تقارير

الجامع الزيداني معلم ديني وتراثي بطبريا يروي حكايات عصور

الجامع الزيداني في طبريا بناه يوسف العمر الزيداني عام 1153هـ\ 1743م ويحتاج إلى ترميم عاجل

بأعمدته المتهالكة وجدرانه المقوسة يجثو بعز وفخار، آخر المعالم الإسلامية الشاهدة على الوجود الفلسطيني في مدينة طبريا، يروي حكاية يزيد عمرها عن المئتي عام من الأصالة والعراقة، نبض المدينة ومركزها بالتواء منه تدخل السوق الشعبي ليصبح رمز المدينة فيخطف أنظار الزائرين بجماله الساحر.
 
في وسط مدينة طبريا المحتلة لا يمكن للزائر أن يمر هناك دون أن يمر على المسجد العمري أو كما يعرف بجامع العمر الزيداني باعتباره أكبر مساجد طبريا، ويقع في مركزها وبالقرب من سوقها المركزي.

 



في حديثه لـ "عربي21" قال عبد الرازق متاني المختص بالآثار والمقدسات الإسلامية: "الجامع الزيداني بناه يوسف العمر الزيداني وذلك عام 1153هـ\ 1743م شقيق ظاهر العمر الزيداني وذلك عند توليهم حكم المنطقة من قبل الدولة العثمانية".

وأضاف: "يعتبر المسجد المعلم الهام في المدينة حيث أصبحت صورته رمزا لها، فقد خلده الرحالة والمسافرون في رسوماتهم العديدة عند الحديث عن المدينة وتصويرها."

وتابع: "هناك قول سائد أن المسجد بني مكان مسجد الياسمين القديم، علما أن مسجد الياسمين يعود ذكره للفترة الإسلامية المبكرة ويرجح أنه كان في مكان مختلف".

 

                  عبد الرازق متاني.. مختص بالآثار والمقدسات الإسلامية

وأوضح أن بناء المسجد الحالي يعود إلى منتصف القرن الثامن عشر مؤكدا أن المسجد مبني بالنمط العثماني الكلاسيكي المعروف، فهو يشبه في بنائه المساجد العثمانية التي انتشرت في أرجاء الدولة العثمانية.
 
وبين متاني أن المسجد يتكون من طابقين، وله قبة مركزية قائمة على رقبة شبه مثمنة تستند على جدران المسجد، مشيرا إلى أن الساحة الأمامية كانت محاطة بثلاثة أروقة من الجهات المقابلة لوجه المسجد فيما يحمل الرواق الأمامي ثلاث قبب، والتي انهارت في هزات أرضية وبني مكانها دكاكين أوقفت على المسجد.

"نظرا لسهولة معالجة الحجارة الجيرية وتطويعها في البناء تم بناء مئذنته من الحجارة الجيرية في حين بني المسجد بأكمله كما هو حال مباني المدينة من الحجارة البازلتية البركانية الأمر الذي أعطاه لمسة فنية وجمالية" بحسب متاني.

وتابع: "واجهة قاعة الصلاة مبنية من الحجارة الجيرية وقد زينت بالأبلق البازلتي الأسود والجيري البني والفاتح "مداميك حجرية تتبادل فيها الألوان مشكلة لوحة فنية جميلة"، بالإضافة إلى محرابين على جانبي المدخل وإطارات الشبابيك التي زينت بحجارة جيرية فاتحة فضلا عن أن قاعة الصلاة من الداخل زينت كذلك بالأبلق، والتي ما زال محرابها قائما، أما المنبر فقد تعرض لعمليات تكسير".

وبين الباحث في التاريخ أن المسجد مصادر منذ عام النكبة وتمنع الصلاة فيه، فضلا عن تعرضه لاعتداءات عديدة بدءا بتحويله إلى مخزن بعد هدم مرافقه المحيطة به من دكاكين، وقد أخلي بعد سنوات وما زال على حاله حتى اليوم.

وأكد متاني أنه وتحديا للمخاطر التي يتعرض لها المسجد فقد تم إطلاق نداء "أغيثوا ما تبقى من مقدسات قبل أن تصبح ركاما وآثارا"، وذلك للحديث عن انتهاكات منظمة والتي تم من خلالها الاعتداء على غالبية مساجدنا ومقاماتنا في الداخل الفلسطيني، ومنها ما تم الاعتداء عليه مرارا وتكرارا ونبش عدة مرات منذ أحداث التهجير عام النكبة 1948.

من جانبه، أكد عمر خمايسة مدير مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في الناصرة أن المسجد يخضع وفقا للقانون لإمرة بلدية طبريا التي لا تهتم وغير معنية بهذا الموضوع وخصوصا عندما نتكلم عن مبنى "مسجد" يعتبر مكانا مقدسا لدى المسلمين وبالتالي لا يوجد اهتمام بترميمه.


