ملفات وتقارير

اليساريون العرب.. لماذا يدافعون عن ملالي إيران؟

اليسار العربي يقف مع إيران - أرشيفية
اليسار العربي يقف مع إيران - أرشيفية
على الرغم من الاختلاف الفكري العميق بين التيارات اليسارية العربية بحمولتها الأيدولوجية النافرة من الدين، وبين النظام الإيراني بصبغته الدينية المذهبية، فإن غالبية اليساريين العرب اختاروا الاصطفاف إلى جانب النظام الإيراني المنحاز بكليته إلى أنظمة وقوى محلية وقفت في وجه الثورات العربية وناصبتها العداء.

موقف إيران في انحيازاتها تلك كان صادما لكثير من أنصارها من أهل السنة، الذين شكروا لها من قبل سعيها وجهودها في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد "إسرائي"، لكنهم أسقط في أيديهم حينما رأوها تنحاز إلى النظام السوري، وتساند جماعة الحوثي في اليمن، ما أثار أسئلة قلقة حول مدى التزام إيران بمبادئها التي تتغنى بها دائما، في نصرتها للمظلومين، ووقوفها إلى جانب المستضعفين.

في معمعة الاصطفافات والولاءات وتحديد المواقف، حسم غالب اليساريين العرب أمرهم، وأعلنوا مواقفهم بانحيازهم إلى جانب النظام السوري، واصطفافهم في خنادقه، وفي الوقت نفسه دعمهم للموقف الإيراني ودفاعهم عنه، فما الذي وجده اليساريون العرب في مسارات السياسة الإيرانية إقليميا وحملهم على الانحياز إليها والدفاع عنها؟

ومن المعلوم أن اليساريين العرب علمانيون، وأن نظام الحكم في إيران ديني مذهبي، فما هي نقاط الاتفاق التي جمعت بين الضدين المتنافرين؟ وما هي المحددات التي يستند إليها اليساريون في الفصل بين نظام ديني، يصفونه في أدبياتهم بالماضوي والمتخلف، وبين وقوفهم إلى جانبه سياسيا؟

تنافر فكري وتوافق سياسي

لم يتردد الأكاديمي اليساري الأردني، أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية، الدكتور توفيق شومر، في القول بأنه "لا يوجد أي اتفاق في الفكر بين الأنظمة الدينية واليساريين، لكن يوجد بينهما توافق على مواقف معينة نابعة من الرؤية حول ما يحدث في العالم اليوم على الصعيد السياسي". 

ووفقا لشومر فإن "القضية تنحصر في الموقف من السياسات الإمبريالية في المنطقة، والتوافق حول من هم الأصدقاء، ومن هم الأعداء، وما هي المواقف التي تتوافق مع مصلحة الأمة، من وجهة نظرهم، والتي يمكن التوافق عليها، وما هي المواقف التي سيختلف حولها".

لكن ما الذي وجده اليساريون العرب في سياسة إيران الإقليمية متوافقا مع رؤيتهم وتوجهاتهم؟

أوضح شومر لـ"عربي21" في جوابه عن هذا السؤال، أن "اليسار ليس تابعا لأحد ولا يدافع عن إيران، وإنما ثمة مواقف من القضية الفلسطينية، والموقف من الكيان الصهيوني تم التوافق فيها مع الموقف الإيراني". 

وحول ما يقال عن أن اليساريين العرب لم يقفوا إلى جانب الثورات العربية، ووقفوا إلى جانب الأنظمة الاستبدادية، قال شومر، إن "أغلب التيار اليساري متفق على أن ما يحدث اليوم من صراعات في الوطن العربي لا علاقة له بقضية الحرية والديمقراطية والتقدم". 

وأضاف أن "البدائل المطروحة للأوضاع القائمة ليست أفضل من الأنظمة التي تتم محاربتها، فلا يمكن لليسار أن يقف مع من يأكلون لحوم البشر، ويقطعون الرؤوس، ويطرحون حلولا تريد أن تعيدنا إلى غياهب الجهل والتخلف، ولا يمكن لليسار أن يكون في ذات الخندق مع القوى الإمبريالية والأنظمة التابعة له". 

وخلص شومر إلى القول بأن "إيران دولة تتبع مصالحها وهذا حقها، ولكن لا بد للعرب أن يعرفوا مصالحهم ويتوقفوا عن الصراعات الطائفية والمذهبية، ويركزوا على الصراع الأساسي؛ أي الصراع مع القوى التي تحتل الأرض العربية، وتلك التي تهيمن على مقدراتها".

