قضايا وآراء

الولايات المتحدة تعود إلى العالم حسب بايدن!

1300x600

عبر الرئيس بايدن بمنطق رجل الدولة هذا الأسبوع عن ارتياحه لنجاة سلفه الرئيس ترامب من إدانة الكونغرس عند محاكمته الدستورية.. وفسر أحد كبار المشرعين الجمهوريين هذا الارتياح بكونه صادرا عن رئيس لا يحمل حقدا شخصيا ضد من سبقه في البيت الأبيض وكذلك بأنه لا يرضى أن تنقسم الأمة الأمريكية نصفين: نصف معه ونصف ضده.. ولأن النصف الذي انتخب ترامب أكيد أنه سيشعر بأن زعيمه غير معترف له بأي مكسب. وارتياح الرئيس بايدن يدل على حكمة وتبصر من رئيس تم انتخابه على كل حال بأغلبية دستورية قانونية لكنها لا توفر له هامشا كبيرا من إلغاء مشاعر كل من انتخب ترامب وسانده. 

لكن الرئيس بايدن اتخذ قرارات جريئة لإنجاز ما سماه: "إعادة الولايات المتحدة إلى فلكها الدولي" عوض الشعار الذي رفعه ترامب وهو "أمريكا أولا" وهو شعار يراه الديمقراطيون انعزاليا وغير واقعي. وهذه العبارة جاءت على لسان الرئيس الجديد جو بايدن يوم العشرين من كانون الثاني (يناير)، ثم كررها بإلحاح في أول خطاب له في وزارة الخارجية. 

ولم تمر تلك الكلمة المفتاح مرور الكلمات العادية بل إن محررة وكالة (بلومبيرغ) الصحفية المخضرمة (سلفيا توميسن) اقترحت أن تكتب على لوحة رخامية في مدخل البيت الأبيض لمدة أربعة أعوام (أريد أن أعيد الولايات المتحدة العظيمة إلى العالم)، وساندتها صحف كبرى مثل (الواشنطن تايم) ومجلة (إنتليجنس ريفيو) الشهرية. 

وبالفعل فإن الشعور العام لدى مواطني أمريكا والعالم هو أن عهد (دونالد ترامب) تميز بل انفرد بعزل بلاده عن العالم فانسحب من منظمة اليونسكو ومن منظمة الصحة العالمية ومن المعاهدة الدولية لحماية البيئة المعروفة باسم اتفاق باريس، ثم قطع المعونة الأمريكية عن وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وانسحب بصخب من المعاهدة الخاصة بالنووي الإيراني الموقعة مع (أوباما) وخمس دول كبرى مع وزير خارجية إيران، وبعد ذلك شرع في بناء الجدار العازل الأسطوري بين الولايات المتحدة والمكسيك الذي بقي أثرا تاريخيا كالمعلم الفرعوني، وأصدر قرارا غريبا أدانته منظمة الأمم المتحدة يمنع دخول الولايات المتحدة عن مواطني جميع الدول ذات الأغلبية المسلمة! 

 

الرئيس بايدن إتخذ قرارات جريئة لإنجاز ما سماه: "إعادة الولايات المتحدة إلى فلكها الدولي" عوض الشعار الذي رفعه ترامب وهو: "أمريكا أولا" وهو شعار يراه الديمقراطيون انعزاليا وغير واقعي.

 



ولم تبالغ صحيفة (الغارديان البريطانية) حين قالت بأن هذه الممارسات غير المسبوقة عزلت دولة عظمى عن بقية العالم وألغت رسالة الدبلوماسية الأمريكية بينما هي الأنشط في العلاقات الدولية ليعوضها (ترامب) بتغريدات شهيرة على تويتر تصدر عنه شخصيا صباح كل يوم لتعلن "مفاجأة" ما!

ففي أول خطاب في عهد رئاسته وعد الرئيس بايدن بعهد جديد سيتميز بطي صفحات يعتبرها إنعزالية في السياسة الخارجية في عهد سلفه ترامب قائلا: "إن أمريكا عادت" على الساحة العالمية كلاعب كبير وتقليدي لم يغب عنها كامل القرن العشرين وإلى اليوم! بعد أن اختار لها ترامب لأسباب لم تقنع الرأي العام العالمي سياسات الانسحاب من منظمات دولية وأممية ومعاهدات ثنائية أو متعددة الأطراف سبق أن وقعتها الولايات المتحدة بقلم رئيسها أوباما. 

وقال بايدن: "لابد للقيادة الأمريكية أن تواجه هذه المرحلة الجديدة من تنامي النزعة السلطوية الروسية والصينية لمنافسة الولايات المتحدة بل عزم روسيا على الإضرار بديمقراطيتنا وإفسادها (وهو يلمح بوضوح إلى ما اتهم به الرئيس ترامب من محاولات إدخال دول أجنبية في ترجيح كفة فوزه عام 2016) مؤكدا على مواجهة هذه التحديات الجديدة العالمية من الجائحة إلى أزمة المناخ إلى الانتشار النووي".

جاء في صحيفة (إيلاف) تعليق ممتاز نورد منه فقرة: "كان واضحاً في هذه الكلمة المفتاحية للسياسة الخارجية الأمريكية تمسك الرئيس بايدن باستعادة صورة الولايات المتحدة لإثبات قوة النموذج الديمقراطي الأمريكي الذي تعرض لاختبار صعب إثر الهجوم على مبنى "الكابيتول" من جانب أنصار الرئيس السابق في 6 كانون الثاني (يناير) الماضي. 

لذا نلحظ أن بايدن كرر في خطابه قضايا ترتبط بالنهج الديمقراطي وما أسماه بالتيار السلطوي حتى أنه ركز في علاقة الولايات المتحدة مع روسيا على هذه الفكرة ساعياً إلى دحض الشكوك الدولية حول التزام الولايات المتحدة بالقيم الديمقراطية ومن ثم إقناع الرأي العام الأمريكي بضرورة التزام نهج دولي صارم دفاعاً عن الرخاء الأمريكي أو كما قال: "هذا الأمر مهم ليس فقط بالنسبة لحلفاء الأطلسي ولكن أيضاً بالنسبة لشركاء استراتيجيين آخرين مثل دول مجلس التعاون التي لم تتأثر سلبياً بنهج ترامب حيال الحلفاء ولكنها ستكون بالتأكيد في وضع أفضل في ظل التزام بايدن بالتزامات بلاده حيال شركائها وحلفائها الاستراتيجيين.

وهو ما اختصره بايدن في إشارته إلى أن أمن الأمريكيين يبدأ من قدرة بلاده على مساعدة الشعوب ومنحها فرصة لتحيا في أمان، وهي في الحقيقة أفكار تتماشى مع أفكار الرئيس أوباما ولكنها تمثل في المجمل قناعات تيار عريض من نخب الحزب الديمقراطي. 

أما الأمر الأخير الذي لاحظه المراقبون والخبراء فهو أن نتنياهو مستاء من تأخر بايدن في الاتصال به كما فعل مع رؤساء الدول الحليفة رغم أن الناطق باسمه قال: "إن رئيس الوزراء نتنياهو غير منشغل بهذا التأخير...".

 

لخص الزميل يوسف مكي هذا المنعرج بقوله: "بالكاد مر شهر منذ تسلم بايدن سدة الرئاسة فحدث انقلاب كبير في سياسة بلاده نقلها من العزلة التي فرضها سلفه ترامب. وكانت البداية هي العودة بقوة للساحة الدولية وتجديد الثقة في الاتفاقيات والمواثيق والتحالفات التي وقعتها بلاده.