قضايا وآراء

إسرائيل في سباق مع الاتفاق

1300x600
من الواضح أكثر فأكثر أن الخطوات في المنطقة تتسارع لإيجاد أرضية مناسبة لإحياء الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من جهة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة أخرى من جديد، ذلك الاتفاق الذي نقض غزله الرئيس السابق دونالد ترامب معرضا المنطقة برمتها إلى مراحل وجولات من تبادل الرسائل بشتى أنواعها الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، وصولا إلى الأهداف المنشودة بأي ثمن.

كل الظروف والمعطيات تشير إلى الحاجة للوصول إلى اتفاق يحيي الاتفاق السابق، ولكن السؤال الملح بقوة: كيف السبيل إلى ذلك والكل يدرك أن جميع الأطراف في سباق مع الزمان، حيث الخوف من خطوات إسرائيلية قد لا تكون بحسبان أحد حتى الأمريكان أنفسهم؟

شروط إسرائيلية ولكن هل من استجابة أمريكية وإيرانية؟

فالأمريكي كقوة عظمى لن يتنازل عن مكتسبات الترامبية السياسية تجاه إيران، بالرغم من تعيين روبرت مالي الذي يعد من مهندسي الاتفاق السابق والذي أثار تعيينه استياء إسرائيليا بالغا، ولكن هل يمتلك مالي العصى السحرية التي تبعث الروح في الاتفاق وكلنا نعرف أن الأمريكي يستهدف حزمة جديدة من الشروط في وجه طهران موزعة في مجموعة من الأمور الاستراتيجية الكبرى التي تبدأ مع:

أولا: العودة عن سياسة التخصيب الإيرانية الجديدة العالية النبرة والفعل (سياسة التحدي) بعد استهداف العالم النووي فخري زاده، والتي تشكل تحديا لصورة الولايات المتحدة بإداراتها الجديدة، والتي ترغب بسياسة الدبلوماسية الناعمة لا سيما بوجود أنتوني بلينكن الذي يعزف على أوتار هواجس المنطقة بسياسة عزف القانون دونما إثارة الضجيج للوصول إلى الغايات.

ثانيا: يدرك الإيرانيون أن أمريكا لن تمضي باتفاق دونما الرجوع إلى حلفائها الأساسيين في المنطقة، وعلى أول الأولويات الأمريكية إسرائيل بكل تفاصيلها الضيقة؛ من أمنها إلى نزعتها التوسعية في الدور ضمن محاور المنطقة. كذلك لا ريب أن أمريكا تدرك أن دول الخليج تريد إيجاد بصمتها ضمن أي اتفاق قادم ولا عودة لقبول الاتفاق المنصرم كما هو، وتاليا الأمريكان في موقع ليس بالسهل بين المضي بالوصول إلى اتفاق يرضي تناقضات المنطقة أو بالعودة على الطريقة الإيرانية للاتفاق والذي سيكون الإسرائيلي متربصا به، حيث تشير التقارير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيرسل رئيس الموساد يوسي كوهين، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في الأسابيع المقبلة، لبحث جملة قضايا واستطلاع الجو الأمريكي في كنهها وتفاصيلها وفي مقدمتها الاتفاق النووي مع طهران.

وتضيف المعلومات أن إسرائيل ستكون واضحة في مطالبها من الاتفاق الجديد والذي ستحمل إدارة بايدن تفاصيله، وهي:

أولا: توقف إيران عن تخصيب اليورانيوم ووصولها تقنيا إلى أماكن تثير حفيظة الإسرائيلي المتربص بكل تفصيل إيراني مهما صغر أو كبر، وفي ذلك دعوة إلى منح حق الوصول الكامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى جميع جوانب البرنامج النووي في طهران، وربطا للبرنامج الصاروخي البالستي الذي يقض مضاجع الإسرائيلي كل يوم.

