قضايا وآراء

فتح الطريق لصفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل؟!

1300x600
جاء الإعلان الإسرائيلي الرسمي عن قيام رئيس الوزراء نتنياهو بعقد اجتماع للجنة الوزارية لشؤون الجنود المفقودين، عبر شبكة الاتصال المغلقة، لمناقشة مصير الجنود الأسرى لدى حماس، ليكون الإشارة الرسمية الأولى على وجود اتصالات بين الطرفين منذ انتهاء حرب 2014، والتي سقط خلالها جنديين إسرائيليين أسيرين لدى كتائب القسام الجهاز العسكري لحركة حماس في غزة.

منذ ذلك الوقت تبنت الحكومة الإسرائيلية سياسة التعتيم المطلق على المسألة، وأقامت جدارا من الصمت المطبق على المسألة، وتبنت الحكومة موقفا واحدا لا رجعة فيه: أن الجنود قد قتلوا، وأن ما لدى حماس فقط جثث أو أشلاء، وأنها لن تفاوض على أشلاء مقابل أسرى فلسطينيين فقط لتبادل جثث مقابل جثث لشهداء فلسطينيين.

بالرغم من محاولات حماس كسر الصمت الإسرائيلي، سواء بالبيانات أو الفيديوهات التي تعطي إشارات واضحة يقيمها ذوو الجنود الأسرى، إلا أن الجانب الإسرائيلي وطوال سبع سنوات مضت رفض التعامل مع رواية حماس، وفرض حظرا شاملا على وسائل الإعلام الإسرائيلية بكافة أنواعها من مناقشة الموضوع أو تقديم تحليلات حول الموضوع. طوال السنوات السبع اكتفت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بالنقل باقتضاب شديد عن وسائل إعلام عربية أو فلسطينية حول التصريحات التي تصدر من طرف حماس بهذا الصدد.

ما الذي تغير؟!

منذ أن نقلت وكالة الأنباء العالمية رويترز عن وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي ربطه بصورة غير مباشرة مسألة الجنود المفقودين في غزة (لدى حماس) بالسماح بنقل المساعدات إلى غزة، ورد قائد حماس يحي السنوار عليه، وإعلانه أن هناك فرصة للقيام بصفقة لتبادل الأسرى وأن الحركة عندها المرونة الكافية للوصول إلى صفقة تبادل، كان المفاجئ هذه المرة أن الرد جاء من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على المبادرة التي أطلقها السنوار بأن "منسق الرهائن والجنود المفقودين وفريقه ملتزمون بالعمل بشكل بناء بهدف إعادة المدنيين المفقودين وجثتي الجنديين وإنهاء هذه القضية". ونقل الإعلان أيضا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دعا إلى حوار سريع مع الوسطاء بين إسرائيل وحماس، من أجل المضي قدما في الاتفاق.

كان هذا الرد استثنائيا في تاريخ السلوك الإسرائيلي في التفاوض على صفقات للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، كأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كان ينتظر هذه المبادرة من جانب حماس، ليبدأ من طرفه التعاطي معها.

وهنا التساؤل: هل هذه الإشارات الإعلامية كانت صدفة أم أن شيئا كان يدور خلف الكواليس بين الطرفين منذ فترة، وقد جاء الوقت المناسب للإعلان عن انطلاقة في المفاوضات بين الطرفين، لذلك أعطى نتنياهو الإشارة لوسائل الإعلام الإسرائيلية الإذن بالحديث عن الموضوع وبحرية، فبدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنقل الأخبار عن الطرف الفلسطيني بشكل واسع وتقدم تحليلات مهمة في هذه المسألة؟

عند إجراء إحصاء كمي ونوعي لما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية من مقالات وتقارير، خلال الشهر الأخير فإن المراقب يجد فارق كبير في عدد المقالات والتقرير والتحليلات في هذا الشهر مقارنة مع سبع سنوات مضية كلها، مما يشير إلى أن نتنياهو بدأ مرحلة جديدة في التعامل مع المسالة، وأن جدار الصمت قد انهار. وهنا تمكن الإشارة إلى أن المسألة قد دخلت مرحلة جديدة، وهي المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن اجتماع وزاري بهذا الشأن، وليس من المعقول أن تكون هناك لجنة وزارية مشكلة من سبع سنوات ولم تجتمع إلا ليلة الأربعاء (29 نيسان/ أبريل). لذلك يبدو أن الإعلان هذه المرة، يشير إلى وجود ما يمكن الحديث عنه. ومن خلال متابعة هذه القضية ومقارنتها بملف التفاوض حول قضية الجندي الأسير سابقا جلعاد شاليط في عام 2007، يمكن الفهم بأن الطرفين (حماس وإسرائيل) قد توصلا إلى ملامح اتفاق وشيك حول المرحلة الأولى من الصفقة، وأصبح لزاما على نتنياهو أن يطلع الوزراء على فحوى هذا الاتفاق.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل هذه التكتم والصمت حول هذه المسألة من جهة الحكومة الإسرائيلية طوال الفترة الماضية؟ الواضح أن نتنياهو الذي يقود الدفة في هذه المسألة كان لديه هدفان رئيسيان وهما: الأول أنه لا يريد أن تكون هناك صفقة في ذلك الوقت؛ تؤكد فشل حربه على قطاع غزة، والآخر أنه لا يريد أن يقدم على صفقتين متتاليتين في فترة قصيرة لا تزيد منذ فترة أسر شاليط عن حوالي خمس سنوات، خشية أن تؤثر تكرار هذه الصفقات غير المرغوبة لدى جمهوره اليميني على حظوظه في الفوز في الانتخابات، كما أن تركيبة ائتلافه اليميني الحاكم لم تكن لتسمح له بالعودة مرة أخرى لمثل هذه الصفقة.

واليوم يدرك نتنياهو أنه على وشك أن ينهي حياته السياسية (أنا الغريق فماذا يضيرني البلل)، وكذلك أنه لن يتحمل المسؤولية ولوحده في هذه المسألة، بل سيكون شريكه في الائتلاف الحاكم، زعيم كتلة أبيض أزرق بيني غانتس، شريكه في الذهاب إلى الصفقة المحتملة، ولا سيما أن غانتس هو رئيس الأركان الإسرائيلي أثناء حرب 2014، ولديه مسؤولية أخلاقية بالعمل على إعادة جنوده الذين كانوا تحت إمرته، فلن يعيق مثل هذه الصفقة.

أي تفاق أولي بين الطرفين ومن تجربة الماضي سيكون بمثابة صفقة تحصل فيها إسرائيل على معلومات كاملة عن وضع الجنود الأسرى، خاصة شاؤول أرون، وهدار جولدن، أو أي معلومات حول ما يشاع من جثث أو أشلاء لجنود أو أشياء أخرى تخص الطرف الإسرائيلي، مقابل الإفراج عن الأسرى المرضى والنساء وأسرى صفقة وفاء الأحرار الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم قبل حرب 2014.

طبيعة المفاوضات حول هذه المسألة تبقى سرية، لكنها لمن يراقب حركة الأطراف يمكن أن تكون مكشوفة وواضحة المعالم، ولذلك لن يكون ضربا من الخيال الحديث عن قرب ميلاد الصفقة الصغرى بانتظار الصفقة الكبرى، ولا أعتقد أن الصفقة برمتها ستتأخر أكثر حتى نهاية ولاية نتنياهو، وهذا يعني أن الصفقة الصغرى بين أيدينا في قابل الأيام.