قضايا وآراء

الصكوك الإسلامية.. هل تكون حلا لمشكلات مصر الاقتصادية؟

1300x600
بلغت إصدارات الصكوك الإسلامية عالميا 200 مليار دولار عام 2021 وفق وكالة موديز للتصنيف الائتماني، وتتسابق الدول لإصدار الصكوك واعتبارها أحد الحلول الناجعة لكثير من المشكلات الاقتصادية، فهل تكون فعلا حلا لمشكلات عميقة ومتجذرة ومتنوعة ما بين عجز الموازنة العامة للدولة، واستفحال البطالة، وتغول التضخم، وغيرها من المشكلات في اقتصادات نامية مثل الاقتصاد المصري؟

هذا ما سيحاول المقال الإجابة عنه.

لكن أولا ما هي الصكوك الإسلامية؟

هي وثائق (شهادات) متساوية القيمة، كل وثيقة تمثل حصة شائعة في ملكية موجودات وأصول مشروع أو شركة أو منافع لأصول مثل إيجارات العقارات وغيرها، أو خدمات مثل خدمات الاتصالات أو الانتقالات أو التعليم أو غيره، يتم إصدارها بمعرفة المالك للأصول أو الخدمات أو المنافع أو من خلال وسيط متخصص، بغرض بيعها وتحصيل ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وبعد الاكتتاب يصبح الأصل أو المنفعة أو الخدمة مملوكة لحملة الصكوك.

ويتم إصدار هذه الصكوك بعقد شرعيّ ملزم، ويصبح لحامل الصك الحق في التداول في كل ما يتعلق بالمعاملات المالية من أحكام.

وتصدر الصكوك بآجال قصيرة، أو متوسطة، أو طويلة بالضوابط الشرعية، وقد تصدر دون تحديد أجل، وذلك بحسب طبيعة العقد الذي تصدر الصكوك على أساسه.

أطراف عملية التصكيك

لعملية إصدار وإدارة الصكوك طرفان رئيسان وأطراف مساعدة، الطرف الرئيس الأول هو الجهة المصدرة للصكوك، وهي إما الشركة مالكة الأصول أو المنافع أو الخدمات، أو شركة ذات شخصية معنوية تنوب عن المالك، وهي من تقوم بإدارة الصكوك. وقد تكون الجهة المصدرة لهذه الصكوك أحد المصارف الإسلامية، أو جهة حكومية لها شخصية معنوية، ويكون لها هيئة رقابة شرعية للتأكد من أن كل إجراءات إصدارها واستثمارها وتداولها وتصفيتها، تتم وفقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

والطرف الرئيس الثاني هو حَمَلة الصكوك، وهم الشركاء بالمال الذين قاموا بالاكتتاب في الصكوك أو شرائها، ويطلق عليهم المستثمرون أو حملة الصكوك.

أما الجهات المساعدة، فهم الخبراء والاستشاريون في إصدار وإدارة الصكوك الذين تستعين بهم الجهة المصدرة للصكوك في إصدار الصكوك وتسويقها وإدارة مخاطرها، وتداولها في الأسواق المالية، وكذا الهيئات الشرعية التي تراقب شرعية إصدار هذه الصكوك.

خصائص الصكوك الإسلامية

تتميز الصكوك الإسلامية بأنها وثيقة تصدر باسم مالكها أو لحاملها، بفئات متساوية القيمة، لإثبات حق مالكها فيما تمثله من حقوق والتزامات مالية.

كما أنها تمثل حصة شائعة في ملكية موجودات مخصصة للاستثمار، من أصول وموجودات، أو منافع مثل إيجار العقارات أو الآلات والمعدات أو غيرها، أو خدمات مثل خدمات الاتصالات أو النقل أو غيرها، أو خليط منها ومن الحقوق المعنوية، كحقوق التأليف وبراءات الاختراع والعلامات التجارية وغيرها، والديون والنقود، كما أن الصكوك لا تمثل دينا في ذمة مصدرها لحاملها.

أيضا تصدر الصكوك على أساس عقد شرعي، وفقا لصيغ التمويل الإسلامية كالمشاركات والمضاربات والمرابحات وغيرها، محاطة بضوابط شرعية تنظم إصدارها وتداولها.

وكذلك فإن تداولها يخضع لشروط تداول ما تمثله، فإن كانت تمثل ملكية أصول فتخضع لشروط البيع العامة، وإن كانت تمثل منافع أو خدمات فيراعى عند التداول ضوابط بيع الخدمات والمنافع، وإن كانت تمثل ديونا أو نقودا فيراعى عندها ضوابط تداول الديون والنقود، وإن كانت تمثل خليطا فيراعى فيها ضوابط الغالب منها.

كما أن الصكوك تخضع لقاعدة الغُنم بالغُرم، ومن ثم فإن مالكيها يشاركون في أرباحها حسب الاتفاق المبين في نشرة الإصدار، ويتحملون خسائرها بنسبة ما يملكه كل منهم من صكوك، أو حسب ما تمثله هذه الصكوك وفق نوع العقد.

ويتم طرح صكوك لتلبية الحاجة لتمويل مشروع استثماري جديد، ويتم استخدام حصيلة الاكتتاب في إقامة المشروع، أو يتم إصدار صكوك لموجودات (أصول) قائمة بالفعل وطرحها وبيعها للمستثمرين، واستغلال حصيلة الاكتتاب في أغراض المصدر أو المالك الخاصة.

