سياسة دولية

معهد واشنطن: تعقيدات أمام تطبيع إندونيسيا و"إسرائيل"

إندونيسيا خلال فعالية داعمة للقدس والقضية الفلسطينية في جاكرتا- تويتر

سلط معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الضوء على إندونيسا واحتمالية تطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي، وذكر عددا من المعيقات للأمر رغم وجود بعض التواصل بين الطرفين منذ سنوات.

وقال المعهد في تقرير له، إن المشاعر الإندونيسية تجاه إسرائيل، "بعيدة كل البعد عن كونها دافئة، ووفقا لاستطلاع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية عام 2017، يرى 9 بالمئة من الإندونيسيين أنه يمكن التواصل مع تل أبيب".

ولفت إلى أن هذا الفتور يعود جزئياً إلى تاريخ إندونيسيا الحديث. فقد تبنّى سوكارنو، أول رئيس للبلاد، سياسةً خارجية مناهضة بشدة للاستعمار، وانضم إلى الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر ورؤساء آخرين لتأسيس "حركة عدم الانحياز" في عام 1961، ومنع إسرائيل من المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية عام 1962 بناءً على طلب من الحلفاء العرب.

وأضاف: "ثم جاء خليفته سوهارتو فغيّر مسار السياسة الخارجية الإندونيسية، وأصبحت البلاد منذ ذلك الحين أكثر ديمقراطية وشريكاً أوثق مع الولايات المتحدة والغرب على أوسع نطاق. ومع ذلك، استمرت في اغترابها عن إسرائيل".

ولفت المعهد إلى أن إندونيسيا قامت خلال العقود الأخيرة بعدة مبادرات أعطت إسرائيل الأمل في إمكانية التقارب بينهما. وتم تحقيق أول تقدّم كبير في هذا المجال بعد توقيع "اتفاقيات أوسلو" عام 1993 حين قام رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بزيارة سوهارتو في منزله في جاكرتا.

وفي العام التالي، سافر عبد الرحمن وحيد، رئيس الجمعية الإسلامية المعتدلة، "نهضة العلماء"، ورئيس إندونيسيا لاحقاً، إلى القدس ليشهد توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. وزار إسرائيل ثانية في عام 1997، ودعا إلى التقارب بين العرب واليهود حتى وفاته.

وأشار إلى أنه في الآونة الأخيرة، تبنّى الرئيس سوسيلو بامبانغ يودهويونو حل الدولتين للمرة الأولى عام 2012، مما أثار احتمال تَمَكُّن جاكرتا من تطبيع في سياق السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وفي وقت لاحق، تجاوز يوسف كالا، الحدود بلطف بدعوته إلى التعامل مع إسرائيل أثناء شغله منصب نائب الرئيس.

وأوضح المعهد أنه في عام 2014، أعلن كالا أن إندونيسيا "لا يمكن أن تكون وسيطاً إذا كنا لا نعرف إسرائيل يجب أن نكون قريبين من كل من إسرائيل وفلسطين". وفي عام 2018، تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي العام نفسه، سافر رئيس جمعية "نهضة العلماء" يحيى ستاقوف الذي استضاف الوزير بومبيو هذا الأسبوع إلى إسرائيل واجتمع أيضاً بنتنياهو.

 

 

اقرأ أيضا: وزير الدفاع الأمريكي يزور البحرين ويبحث المستجدات الإقليمية


وعلى مر السنين، أصبحت التبادلات السياسية والحوارات بين الأديان - غالباً بمشاركة الجالية اليهودية الأسترالية - اعتيادية نسبياً وتلقى تغطية علنية في الصحافة الأندونيسية. ومن حين لآخر، تكون هذه المبادرات أكثر رسمية: ففي عام 2008، وقّعت منظمة "نجمة داود الحمراء" الطبية الإسرائيلية ونظيرتها الإندونيسية اتفاقية تعاون في تل أبيب شهدها نائب رئيس منظمة "المحمدية"، ثاني أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا.

