اقتصاد عربي

لماذا تركز استثمارات الإمارات في مصر على المشاريع الخدمية بعيدا عن قطاع الإنتاج؟

خوف المستثمرين من تغيرات سياسية بمصر يدفعهم لمشاريع سهلة التخارج وسريعة الربح- الأناضول
كشفت تصريحات لرؤساء مجالس إدارة شركات إماراتية تعمل في مصر عن توجههم نحو الاستثمار في قطاع العقارات والضيافة والفنادق والسياحة بالبلاد، دون قطاعات إنتاج حيوية وهامة مثل قطاع الكهرباء، التي تعاني فيه مصر مؤخرا من نقص كبير.

وتستحوذ الإمارات على قطاعات واسعة من الاقتصاد المصري والسوق الكبيرة التي تخدم أكثر من 105 ملايين نسمة، وتستثمر في مشروعات أغلبها قائمة بالفعل، لكن معظمها غير إنتاجية بل خدمية كالصحة والتعليم والفنادق والبنوك والخدمات المالية والنقل، وقطاع العقارات.

ما فسره متحدثون لـ"عربي21"، بأنه يتماشى مع توجه الدولة المصرية ويتناسب مع رغبة المستثمر الخليجي في مكسب سريع وتخارج أسرع، ويكشف أن القطاعات الإنتاجية في مصر تمر بأزمة خاصة مع تواصل أزمة شح الدولار، وعجز الدولة عن توفيره للمستوردين وللمصانع لشراء الخامات وقطع الغيار.

"تصريح العبار"

وبرغم استثمار شركة "إعمار مصر للتنمية" 5 مليارات جنيه (155 مليون دولار) لإنشاء فندق (The Address) في الساحل الشمالي بمصر، إلا أن مؤسس "إعمار العقارية" الإماراتي محمد العبار، أكد الأحد، لـ"اقتصاد الشرق"، تركيز استثمارات شركته بأنشطة الضيافة والعقار.

وقال العبار، إن نظرة الشركة للاستثمار السياحي في مصر ما تزال إيجابية، لكنه في المقابل استبعد إضافة نشاط إنتاج وتوزيع الكهرباء لمشروعات الشركة في مصر.

وأوضح أن الشركة المدرجة في بورصة مصر والتي تمتلك محفظة "كاش" قوية تقدر بنحو 10 مليارات جنيه، لا تخطط حاليا إلا للانخراط بالأنشطة المعنية بالاستثمار في الضيافة والعقار.

وتعد إعمار مصر من أبرز  الشركات الإماراتية العاملة في مجال العقار في مصر، بحافظة أعمال كبيرة، أهمها مشروع مراسٍ بالساحل الشمالي.

"مشروع الحبتور"

وهو ذات المنطق الذي يتحدث به الملياردير الإماراتي خلف الحبتور، عن الاستثمار في مصر بمجال العقار والضيافة والفنادق، حيث أعلن في شباط/ فبراير الماضي، أنه في مصر لدراسة فرص استثمارية ببعض مواقع القاهرة استعدادا للإعلان عن مشاريع قريبة، وأكد أنه تلقى عروضا استثمارية بمجال العقارات والأراضي.

مؤسس ورئيس مجلس إدارة "مجموعة الحبتور"، وفي أيار/ مايو الماضي، تحدث عن إعداد دراسة عن مشروع سكني وسياحي وفندقي بشارع صلاح سالم بمصر الجديدة (شرق القاهرة).

وقال إنه مشروع يجعل من تلك المنطقة أهم من عواصم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، برلين ولندن، وباريس، مؤكدا أن هذا المشروع سيساعد مصر على عدم الاقتراض الخارجي.


وفي تموز/ يوليو الماضي، قام الحبتور، بزيارة إلى مدينة العلمين الجديدة شمال غرب مصر، مشيدا بمنطقة الساحل الشمالي، وقال إنها تتميز لوقوعها على شاطئ يضاهي أنقى وأجمل الشواطئ في العالم، لافتا لمشروعات بشراكة مصرية بالمنطقة.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت شركة "أبوظبي للاستثمارات السياحية"، المملوكة لـ"صندوق أبو ظبي للتنمية" عن ضخ 95 مليون دولار بقطاع السياحة المصري، وبناء مشروع فندقي كبير بمنطقة أهرامات الجيزة، مع تحديث مشروعاتها الفندقية بمدن شرم الشيخ والغردقة بتكلفة تقدر بـ80 مليون دولار.

"حذر رغم المكاسب"

وعلى الجانب الآخر، تتوخى شركات إماراتية الحذر من إطلاق مشروعات إنتاجية جديدة لها بمصر، لكنها في ذات الوقت تعلن عن تنمية محفظة أراضيها بالبلاد.

