صحافة دولية

الدمار الواسع في غزة يخرج مفهوم "إبادة المنازل" إلى دائرة الضوء

الحجم الحالي للدمار في غزة من نوع مختلف- جيتي
الحجم الحالي للدمار في غزة من نوع مختلف- جيتي
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا لمحررها الدبلوماسي ‏باتريك وينتور، قال فيه إن تدمير أكثر من ثلث منازل غزة ‏أثناء قصف إسرائيل للقطاع لملاحقة مقاتلي حماس كان سببا في دفع ‏خبراء القانون الدوليين إلى إثارة مفهوم "إبادة المنازل" ـ ‏التدمير الشامل للمساكن لجعل المنطقة غير صالحة للسكن.‏

وفي حرب غزة الحالية، التي بدأت بعد الهجوم الذي شنته ‏حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ‏يقدر خبراء مستقلون أن ما يصل إلى 40% من المساكن في ‏غزة قد تضررت أو دمرت. وتقول الأمم المتحدة إن 1.8 ‏مليون شخص نزحوا داخليا داخل غزة، ويعيش الكثير منهم ‏في ملاجئ مكتظة تابعة للأمم المتحدة في الجنوب.‏

على الرغم من أن غزة قد تعرضت لأضرار في الصراعات ‏السابقة وأعيد بناؤها، إلى حد كبير بأموال من دول الخليج، ‏فإن الحجم الحالي للدمار هو من نوع مختلف.‏

اظهار أخبار متعلقة


والقضية المطروحة هي ما إذا كان حجم الأضرار التي ‏لحقت بالبنية التحتية هو نتيجة ثانوية للبحث عن حماس أو ‏جزء من خطة سرية لطرد الفلسطينيين من غزة، ما يمحو ‏إمكانية أن تصبح غزة مجتمعا شبه قابل للحياة في المستقبل ‏المنظور.‏

إن إبادة المنازل، وهو مفهوم يحظى بقبول متزايد في ‏الأوساط الأكاديمية، لا يعتبر جريمة متميزة ضد الإنسانية ‏بموجب القانون الدولي، وقد قدم المقرر الخاص للأمم ‏المتحدة المعني بالحق في السكن تقريرا إلى الأمم المتحدة في ‏تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، جادل فيه بأن هناك ‏حاجة إلى "فجوة حماية مهمة للغاية" المراد شغلها.‏

أدى تدمير المنازل في حلب خلال الحرب الأهلية السورية، ‏وتسوية قرى الروهينغيا في ميانمار، وتدمير ماريوبول في ‏أوكرانيا، إلى زيادة التركيز في السنوات الأخيرة على هذه ‏القضية.‏

وقال مقرر الأمم المتحدة بالاكريشنان راجاغوبال وأستاذ ‏القانون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، ‏لصحيفة الغارديان: "من الضروري التصدي للأعمال ‏العدائية الجارية مع العلم أنها ستدمر وتلحق الضرر بشكل ‏منهجي بمساكن المدنيين والبنية التحتية، ما يجعل مدينة ‏بأكملها - مثل مدينة غزة - غير صالحة للسكن بالنسبة ‏للمدنيين".‏

ويرى راجاغوبال أن هناك فجوة في القانون الدولي، لأنه ‏على الرغم من أن حماية منازل المدنيين مشمولة في نظام ‏روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق ‏بجرائم الحرب في النزاعات بين الدول، إلا أنها ليست ‏مدرجة ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن أن تحدث ‏خلال صراع داخل الدولة أو يشمل جهات فاعلة من غير ‏الدول.‏

اظهار أخبار متعلقة


وقال راجاغوبال: "هذا له صلة بالتدمير الشامل للمساكن في ‏حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في غزة. ستقول ‏إسرائيل إن الصراع ليس صراعا مسلحا دوليا لأن إسرائيل ‏لا تعترف بفلسطين كدولة".‏

وقال إن معظم الصراعات التي شهدت أكبر عدد من الوفيات ‏منذ الحرب العالمية الثانية كانت صراعات مسلحة غير ‏دولية، وكان الصراع بين روسيا وأوكرانيا استثناء وليس ‏القاعدة.‏

وقال إن فجوة مماثلة في ما يتعلق بالمجاعة قد تم سدها للتو. ‏وقد أدرج نظام روما الأساسي التجويع باعتباره جريمة ‏حرب وليس جريمة ضد الإنسانية، وبالتالي أعفى الجهات ‏الفاعلة غير الحكومية. وضغطت سويسرا من أجل تعديل ‏النظام الأساسي لجعل التجويع جريمة ضد الإنسانية، وهو ‏التغيير الذي تم تنفيذه أخيرا في عام 2022.‏

وقال راجاغوبال: "أود أن أناشد هذه الدول التي تعارض ما ‏يحدث في غزة، مثل جنوب أفريقيا وإسبانيا، أن تفعل ‏بالضبط ما فعلته في ما يتعلق بالمجاعة لمعالجة فجوة الحماية ‏‏والتأكد من أن التدمير الشامل للمساكن في غزة جريمة ‏يمكن المحاكمة عليها".‏

وأضاف أنه على أساس الحقائق والتصريحات التي أدلى بها ‏القادة الإسرائيليون، فإنه يعتقد أن الغرض من الدمار بهذا ‏الحجم لم يكن مجرد القضاء على حماس، بل جعل غزة غير ‏صالحة للسكن.‏