في السياق ذاته، أكدّ المفكر اليساري الأردني، الرئيس السابق لرابطة الكتاب الأردنيين، الدكتور موفق محادين، أنه لا يوجد أي يساري يقف مع أي نظام ديني فكريا وأيدولوجيا، وأن وقوف اليساريين مع النظام الإيراني هو وقوف سياسي محض.

وجوابا عن سؤال "عربي21" بشأن المحددات الرئيسة التي يرتكز إليها اليساريون في تحديد موقفهم من النظام الإيراني، قال محادين: "المحدد الرئيس هو الموقف من أمريكا وإسرائيل"، فأي دولة في العالم تقف في مواجهتهما نقف معها، بصرف النظر عن قوميتها ودينها.

وأوضح محادين أن ثمة تقاطع مصالح بين اليساريين وإيران وحزب الله، مع أن اليساريين يختلفون اختلافا جذريا من الناحية الفكرية والأيدولوجية معهما. 

فصام اليسار الطفولي

من جهته وبرؤية مغايرة، استدعى الأكاديمي والإعلامي الأردني، الدكتور موسى برهومة، في مقاربته للقضية المطروحة نكتة قديمة تقول إنه "إذا عطس الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، فإن كل العواصم الاشتراكية تُصاب بالزكام"، في إشارة إلى تبعية الاشتراكيين واليساريين المطلقة لموسكو.

والحال وفقا لبرهومة لم يتغير الآن، فقد "وقفت روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي السابق، مع جزار العصر وقاتل الأطفال بشار الأسد، وتحالفت معها إيران، فأصاب الزكام أغلب اليساريين العرب الذين انحازوا لصوت السكين وهو يحزُّ عظام السوريين، وتناسى أولئك اليساريون الأمميون الأدبيات الحمراء التي تحض على نصرة الفقراء والبروليتاريا والمظلومين في مواجهة الديكتاتورية وتكميم الأفواه". 

واعتبر برهومة في حديثه لـ"عربي21" مواقف اليساريين تلك لونا من التناقض الكبير الذي يصيب أصحاب الأيدولوجيات، ويمزّق المبادئ، ويعلي من شأن اصطفافات بائسة، كأن يقف يساري أممي علماني الميول (ربما) مع نظام ديني متزمّت يرى في الولي الفقيه ظل الإله في الأرض.

وأرجع برهومة صيرورة اليساريين العرب إلى أنصار لـ"ولاية الفقيه" و"نظام الملالي" إلى ما وصفه بإصابتهم "بفصام اليسار الطفولي الذي يبرر الخطايا بذرائع التكتيك والشعارات الجوفاء" ناعيا عليهم تصديقهم لإيران بأنها تعني ما تقول حينما تصف أمريكا بـ"الشيطان الأكبر" أو عندما تدعو بـ"الموت لإسرائيل". 

وتابع برهومة قائلا: "وما جعل هؤلاء يصطفون على هذا النحو المريب هو أن طهران تحالفت مع بشار الأسد على نحو يفوح برائحة الطائفية الكريهة، ومع ذلك كانت أنوف اليساريين مصابة بزكام موسكو، وراحوا يلوكون أكذوبة "المقاومة والممانعة"، وأن الأسد يحارب الإرهاب و(داعش)، مع أنه هو الذي صنع الظاهرة الإرهابية والداعشية وغذّاها ومولها وجعلها منصة لترتيب أوضاعه، وتبرير جرائمه الوحشية". 

ويخلص برهومة إلى القول بأن "أهل اليسار - جلهم - كانوا ولا يزالون منخرطين في هذه الأكذوبة، بل إن بعضهم أضحى يحجّ إلى طهران ودمشق، وينظر إليهما بصفتهما المخلص الأكبر". 