وفي أيار/ مايو الماضي،  أعلنت شركة "الدار العقارية" الإماراتية أنها ستوقف أي استثمارات جديدة في مصر إلى حين استقرار الوضع المالي في البلاد، مؤكدة أنه سيتم اتخاذ نهجا شديد الحذر عند إطلاق أي مشروع.

وذلك برغم أن الشركة الإماراتية استحوذت عام 2021، على شركة "سوديك" إحدى أكبر شركات التطوير العقاري بمصر، وبرغم تحقيق الشركة قيمة مبيعات وحجوزات على الوحدات السكنية بلغت 3.1 مليار جنيه مصري في الربع الأول من العام الجاري.

"28 مليار دولار"

وعلى مدار السنوات الماضية ومنذ توجه مصر نحو بيع أصولها العامة كانت شركات وصناديق الإمارات السيادية هي اليد الأسرع في ملف الاستحواذات بقطاعات السياحة والتعليم واللوجيستي، والصناعات الغذائية والطاقة النظيفة والمتجددة والطيران والصناعات الدوائية والنقل.

وفي 12 نيسان/ أبريل الماضي، أكد الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، جمال بن سيف الجروان، أن حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر ارتفع من 20 مليار دولار في 2020، إلى 28 مليارا حتى مطلع 2023.

وأوضح أن الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري عربي لمصر التي تعد خامس أكبر شريك تجاري عربي للإمارات التي تعتبر أكبر مستثمر بمصر على الصعيد العالمي، بحجم استثمارات بلغ 28 مليار دولار مطلع العام الجاري، ونحو 1390 شركة إماراتية عاملة بمصر.

"مكسب سهل وتخارج أسهل"

وفي رؤيته لأسباب تركيز "العبار" و"الحبتور" كأهم الشركات الخليجية على الاستثمار بقطاع الضيافة والعقار والسياحة فقط دون غيرها من القطاعات الإنتاجية في مصر، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي عبدالعزيز: "يعتبر النشاط السياحي من أهم الأنشطة بمصر".

الأكاديمي المصري، أضاف لـ"عربي21"، أنه "يساهم بنسبة 15 بالمئة من الناتج المحلي، وبلغت إيراداته العام المالي المنتهي في حزيران/ يونيو الماضي 14 مليار دولار، ومع توقعات صندوق النقد سترتفع إيراداته إلى 29 مليار دولار عام 2028".

وأشار إلى أن "الحكومة المصرية وضعت رؤية لزيادة عدد السائحين إلى 30 مليون سائح، منها دعم للفنادق ووسائل النقل والبنية التحتية المساعدة للقطاع، والأهم زيادة عدد الغرف السياحية إلى 500 ألف غرفة من 230 ألف غرفة حاليا".

عبدالعزيز، أوضح أنه "وبالتالي فالاستثمار في الضيافة الفندقية والسياحة بشكل عام يمثل فرصة مربحا للمستثمرين الخليجيين، بالإضافة إلى أنه أقل تكلفة مقارنة بباقي الأنشطة والتي تتطلب مواد خام واستيرادا بالدولار الذي يكاد يختفي من السوق".

وأكد أن "نفس الأمر ينطبق على قطاع العقارات السياحية وغير السياحية في ظل رؤية شاملة للحكومة في المدن السياحية والمناطق الأثرية".

وحول أسباب استبعاد العبار إضافة نشاط إنتاج وتوزيع الكهرباء لمشروعات الشركة في مصر، أكد الخبير المصري أن "رجال الأعمال الخليجيين لا يمتلكون رؤية لصالح الاقتصاد الوطني بقدر ما يهمهم الكسب السهل الذي لا يكلف كثيرا، والتخارج منه يكون أيضا سهلا، تحسبا لتغير الظرف السياسي والأمني بمصر".

"أزمات قطاع الإنتاج"

وتعاني الكثير من الشركات في مصر من أزمات نقص الخامات وقطع الغيار، منذ الربع الأول للعام الماضي، مع هروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد، وتفجر الحرب الروسية الأوكرانية، ما زاد الضغوط على الاقتصاد المصري، الذي يعاني من تفاقم أزمة ديون بلغت نحو 165 مليار دولار.

أحدث الأزمات في هذا الإطار، كشف عنها خطاب شركة "جهينة للصناعات الغذائية" في مصر، موجه للحكومة المصرية، لتدبير 34.4 مليون دولار أمريكي للإفراج عن بضائع ومستلزمات إنتاج، مرجحة احتمال توقفها التام عن الإنتاج إذا لم يتم تدبير العملة الصعبة للاستيراد.

وفي أزمة أخرى تفاقمت أسعار السجائر في مصر بشكل يؤثر على نحو 20 مليون مدخن مصري، ما دفع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إلى تكليف حكومته بزيادة أوامر التوريد للمواد الخام اللازمة لعمليات التصنيع.