وبين خمايسة في حديثه لـ "عربي٢١" أنه تمت المطالبة بترميم المسجد وتعهد رجال أعمال وجمعيات إسلامية بالتكفل بهذا الأمر وهو ما تم شرحه للبلدية وتم الاتفاق قبل أكثر من عامين على أن تتم عملية الترميم إلا أن الرئيس الذي أعطى ميزة البدء بالترميم تمت إقالته من منصبه كرئيس لبلدية طبريا وتم تعيين رئيس آخر وحتى هذه اللحظة لم يتم التواصل مع أي جهة معنية من أجل الترميم.

 

                عمر خمايسة مدير مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في الناصرة

وأوضح أنه وحتى اليوم يمنع ترميم المسجد وهو في حالة سيئة جدا، وقد تعرض لعمليات تكسير في أجزاء عديدة، بالإضافة إلى إلقاء القمامة على البناء وكتابة الألفاظ النابية على جدرانه.

ونبه خمايسة إلى أن عدم الموافقة على ترميم المسجد ومنع دخول المصلين إليه وإغلاقه يعد من أهم المخاطر التي تهدد بقاء المسجد حاضرا للصلاة واستقبال المصلين.
 
وقال مدير مؤسسة ميزان في الناصرة: "لم يتم رفع قضية المسجد حقوقيا أو قضائيا لأي جهة رسمية كون أن القضاء هنا لا يتدخل في مثل هذه القضايا والحالات"، مؤكدا أن موضوع المقدسات والترميمات في الداخل المحتل لا يلقى أي اهتمام وليس في سلم أولويات الجهات المسؤولة والمجتمع في الداخل كونه يحارب على الإنسان وحياته.

وأشاد خمايسة بدور مركز ميزان في إنقاذ ما تبقى من مقدسات ومنع الاعتداء عليها مشيرا إلى أن ميزان كمؤسسة تستطيع وحدها أن تبذل الجهد الكبير وذلك كونها تتابع قضايا أخرى كالقتل والإعدامات الميدانية والتعذيب والتنكيل الذي يتعرض له أبناء شعبنا في الداخل المحتل.

وشدد على ضرورة تكثيف الجهود مع كافة الأطراف خاصة وأن العيش مع دولة وضعت نصب أعينها سرقة هذه الأماكن وصبغها بالصبغة اليهودية يبقيك في حالة صراع مستمر.

بدوره قال الكاتب والإعلامي محمد خيري: "إن وسائل الإعلام الفلسطينية منشغلة كثيرا بما يحدث على الساحة الفلسطينية من مجريات وأحداث متجاهلة دورها العميق في إحياء الآثار والتأثير على الرأي العام العالمي وحشد التأييد لها".

 

                       محمد خيري.. كاتب وإعلامي فلسطيني

وأضاف خيري لـ "عربي٢١": "لا ينبغي أن تكون صحافتنا مختصة بالأحداث السياسية والعسكرية بل يجب أن يكون هناك إعلاميون ونشطاء ووسائل إعلام تهتم بتاريخنا وذلك لأن الاحتلال الإسرائيلي لديه فعلا نشطاء وإعلاميون ووسائل إعلام مختصة فقط للترويج لروايتهم والرواية المتعلقة بالآثار".

وتابع: "وسيرة هذا الشعب وثقافته مهمة للغاية فهي لا تقل أهمية عن العمل السياسي".

ونبه الكاتب الصحفي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول جاهدا ويسعى إلى ترويج روايته حول المواقع الأثرية لترويج روايته حول فلسطين، وبالتالي نحن أمام مشهد صعب جدا ومعقد وبالتالي يجب أن نحرص كل الحرص على إثارة هذه الموضوعات بكافة الأشكال.

وبين خيري أن الجهات الإعلامية والإعلاميين قادرون على مواجهة الرواية الإسرائيلية ولكن تنقصهم الهمة والترتيب والتنسيق لذلك في كافة أرجاء الوطن من خلال حشد الاحتجاجات والانتفاض في وجه الرواية الإسرائيلية.
 
وأوضح خيري أن وسائل الإعلام تتحمل المسؤولية في المرتبة الأولى عن عدم نشر هذه الروايات لدحض الرواية الصهيونية في ظل العقبات التي يضعها الاحتلال الصهيوني.

وندد خيري بطمس الهوية الفلسطينية التي يعمل الاحتلال من خلالها على هدم وتخريب المساجد والمواقع الأثرية والقرى الأمر الذي لا يمكن الإعلاميين من التعرف عليها بسهولة أو نقلها إلى الرأي العام العالمي، مؤكدا منع الاحتلال الوصول لهذا المسجد والتصوير داخله حتى يومنا هذا فلا يعرف أحد ما الذي يحدث هناك وما يجري بداخله.

ودعا خيري إلى ترسيخ وسائل التواصل الاجتماعي والعقول الشبابية والنشطاء الإعلاميين لتثبيت الهوية الفلسطينية ودحض الرواية الإسرائيلية مشيرا إلى القدرة العالية والفاعلة على فعل ذلك لتحطيم الرواية الإسرئيلية على صخور العزيمة الفلسطينية.