ثانيا: التوقف عن إنتاج أجهزة طرد مركزي متقدمة، علما أن أجهزة الطرد المركزي ضرورية للحصول على اليورانيوم المخصب، الذي يُستخدم لتوليد الطاقة أو لصنع قنبلة نووية، لذلك كان الاتفاق بشأنه أحد أهم أركان الاتفاق النووي الموقع عام 2015. ومن المعلوم أن اليورانيوم في الطبيعة يوجد بنسبة 99.3 في المئة في صورة اليورانيوم ذي العدد الذري 238، و0.7 في المئة من اليورانيوم ذي العدد الذري 235، والأخير هو المستخدم لإنتاج الطاقة النووية. وتاليا إن عملية تخصيب اليورانيوم تزيد نسبة اليورانيوم 235 وهو ما تقوم به أجهزة الطرد المركزي. وتقنيا لغرض توليد الطاقة، يكفي تخصيب اليورانيوم بنسبة خمسة في المئة فقط، ولكن لتصنيع قنبلة نووية يتعين تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المئة. وهو ما يشكل قمة القلق الإسرائيلي!! مع أن إسرائيل نفسها تمتلك السلاح النووي في تهديد واضح لأمن المنطقة والعالم!!

ثالثا: مما لا شك فيه أن الحديث الإسرائيلي سيكون أول عناوينه هو كف أو محاولة تقييد إيران في دعم حزب الله اللبناني الذي يشكل قلقا دائما ومتصاعدا للإسرائيلي، خاصة بعد أحاديث الأمين العام للحزب عن الصواريخ الدقيقة. تزامنا، سيصر الإسرائيلي على الأمريكي في إنهاء الوجود العسكري الإيراني في العراق وسوريا واليمن، والذي سيلتقي معه في ذلك العديد من دول المنطقة في نقطة ستكون بالغة الحساسية في مقاربتها لكل الأطراف. وربطا، لا مفر من السعي لربط النزاع لوقف القلق الإسرائيلي من استهدافات خارج المحسوب في الزمان والمكان، حيث لا زال الإيراني في مرحلة حق الرد على العملية الأمنية المحكمة في اغتيال العالم النووي فخري زاده؟؟!!

إن أرضية الاتفاق هي في تحقيق الأطر الزمانية والمكانية، حيث تكمن الشياطين في التفاصيل التي تحتاج إلى مخارج. ومن المرجح أن يعمل الأوروبيون على تسوياتها بالاتفاق المتزامن بين عودة طهران عن خطواتها المتلاقية مع عودة أمريكية في بعض الخطوات الأولية للبدء في مفاوضات الألف ميل، حيث الكل بحاجة إلى صبر وروية قد تكون مفقودة لدى بعض المعنيين في مقدمتهم الإسرائيلي، وفي السياق لا بد أن تكون الدول المتضررة من الاتفاق الأول في حالة انتظار إلى التالي من الخطوات التي ستكون حاجاتها ومتطلباتها في صلب الاستراتيجية الأمريكية في مقاربة التعاطي مع الجمهورية الإيرانية في قادم الأيام، حين العودة إلى الطاولة التي لا مفر منها.

الكل يريد الاتفاق ولكن..

إن الوصول إلى اتفاق هو حاجة للجميع بالرغم من الدعاية المناقضة لكل الأطراف المعنية، فلا الإيراني كان مرتاحا في ظل عقوبات ترامب التي أنهكت الاقتصاد الإيراني فكيف مع إضافة مآسي كوفيد19، وكذلك الأمريكي بحاجة إلى الاتفاق في عالم مضطرب اقتصاديا لضبط حركة الإيراني الآخذة في الصعود والتهديد له ولكل حلفائه في المنطقة، أما الدول الإقليمية العربية فهي أكثر إصرارا في السعي لضمان أمن الإقليم الذي كان عامل توتر داخلي في العديد من ساحاتها، من صنعاء إلى بغداد وبيروت ودمشق وغزة.

إن أخطر ما يمكن أن تحمله قادم الأيام هو في الإصرار الإيراني على طريقة المقاربة في العودة للاتفاق، مما يعجل كل أنواع المواجهات مفتوحة في الساحات المختلفة، علما أن الانتخابات الإيرانية على الأبواب ونتائجها تشير إلى تقدم ملحوظ للتيار المحافظ الذي يود التخلص من الاتفاق النووي على الطريقة الأمريكية. أو ربما أخطر الأخطر في عدم المطابقة بين حسابات الحقل الأمريكي مع إيران مع حسابات البيدر الإسرائيلي مع طهران، فتأخذ إسرائيل خطوات فردية نارية لتجر أمريكا والمنطقة إلى وجهة نظرها، حيث ستكون الطامة كبرى على الجميع في عالم يترقب السباق بين الضربة أو الاتفاق.