وتقول إسرائيل إن كل الأضرار التي لحقت بالمباني ‏والخسائر في أرواح المدنيين أمر مؤسف ولكنه أصبح ‏ضروريا بسبب اختباء حماس عمدا في المدارس ‏والمستشفيات ورفضها الاستسلام. وتقول إنها تبذل قصارى ‏جهدها لتحذير المواطنين من الهجمات الوشيكة.‏

إن تقديرات مستوى الدمار الذي لحق بالمباني في غزة مثيرة ‏للجدل، لكن الاستخدام الجديد لصور الأقمار الصناعية يشير ‏إلى أن 98,000 مبنى قد تضررت حتى 29 تشرين ‏الثاني/ نوفمبر، وهو تاريخ بداية وقف إطلاق النار المؤقت ‏الذي انهار لاحقا.‏

اظهار أخبار متعلقة


واستندت النتائج إلى تحليل بيانات القمر الصناعي ‏كوبرنيكوس سينتينل-1 لوكالة الفضاء الأوروبية التي أجراها ‏كوري شير من جامعة مدينة نيويورك وغامون فان دن هوك ‏من جامعة ولاية أوريغون. وقد تم الاستشهاد بعملهم مرارا ‏من قبل المؤسسات الإخبارية بدءا من هيئة الإذاعة ‏البريطانية إلى صحيفة واشنطن بوست، ما يعكس الصعوبة ‏التي يواجهها المراسلون في رسم خريطة للحجم الحقيقي ‏للدمار الناتج عن القصف.‏

بدلا من استخدام الصور البصرية، يعتمد التقييم على بيانات ‏رادار الأقمار الصناعية المتاحة للجمهور وخوارزمية تم ‏تطويرها خصيصا لقياس استقرار البيئة المبنية لاستنتاج ‏الأضرار التي لحقت بالمبانى، تتمتع بميزة النظر إلى الهياكل ‏من زوايا مائلة وليس فقط من الأعلى.‏

وأظهرت الصور التي تتحرك من الشمال إلى الجنوب أن ‏الأضرار بلغت 47% إلى 59% بين 7 تشرين الأول/ ‏أكتوبر و22 تشرين الثاني/ نوفمبر في شمال غزة، و47-‏‏ 58 % في مدينة غزة، و11- 16% في دير البلح، و10- ‏‏15 % في خانيونس، و7-11% ‏في رفح المنطقة الأقرب للحدود مع مصر. وهذا يصل إلى ‏ما بين 67,000 و88,000 مبنى، ما يعني أن حوالي ‏‏70% من المباني لم تتضرر. وسيكون الرقم في خانيونس ‏قد ارتفع منذ انتهاء وقف إطلاق النار وتركز النشاط ‏العسكري الإسرائيلي في الجنوب.‏

ومن بين المباني التي دمرت أو دمرت جزئيا المحكمة ‏الفلسطينية الرئيسية في غزة، والمعروفة باسم قصر العدل، ‏ومجمع المجلس التشريعي الفلسطيني، و339 منشأة تعليمية ‏و167 مكان عبادة، في حين أن 26 من أصل 35 مستشفى ‏في القطاع لا تعمل.‏

وأشار هيو لوفات، من المجلس الأوروبي للعلاقات ‏الخارجية، إلى أن إسرائيل "تدمر بشكل متعمد ومنهجي ‏المؤسسات المدنية والبنية التحتية التي ستكون ضرورية ‏لحكم غزة وتحقيق الاستقرار فيها بعد الصراع".‏

وتكشف صور الأقمار الصناعية أيضا عن تدمير البساتين ‏والدفيئات الزراعية والأراضي الزراعية في شمال غزة. ‏وقالت "هيومن رايتس ووتش" يوم الاثنين: "في شمال شرق ‏غزة، شمال بيت حانون، أصبحت الأراضي الزراعية ‏الخضراء ذات يوم بنية ومقفرة. تضررت الحقول والبساتين ‏لأول مرة خلال الأعمال القتالية التي أعقبت الغزو البري ‏الإسرائيلي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر. وقامت ‏الجرافات بشق طرق جديدة، ما أتاح الطريق أمام المركبات ‏العسكرية الإسرائيلية.‏

وتظهر تسريبات من داخل الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك ‏وزارة المخابرات، بأن المسؤولين يدرسون سبل إجبار ‏الفلسطينيين على مغادرة غزة، إما طوعا أو قسرا. وزارة ‏الاستخبارات ليست هيئة رفيعة المستوى في الحكومة، لكن ‏المحافظين الأمريكيين مثل جون بولتون، مستشار الأمن ‏القومي السابق، قاموا بطرح نسخ مختلفة من مثل هذه ‏الخطط.‏

وكتب غيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي ‏الإسرائيلي، في صحيفة يديعوت أحرونوت، وهي صحيفة ‏إسرائيلية: "ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى تحويل غزة ‏إلى مكان من المستحيل العيش فيه بشكل مؤقت أو دائم. ‏وخلق أزمة إنسانية شديدة في غزة هي وسيلة ضرورية ‏لتحقيق الهدف… غزة ستصبح مكانا لا يمكن أن يعيش فيه ‏إنسان".‏

وقد استبعدت الولايات المتحدة مرارا مثل هذه السياسة، ‏ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها تعلم أن حليفيها، الأردن ومصر، ‏لن يرحبا بالمزيد من اللاجئين في بلديهما، حتى على أساس ‏مؤقت.‏
التعليقات (0)