستكمال اتفاقيات جنيف الأربعة، وغيرها من المواثيق والقواعد التي أتفق عليها المجتمع الدولي لصياغة العلاقات الدولية التي تُحرّم الاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.

وأحداث فلسطين أظهرت زيفهم وكذبهم؛ إذ يتم تعطيل هذه القواعد والأدبيات الدولية حينما لا تكون الضحية من ذوي البشرة البيضاء، وهو الأمر الذي بات واضحا جدا لدى الشعوب العربية والإسلامية ولدى شعوب العالم كافة، بسبب ازدواجية المعايير، وهي المسألة التي سئمها الشعب الفلسطيني.

عندما تعلق الأمر بأوكرانيا ندّد الغرب كله مباشرة وفي الأيام الأولى للحرب، بالعملية الروسية ضد أوكرانيا، وبعد شهرين من بدء العملية الروسية فُتح تحقيق ضد «بوتين» لدى محكمة الجنايات الدولية، وبعد نحو عام من فتح هذا التحقيق صدرت مذكرة اعتقال بحقه؛ نتيجة سقوط 200 طفل أوكراني ضمن الضحايا، والآن عدد الشهداء في فلسطين تجاوز 19 ألف شهيد، منهم على الأقل ثمانية آلاف طفلا، فهل دماء هؤلاء الأطفال تختلف عن الأطفال الأوكرانيين؟، فهذه هي العنصرية التي يستند إليها الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية في تعامله مع حقوق الإنسان في العالم.

ما الذي يمكن أن تفعله الدول العربية والإسلامية والأفريقية لمعاقبة إسرائيل؟

هناك العديد من الخيارات التي بإمكان الدول العربية والإسلامية، وكذلك الدول الصديقة، أن تتحرك في إطارها، وهي خيارات دبلوماسية؛ فقد رأينا دولا في أمريكا اللاتينية مثل بوليفيا، والإكوادور، وكولومبيا طردوا سفراء إسرائيل من أراضيهم، وجنوب أفريقيا اتخذت إجراءً مماثلا.

في الواقع، هناك علاقات اقتصادية متشابكة بين الدول العربية والغرب، وبالإمكان التلويح بهذا الخيار، وهناك ورقة استدعاء السفراء، ولا نقول قطع العلاقات مع أنه خيار عادي جدا، لكن على الأقل سحب السفراء مؤقتا، واستدعاء وتوبيخ سفرائهم، وهذه الإجراءات لم تقم بها دولة عربية واحدة.

وكان ينبغي التأكيد على أن مصالحهم وعلاقاتهم مع المنطقة والعالم العربي والإسلامي ستتأثر سلبا، وبالتالي ستعود عليهم بخسائر اقتصادية وسياسية مستقبلا، وهذا مهم جدا؛ فالآن هناك مَن يبنى حاجزا بين المنطقة العربية وبلاد المشرق من جهة وبين الغرب من جهة أخرى، وهذا أمر خطير جدا ستكون له تداعياته الوخيمة، وحينئذ لا يحق للغرب أن يطرح سؤال عام 2001 والذي صدرت حوله الكتب وهو: "لماذا يكرهوننا؟"، والحقيقة أن الشعوب العربية لا تكره الغرب، وإنما تكره سياسات الحكومات الغربية، وعلى رأسها سياسة الحكومة الأمريكية.

كيف ترى استخدام أمريكا حق "الفيتو" في مجلس الأمن ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة؟

هذه الخطوة تأتي لتؤكد تماما أن واشنطن جزء أصيل من الانتهاكات التي تحدث بحق شعبنا في غزة والضفة، وتثبت بشكل جلي أن أمريكا شريكة ومتورطة في المجازر الإسرائيلية المتواصلة حتى الآن، وهذا يُعدّ رخصة باستمرار القتل، وما جرى أظهر عزلة واشنطن في مجلس الأمن؛ فهي الدولة الوحيدة التي صوّتت ضد مشروع القرار.

والحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إجراء متواصلا وليس منفصلا عن السياسة الأمريكية؛ فمنذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945 استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو 91 مرة، منهم 47 مرة لحماية إسرائيل، وهذا أمر مهم جدا يجب أن يعرفه الجميع.

صُلب السياسة الأمريكية يقوم على حماية إسرائيل، وتوفير الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي والدبلوماسي لها.

الولايات المتحدة الأمريكية صوّتت ضد استخدام قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة «متحدون من أجل السلام» لوقف إطلاق النار في غزة، ولديها سياسة مُعلنة في هذا الموضوع؛ فواشنطن تعلن بكل وضوح أن إسرائيل هي حليفتها في المنطقة، بل وممثلتها في المنطقة، وبالتالي ستدافع عنها كما تدافع عن أي ولاية أمريكية.

استخدام «الفيتو» يُلقي حجرا كبيرا في مياه القانون الدولي الذي تدعي تطبيقه الولايات المتحدة الأمريكية؛ فوقف إطلاق النار هو قرار سياسي، لكن في جوهره له بُعد إنساني، وبالتالي حينما تعارض دولة تعتبر نفسها القوة الأولى في العالم وقف إطلاق النار لوقف شلال الدم، وسقوط الضحايا من المدنيين.. فيجب أن تكون منبوذة أخلاقيا على الأقل.

لذا، نحن نراهن الآن على الحراك الشعبي من خلال المسيرات الحاشدة التي تجوب العالم كله، والمنددة بالعدوان الإسرائيلي، وباستعمال الأسلحة الأمريكية ضد شعبنا الفلسطيني، ولو كانت الولايات المتحدة تقرأ لغة المصالح لكانت وافقت على وقف إطلاق النار.

فقد خرجت أكثر من 3770 مظاهرة في مختلف أنحاء العالم مؤيدة للفلسطينيين، مقابل أقل من 400 مظاهرة مؤيدة لإسرائيل؛ فهذه الأرقام لو قرأتها واشنطن جيدا لعلمت أنها تسير باتجاه مغاير لمزاج الشعوب، ومزاج أحرار العالم.

كيف ترى الدور الذي لعبته الدبلوماسية الفلسطينية في فضح جرائم الاحتلال؟

الدبلوماسية الفلسطينية منذ اللحظة الأولى تعمل بصورة متسارعة، وبشكل معلن وواضح للجميع، بناءً على تعليمات القيادة الفلسطينية؛ حيث تقوم بدورها على كافة المستويات الرسمية بالاتصال بحكومات وقادة الدول التي تتواجد فيها، وتعمل أيضا مع المجتمع المدني في هذه الدول، ومع المؤسسات الأهلية والنقابات والحركات الشبابية، وتخاطب الجماهير من خلال وسائل الإعلام، فضلا عن تنظيم الندوات والمعارض والفعاليات الداعمة للشعب الفلسطيني، وفضح ممارسات الاحتلال في كافة الأراضي الفلسطينية، وفي قطاع غزة بالذات، ونقل هذه الصورة للعالم أجمع، ونحن نطالب أولا بضرورة الوقف الفوري للعدوان الفاشي، من أجل إيقاف شلال الدم النازف في فلسطين، وسفراءنا منتشرين حول العالم، وكل سفير منا يعمل وفقا لظروف الدولة التي يتواجد فيها.