أنواع الصكوك الإسلامية

تتنوع الصكوك بتنوع الهدف من إصدارها، فمنها صكوك المضاربة، وصكوك الاستصناع، وصكوك المرابحة، وصكوك المشاركة، وصكوك الإجارة، وصكوك السلم وغيرها.

ويتم ذلك عبر صكوك ملكية موجودات، هي وثائق متساوية القيمة يصدرها المالك أو يصدرها وسيط مالي ينوب عن المالك، بغرض بيعها واستيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح العين مملوكة لحملة الصكوك.

أو صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة، يصدرها مالك المنفعة بنفسه، أو عن طريق وسيط مالي، بغرض إجارة منافعها واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك، سواء كانت المنفعة (الإجارة) مملوكة فعلا أو موعودا بها.

أو صكوك ملكية الخدمات التي يتم إصدارها بغرض تقديم الخدمة، كالتعليم من جامعة معينة أو جامعة يتم تحديد مواصفاتها دون تسميتها، واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح تلك الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.

أو صكوك السلم، وهي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها، لتحصيل رأس مال السلم، وتصبح سلعة السلم مملوكة لحملة الصكوك.

أو صكوك الاستصناع، وهي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تصنيع سلعة، ويصبح المصنوع مملوكا لحملة الصكوك.

أو صكوك المرابحة، وهي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لتمويل شراء سلعة المرابحة، وتصبح سلعة المرابحة مملوكة لحملة الصكوك.

أو صكوك المضاربة، وهي وثائق مشاركة تمثل مشروعات أو أنشطة تدار على أساس المضاربة، بتعيين مضارب من الشركاء أو غيرهم لإدارتها.

أو صكوك الوكالة بالاستثمار، وهي وثائق مشاركة تمثل مشروعات أو أنشطة تدار على أساس الوكالة بالاستثمار، بتعيين وكيل عن حملة الصكوك لإدارتها.

وهناك أيضا صكوك المزارعة وصكوك المغارسة وصكوك المساقاة، ويمكن أيضا إصدار صكوك وفق أي عقد شرعي بضوابطه.

كيف تصدر الصكوك؟

تصدر الصكوك وفق عدة مراحل متمثلة في:

مرحلة الهيكلة، ويتم فيها إعداد تصور عن الصك والصيغة الاستثمارية التي تمثله، والهيكل التنظيمي الذي سيدير عملية التصكيك من الإصدار حتى الاسترداد (الإطفاء)، ودراسة الجوانب القانونية والإجرائية والتنظيمية ودراسات الجدوى، وإعداد نشرة الاكتتاب.

مرحلة طرح الصكوك للاكتتاب بالسوق المالي؛ بهدف بيع الصكوك وتحصيل الأموال التي ستمول بها الموجودات أو المنافع أو الخدمات الممثلة للصكوك.

مرحلة استغلال حصيلة الاكتتاب للمالك أو الجهة المصدرة، وعلى التوازي مرحلة الاستفادة من الأصول أو المنافع أو الخدمات التي تمثلها الصكوك، وفق ما هو منصوص عليه في نشرة الاكتتاب.

مرحلة إطفاء الصكوك في الصكوك محددة المدة، وذلك ببيع موجودات أو أصول الصكوك أو انتهاء عقود الخدمات أو المنافع، وتوزيع الحصيلة على مالكي الصكوك في نهاية مدة الصك.

وقد تكون هناك مرحلة يتم فيها تداول الصكوك في سوق ثانوية، إذا كانت الصكوك المصدرة من الأنواع القابلة للتداول.

وتصدر الصكوك وفق نشرة إصدار، تمثل الدعوة التي يوجهها مُصدرها إلى المكتتبين، ويمثل الاكتتاب في الصك الإيجاب، وتمثل موافقة جهة الإصدار القبول، وهما من شروط العقود.

ويجب أن تتضمن نشرة الإصدار شروط التعاقد والبيانات الكافية عن المشاركين في الإصدار وصفاتهم الشرعية وحقوقهم وواجباتهم، وذلك مثل وكيل الإصدار، ومدير الإصدار، ومنظم الإصدار، وأمين الاستثمار، ومتعهد التغطية، ووكيل الدفع، وغيرهم، كما تتضمن شروط تعيينهم وعزلهم.

ويجب أيضا أن تتضمن نشرة إصدار الصكوك تحديد العقد الذي تصدر الصكوك على أساسه، كبيع الأصول، أو الإجارة، أو المرابحة، أو الاستصناع، أو السلم، أو المضاربة، أو المشاركة، أو الوكالة، أو المزارعة، أو المغارسة، أو المساقاة، أو غيرها.

ويجب أن تنص النشرة على مشاركة مالك كل صك في الربح، وأن يتحمل من الخسارة بنسبة ما تمثله صكوكه من حقوق مالية.

ويجب ألّا تشتمل النشرة على أي نص يضمن به مُصدر الصك لمالكه قيمة الصك الاسمية في غير حالات التعدي أو التقصير، ولا ضمان قدر معين من الربح، لكن يجوز أن يتبرع بالضمان طرف ثالث مستقل.

أما عن الصكوك السيادية وإصدارها في مصر، وهل يمكن أن تكون حلا لمشكلاتها الاقتصادية المتنوعة، فهو موضوع المقال القادم بإذن الله تعالى.