 تجدر الإشارة إلى أن تباين مواقف المثقفين العرب، قوميين ويساريين، من النظام السوري، ومن ورائه النظام الإيراني، غالبا ما يثير مواجهات فكرية عاصفة، ويؤجج سجالات ساخنة، تتراوح بين الانحياز إلى ثورات الشعوب ومطالبها العادلة في مواجهة أنظمة الطغيان والاستبداد والفساد، وبين الاصطفاف إلى جانب تلك الأنظمة – خاصة النظام السوري – باعتباره القلعة الأخيرة الصامدة في مواجهة المشاريع الإمبريالية والصهيونية في المنطقة.
التعليقات (6)
الأسباب الوهمية 3
السبت، 10-10-2015 05:38 م
سبب آخر يدعيه هؤلاء اليساريون: يقفون مع النظام السوري لأنه ((فلا يمكن لليسار أن يقف مع من يأكلون لحوم البشر، ويقطعون الرؤوس، ويطرحون حلولا تريد أن تعيدنا إلى غياهب الجهل والتخلف، )). لو كانت هذه الأسباب حقيقية، لوقفوا ضد نظام الأسد نفسه، والأهم ضد نظام ملالي الخرافة بإيران، هذه الأنظمة وعصاباتها الطائفية، الذين يأكلون لحوم البشر ويقطعون الرؤوس في معتقلاتهم وسجونهم في سوريا والعراق وإيران. ولو كانوا صادقين في وقوفهم ضد الإمبريالية لوقفوا خصوصا ضد إيران وعصاباتها الطائفية التي ركبت دبابة الإحتلال الأمريكية في العراق لتساعده في إحتلالها ولتأكل لحوم العراقيين الوطنيين وتقطع رؤوسهم وتثقبها بالمثقاب (الدريل)، هذه العصابات الطائفية التي "أعادت العراق الى غياهب الجهل والتخلف" واقعا وفعلا، وليس تهديدا وتوقعا. لو كانوا صادقين في إدعاءاتهم لكانت هذه الوقائع لوحدها سببا كافيا ليقفوا ضد نظام الأسد الطائفي الدموي، وضد ملالي الخرافة بإيران وعصاباتها في البلاد العربية. ولكنهم يكذبون على من يسألهم، ويكذبون على أنفسهم إن كانوا صادقين في إدعاءاتهم.
الأسباب الوهمية 2
السبت، 10-10-2015 05:25 م
يدعي اليساريون الوقوف مع القضايا العربية وأهمها فلسطين ومقاومة إسرائيل. ولكنهم يقفون مع النظام السوري الذي خان كل هذه القضايا، إبتداء من محاربة الفصائل الفلسطينية في لبنان ومنعها من الإنتصار على القوى "الرجعية"، مرورا بالوقوف مع إيران ذات القومية الفارسية الدينية الشيعية ضد العراق العربي القومي التقدمي الذي يتفق ويتفقون معه في كل هذه الشعارات، وإنتهاء بالوقوف مع أمريكا في حروبها بالمنطقة. أي أن النظام السوري الذي يؤيدونه خان كل المواقف التي يقفون معه لأجلها، ومع ذلك يغمضون أعينهم عن كل هذه الحقائق ليقفوا مع الأنظمة الطائفية في سوريا وإيران ضد هوية أمتهم وإستقلالها الحقيقي.
السبب الحقيقي 1
السبت، 10-10-2015 05:17 م
هو "عدو عدوي صديقي"! وهؤلاء اليساريون نشأوا وسبوا على معارك سياسية وفكرية مع الإسلاميين، ولا زالوا يعيشونها في مخيلاتهم، خصوصا أنها إنتهت بذوبانهم أمام طوفان التوجه الإسلامي. لو وقف الإسلاميون مع إيران ووقفت معهم، لوقفوا ضدهما وفي صف الإمبريالية الأمريكية، ولإخترعوا ذرائع لذلك تبدأ بمقاومة التخلف (الذي يقفون معه اليوم) ولا تنتهي بالتنوير والتقدم العلمي! يتبع
مها
الخميس، 01-10-2015 01:23 ص
السبب لآن اليساريين العرب والفرس يكرهون الاسلام
عدنان الصوص
الأربعاء، 30-09-2015 09:36 م
من ادرك بان الثورة الخمينية هي في حقيقتها ثورة ماركسية بلباس عقدي رافضي توقع الاصطفاف اليساري خلف ايران ضد الشعوب المطالبة بالحرية والديموقراطية. اما عداء ايران الخمينية لاسرائيل فهو عداء صوري بحت يهدف الى جذب الشعوب العربية نحو اليسار . والا ما معنى فضائح ايران جيت وما بعدها من علاقات ايرانية اسرائيلية لغت ملفاتها الآفاق؟