ويتمتع البلدان أيضاً بعلاقة اقتصادية محدودة، بصرف النظر عن افتقارهما للعلاقات الدبلوماسية. وفي عام 2018، بلغ حجم التجارة الثنائية بينهما حوالي 100 مليون دولار على الرغم من القيود الإندونيسية الكبيرة على التجارة المباشرة مع إسرائيل. وبالمثل، يقوم عدد متزايد من السياح الإسرائيليين بزيارة إندونيسيا سنوياً على الرغم من القيود المفروضة على التأشيرات، والتي يجب عليهم الحصول عليها عن طريق سنغافورة.

 

وبالمثل، يزور عشرات الآلاف من المسلمين والمسيحيين الإندونيسيين الأماكن المقدسة في فلسطين كل عام، وقد تزداد هذه الأعداد مع ظهور روابط جوية أقصر وأرخص عبر دولة الإمارات.

ووفقاً لبعض التقارير، انخرطت الحكومتان في تعاون أمني غير علني على مر السنين، وغالباً ما يُنظر إلى السفير الإسرائيلي في سنغافورة على أنه مبعوث غير رسمي إلى جاكرتا.

لكن على الرغم من تلك المعطيات، فشلت جميع هذه الإشارات الإيجابية في التمخض عن حركة متسقة نحو التطبيع. وفي عام 2012، أفادت بعض التقارير أن إسرائيل وافقت على افتتاح قنصلية إندونيسية في رام الله، على أساس أن الدبلوماسي الذي يترأسها سيكون أيضاً ممثلاً فعلياً في إسرائيل. ومع ذلك، يبدو أن الخطة تعثرت عندما أصر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على مبدأ المعاملة بالمثل.

وتبعت ذلك حادثة أخرى ذات دلالة في عام 2016، عندما صرّح نتنياهو أمام فريق زائر من الصحفيين الأندونيسيين أن "الأسباب المانعة للتقارب لم تعد قائمة" وحثّ جاكرتا على النظر في إقامة علاقات ثنائية مفتوحة بين البلدين. ورداً على ذلك، رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأندونيسية طلب نتنياهو، وكرّر دعم بلاده لإقامة دولة فلسطينية، ووبّخ الصحفيين لزيارتهم إسرائيل في المقام الأول.

وعلى الرغم من تردّد جاكرتا في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كان ردّها على اتفاقيتَي التطبيع الأخيرتين مع الإمارات والبحرين صامتاً، مما يتناقض مع المواقف التي عبّرت عنها بعض الشخصيات الإقليمية البارزة الأخرى على غرار رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد الذي أعلن أن هاتين الاتفاقيتين ستثيران الخلاف بين الدول الإسلامية. ويعود التحفّظ الإندونيسي، جزئياً على الأرجح، إلى علاقة جاكرتا وجوكوي الوثيقة بدولة الإمارات، التي يترأس زعيمها الفعلي، ولي العهد محمد بن زايد، اللجنة التوجيهية لبناء عاصمة إندونيسيا الجديدة المخطط لها في "شرق كاليمانتان".

ومع ذلك، من المرجح أن تحُول الاعتبارات السياسية المحلية دون لحاق إندونيسيا بمسار التطبيع الإماراتي والبحريني والسوداني في المستقبل القريب. فقد انتقدت بعض الجماعات الإسلامية المحلية جوكوي لكونه غير محافظ بما فيه الكفاية، وزاد حذره فيما يتعلق باليمين الديني مع إدانة عمدة جاكرتا، المدعو باسوكي تجاهاجا بورناما - وهو مسيحي من أصل صيني وأحد حلفائه السياسيين - بتهمة التجديف.

وختم المعهد بالقول: "لو وضعنا المصالح البديهية جانباً، يبقى التطبيع على الأرجح احتمالاً بعيداً قد لا يتحوّل إلى حقيقة بضربة واحدة. وقد تكون الخطوات التدريجية هي الأكثر واقعية مثل تخفيف القيود الاقتصادية والسياحية، والتي قد يكون من الصعب على السياسيين الإندونيسيين تبريرها على أسس عملية.

 

ويمكن أيضاً "تعميق العلاقة بصيغة متعددة الأوجه، إذ تستطيع إسرائيل وربما الإمارات توفير معلومات جوية وبحرية واستخباراتية قيّمة، مع قيام إندونيسيا ببناء علاقات أمنية أوثق مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".