قضايا وآراء

النظام السوري برتبة مخبر أجنبي

1300x600
لعل في ما كشفته اللوفيغارو الفرنسية أخيراً عن سماح باريس بهروب جزار حماة رفعت الأسد من حكم فرنسي بالسجن لأربع سنوات، لخدمته المخابرات الفرنسية لعقود، دليلاً واضحاً وفاضحاً على عدم استقلالية القضاء الفرنسي أولاً، وثانياً تفسيرا أوضح على إصرار العالم كله على دعم النظام السوري طوال العقد الماضي في وجه انتفاضة الشعب السوري. والأغرب أن تندفع قوى إقليمية ومنظمات دولية للتطبيع معه، على الرغم من كل الفظائع التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها، لكن الأعجب هو أن هذه القنبلة الخبرية لم تفتح شهية أحد من الكتاب ووسائل الإعلام للحديث عن الفضيحة المدوية، وقد خلا الخبر من أي متابعة أو تعليق وتحليل بحسب متابعتي.

الصحيفة الفرنسية الرصينة ذكرت في تفاصيل الخبر أن رفعت الأسد، عمّ الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان قد أُبعد من سوريا عام 1984 في أعقاب محاولته الانقلاب على شقيقه حافظ الأسد أثناء فترة مرضه، قدّم خدمات ثمينة لجهاز المخابرات الخارجية الفرنسية، وذلك منذ عام 1982؛ يوم التقى في أيلول/ سبتمبر من نفس العام رئيس الجهاز بير ماريون، بتكليف من الرئيس الفرنسي يومها فرانسوا ميتران، ليساعد في تفكيك تنظيم أبي نضال الفلسطيني، الذي كان قد تورط في عملية تفجير مطعم باريسي.
تواصلت خدمات رفعت الأسد بحسب الصحيفة لأربعة عقود متتالية، أهّلته لنيل وسام الجوقة الشرقية الفرنسية من الرئيس ميتران يومها. وعلى الرغم من مطالبة بعض المنظمات المدنية الفرنسية بسحب الوسام منه لجرائمه بحق الشعب السوري، فإن الحكومات الباريسية المتعاقبة لم تكتف بصمّ آذانها عن الدعوات فقط، وإنما وفّرت له إقامة آمنة

وتواصلت خدمات رفعت الأسد بحسب الصحيفة لأربعة عقود متتالية، أهّلته لنيل وسام الجوقة الشرقية الفرنسية من الرئيس ميتران يومها. وعلى الرغم من مطالبة بعض المنظمات المدنية الفرنسية بسحب الوسام منه لجرائمه بحق الشعب السوري، فإن الحكومات الباريسية المتعاقبة لم تكتف بصمّ آذانها عن الدعوات فقط، وإنما وفّرت له إقامة آمنة طوال تلك الفترة الطويلة، ليتنقل بينها وبين ماربيلا في إسبانيا وبريطانيا بكل أمان وسلام.

الأسوأ من ذلك هو ما يتعلق بالجانب الفرنسي وأكذوبة استقلالية قضائه، فالقضاء الذي خرس تماماً على تهريب رفعت الأسد إلى سوريا بوساطة روسية كما تردد، شملت إعادة أمواله التي جُمدت في فرنسا بتهم الاختلاس والتهرب الضريبي وغسيل الأموال، مع السماح له بالعودة الآمنة، مقابل تخليه عن نصف أمواله لخزينة الدولة السورية، بينما احتفظ لنفسه بالنصف الآخر. ويأتي من يحدثك عن نزاهة القضاء واستقلاله، الذي ضنّ علينا جميعاً بتوضيح موقفه تجاه الحادثة، فضلاً عن استدعاء من سمح له بالهروب من الحكم القضائي للتحقيق معه ومحاسبته ومقاضاته.

اللافت والمثير أن سومر الأسد، نجل رفعت الأسد، يقول للصحيفة: إنهم غاضبون من العدالة الفرنسية التي لا تعرف - كما قال - حجم الخدمات التي قدمها والده لفرنسا طوال العقود الماضية. ومن يدري، فلربما يرفع غداً سومر ورفعت الأسد شكوى ضد القضاء الفرنسي أيضاً!
الأسوأ من ذلك هو ما يتعلق بالجانب الفرنسي وأكذوبة استقلالية قضائه، فالقضاء الذي خرس تماماً على تهريب رفعت الأسد إلى سوريا بوساطة روسية كما تردد، شملت إعادة أمواله التي جُمدت في فرنسا بتهم الاختلاس والتهرب الضريبي وغسيل الأموال، مع السماح له بالعودة الآمنة، مقابل تخليه عن نصف أمواله


بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 أعلن رأس النظام السوري بشار الأسد في حديث شهير لصحيفة شيكاغو تريبيون، عن تسليمه 15 ألف وثيقة للسلطات الأمريكية تتعلق بمكافحة ما وصفه بالإرهاب، وظلت الأوساط الأمريكية تتحدث عن دوره في إحباط عملية كبيرة للأسطول السادس الأمريكي في البحرين.

النظام السوري هو فعلاً وواقعاً وحقيقة منذ سطوه على السلطة في سوريا عبارة عن نظام برتبة مخبر أجنبي، وكانت القصة منذ بداية ظهور حافظ الأسد، فحين كان قائداً لسلاح الجو زار بريطانيا، واختفى لساعات طويلة عن زملائه في الفريق، دون أن يكشف عن سبب اختفائه، وهو ما دفع أحد رؤسائه لصفعه على وجهه بعد عودته إلى سوريا لثبوت علاقته مع المخابرات البريطانية. وتواصلت الخيانة بعد فضيحة تسليم القنيطرة والجولان عام 1967، بالإضافة إلى التدخل في لبنان الذي كان بغطاء إسرائيلي تحدثت عنه وثائق وتصريحات لا تحتمل التفسير والتأويل، ولا ننسى دوره الإجرامي في ذبح القوى الوطنية والفلسطينية، ومجازره ضد المخيمات الفلسطينية يوم تدخل في لبنان، بضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي عام 1976، ومعها جرائمه ضد الشعب السوري في الثمانينيات والآن، واستدعاؤه كل الاحتلالات الأجنبية وشراذم المليشيات الطائفية.

من المخجل أن يتجاهل الإعلام الغربي والعربي خبر اللوفيغارو، ومن العجب أن يصمت القضاء الفرنسي على هذا التعدي الفاضح والسافر على استقلاله، ولكن ستظل فرنسا بأعين السوريين أنها من بذرت ورعت وسقت البذرة الطائفية في سوريا؛ منذ قضائها على أول حكومة ديمقراطية عربية بزعامة الأمير فيصل بن الحسين، التي كانت تضم نخباً سياسية وعسكرية وثقافية ودينية قلّ نظيرها يومها، ولكن فرنسا لم تتحمل أن تكون هذه النخب السنية هي من يحكم سوريا، فاحتلتها، وشكلت جيشها على أساس طائفي، وهو الذي انقلب على حكومات ديمقراطية بعد سنتين فقط من رحيل الاحتلال الفرنسي شكلاً وصورة، وبقائه فعلاً وحقيقة.