وذلك إلى جانب معاناة المستثمرين المحليين والأجانب من البيروقراطية والروتين الحكومي، وغياب الشفافية وضعف تداول المعلومات وضبابية المشهد الاقتصادي والسياسي، ما يمثل ضغوطا على رأس المال ويزيد من مخاوفه، وفق مراقبين.

"تعلمت الدروس"

وفي رؤيته لأسباب تركيز شركات إماراتية على العمل بعيدا عن قطاعات إنتاجية، قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكرالله: "ربما يكون التركيز على قطاع السياحة لأنه قطاع بعيد إلى حد كبير عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، كما أنه قطاع إيراداته جميعها بالنقد الأجنبي من عملات مختلفة".

الأكاديمي المصري، وفي حديثه أوضح لـ"عربي21"، أنه "وبذلك فإنه لن يكون هناك تأثير للأزمة الاقتصادية على مدخلات هذا القطاع، خاصة وأن ما تحتاجه صناعة السياحة بالبلاد موجود في السوق المحلية ولا يحتاج لاستيراد من الخارج".

ويعتقد أن "الشركات الإماراتية تعلمت الدروس من تجارب شركات إنتاجية أخرى كانت موجودة بالأراضي المصرية الفترة الماضية، وعلمت أنها عانت وتعاني من سوء توفير واستيراد احتياجاتها من مستلزمات الإنتاج".

وأوضح أنه "ولذلك فإن تركيز شركات إماراتية على قطاع الضيافة مفهوم إلى حد كبير، وأيضا لأنه مرتبط بالخارج، واحتياجاته ومستلزمات الإنتاج محلية إلى حد كبير".

ولفت ذكرالله، إلى أن "القطاع العقاري أيضا، مطمع للجميع إلى حد كبير سواء شركات إماراتية أو غيرها"، موضحا أن "هذا القطاع في ظل نظام الحكم الحالي يعتمد على الإقطاع بصورة كبيرة".

وبين أنه تجري عمليات إقطاع مساحات شاسعة من الدولة لبعض المستثمرين والمطورين العقاريين، "بأسعار زهيدة للغاية، وبعيدة عن الرقابة، كما أنه لا يجوز الطعن على مثل هذه العقود طبقا للتحصينات التي منحتها الحكومة لنفسها".

وأكد أنه بالتالي فإن تركيز شركات إماراتية على قطاع العقارات لأنه "لا يمكن الطعن على عقوده، ولأنه يحقق مكاسب كبيرة أعتقد أنها أضعاف أضعاف رأس المال المستثمر، وأضعاف ما يمكن أن يجنيه المستثمر من قطاعات أخرى".

"إمبراطورية أبوظبي"

وبشكل عام تفضل الشركات الخليجية الاستحواذ على شركات مصرية قائمة بالفعل، دون الانخراط في مشروعات تنموية من الأساس وفق مراقبين، حيث تزايد الاستحواذ الإماراتي على الاقتصاد المصري بشكل مطرد.

وهناك 5 بنوك إماراتية تعمل في مصر، هي "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق"، لتصبح الجنسية الإماراتية صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري، بحسب موقع "مصراوي" المحلي.

ومنذ تشرين الأول/ نوفمبر 2019، أقامت الدولتان منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار بمجموعة من القطاعات والأصول، يديرها صندوق الثروة السيادي المصري وصندوق أبوظبي السيادي.

وتواصل "موانئ دبي العالمية" استحواذها على مشروعات هامة بمحور قناة السويس، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019،  حصلت على أرض صناعية بالمنطقة الصناعية هناك بمساحة 35 كيلومترا.

واشترت "القابضة  (ADQ)، حصة مجموعة "اللولو العالمية"، لتستحوذ بذلك على سلاسل "الهايبر ماركت"، و"السوبر ماركت" في مصر منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

الشركة الحكومية الإماراتية (تأسست عام 2018)، اشترت كامل حصة شركة "بوش هيلث" في شركة آمون للأدوية المصرية عام 2021.

وفي 20 تشرين الثاني/ يناير 2021، استحوذ بنك "أبوظبي الأول" على كامل حصة بنك "عودة" في مصر، ما جعل البنك الإماراتي أحد أكبر البنوك الأجنبيّة العاملة بمصر من حيث الأصول، بنحو 120 مليار جنيه مصري (8.1 مليار دولار).

وفي قطاع الصحة تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز أشعة، فيما تتحكم في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بحوالي 45 مليار دولار.

وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية الصحية.

وفي مجال التعليم شاركت شركة جيمس للتعليم الإماراتية في تأسيس صندوق التعليم المصري عام 2018، مع المجموعة المالية هيرميس بضخ نحو 300 مليون دولار في قطاع التعليم بمصر خلال 5 سنوات.