كتب

التأسيس الدستوري للدولة الدينية العنصرية في إسرائيل

باحث فلسطيني: قانون القومية الإسرائيلي يمثل في جوهره طورا من أطوار الصهيونية (عربي21)
باحث فلسطيني: قانون القومية الإسرائيلي يمثل في جوهره طورا من أطوار الصهيونية (عربي21)

الدراسة: قانون القومية الإسرائيلي- نحو مقاربة موضوعية
المؤلف يحيى محمد عبد الله إسماعيل
المصدر: مجلة أواصر الفكرية الفصلية، العدد الرابع، بتقديم المفكر السعودي محمد الأحمري
الصفحات: 22- 44
تاريخ الإصدار: يوينو 2019.

تكتسي هذه الدراسة بأهمية كبيرة، كونها من جهة، تقدم معطيات جد مهمة حول قانون القومية الإسرائيلي، وتكشف عن ثوابت الهوية الدينية لدى دولة الكيان الصهيوني وتاريخية القانون ومساره إلى أن انتهى إلى صيغته الأخيرة، وتبرز من جهة ثانية دلالات تأخر التصويت على هذا القانون، وخلفيات المصادقة عليه مؤخرا، والجدل الذي صاحبه، ومسوغات كل فريق في المنافحة عنه أو في رفضه.


وتكشف الدراسة من جهة أخرى، خلفيات لجوء المشروع الصهيوني إلى قانون القومية مسايرة للمنطق الدستوري للدولة الحديثة، الذي يتجه لتكوين دولة مواطنين، لا دولة شعب يهودي مغلق لا ينفتح على غيره.

 

دولة الكيان الصهيوني هي (الدولة القومية للشعب اليهودى)، التى يمارس فيها حقه الطبيعى لتقرير المصير

 
وتأتي هذه الدراسة ضمن العدد الرابع من مجلة أواصر، والتي خصص غلافها للقضية الفلسطينية، وشارك في الملف عدد من الباحثين، وقدم له المفكر والمثقف العربي محمد الأحمري بمقدمة إضافية، تستعرض حيثيات القضية وأوراق الاعتماد الأساسية التي تمتلكها الأمة للنهوض بها وتحريرها.

قانون القومية: الدولة الدينية بدل الدولة الحديثة 

يتساءل الباحث يحيى محمد عبد الله إسماعيل في مستهل دراسته عن خلفيات إحجام دولة الكيان الصهيوني إلى يومنا هذا عن وضع دستور دائم، كما يبادر بالسؤال عن دلالات المصادقة مؤخرا على قانون القومية في هذا التوقيت، والأسباب التي جعلت القيادات السياسية تستثمر الفرصة في هذا السياق الدولي والإقليمي فضلا عن تحولات المجتمع الصهيوني، لتبادر بإقرار هذا القانون الخطير الذي يعطي صورة عن الهوية السياسية والدينية للدولة العبرية بمصادقة الكنيست الإسرائيلي عليه يوم 18 تموز (يوليو) عام 2018 بالقراءة الثانية والثالثة والنهائية بأغلبية 62 صوتاً، مقابل 55 صوتاً وامتناع عضوين عن التصويت.

يشير القانون إلى أن دولة الكيان الصهيوني هي (الدولة القومية للشعب اليهودي)، التى يمارس فيها حقه الطبيعي لتقرير المصير؛ وعلى أن هذا الحق حصري للشعب اليهودي؛ ويثبت القانون وضع رموز هذه الدولة: علمها، ونشيدها الوطني، والتقويم العبري، والأعياد والمناسبات في نص دستوري؛ ويثبت وضع اللغة العبرية بوصفها اللغة الرسمية الوحيدة لدولة الكيان الصهيوني، مع تهميش وضع اللغة العربية، التي لم تعد لغة رسمية، وإنما لغة ذات وضع خاص؛ كما ينص القانون على وجوب استمرار الدولة في تشجيع الاستيطان اليهودي، وعلى أن القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل.

 

يستهدف القانون بالأساس الوجود الفلسطيني الراسخ في قلب دولة الكيان، ويحول دون مطالب القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي


وترى الدراسة من خلال تتبع تاريخية القانون والجدل العاصف الذي واكبه، أن هذا القانون يمثل في جوهره طورا من أطوار الصهيونية، ويستعين بتصريحات كثيرة لعدد من المؤيدين والمدافعين عن هذا القانون، والذين أكدوا في مرافعاتهم إقراره بأن هذا القانون يعكس لحظة مؤسِّسة في تاريخ الصهيونية وفي تاريخ دولة إسرائيل. 

قطع الطريق على أن تكون دولة الكيان الصهيوني دولة لكل مواطنيها

تشير الدراسة إلى أن أهم ما يميز هذا القانون، حسب أول من طرحه كمشروع قانون، هو أنه وضع كهدف أساسي له قطع الطريق علي فكرة أن تكون دولة الكيان دولة لكل مواطنيها، بلا أي تمييز أو استثناء، والوقوف ضد الفكرة التي دافع عنها المفكر الفلسطيني الدكتور (عزمي بشارة)، إذ أكد المشرع الصهيوني ـ صاحب مشروع قانون (ديختر) ـ أن الغرض من القانون هو عرقلة فكرة عزمي بشارة، ومنع أي ذرة تفكير لجعل إسرائيل دولة لكل مواطنيها، إذ يستهدف القانون بالأساس الوجود الفلسطيني الراسخ في قلب دولة الكيان، ويحول دون مطالب القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي، وذلك  بالرد عليها قانونيا ودستوريا، بأن العرب لم يكونوا قبل الصهاينة في فلسطين، ولن يبقوا بعدهم، وكل ما يستطيعون فعله هو أن يحيوا كأقلية قومية وسط الصهاينة تتمتع بمساواة في الحقوق الشخصية، ولكن ليس بمساواة أقلية قومية  . 

في مغزى توقيت تقديم مشروع القانون والمصادقة عليه

ترى الدراسة أن ثمة انتهازية سياسية واضحة في التوقيت الذي عُرض فيه مشروع القانون على البرلمان للتصويت عليه، حيث استغل رئيس الحكومة، "بنيامين نتنياهو"، الظرف السياسي الداخلي، متمثلاَ في حالة المد اليميني، وضعف القوى السياسية الأخرى لتمرير القانون، كما استغل الظرف الإقليمي المواتي، الذي تبدو فيه الأنظمة العربية منهكة ومتراجعة، وعرف كيف يوظف تأييد إدارة دونالد ترامب لدولة الكيان الصهيوني لاسيما بعد إقدامه بشكل غير مسبوق على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه بها عاصمة لدولة الكيان. 

تسجل الدراسة أن هذا القانون يوجد في أعلى مرتبة قانونية معيارية؛ في ظل غياب دستور لم ينجح الكنيست الإسرائيلي منذ سنة 1948 في إقراره أو طرح جدواه بحجة عدم نضج الظروف لطرحه، وأن الأولى طرح قوانين أساس بالتدريج، يُعنى كل قانون منها بموضوع محدد من المواضيع التى يليق تضمينها في الدستور، على أن يُبنى، بمرور الوقت، دستور شامل يستند إلى (القوانين الأساس) التي تراكمت، وإلى تجربة الكيان الصهيوني معها، وتستعرض الدراسة جانبا من هذه القوانين الأساس التي ابتدأت تباعا من سنة 1958، وأرست قوانين المؤسسة التشريعية والعلاقة بين السلطات وصلاحياتها، فضلا عن قوانين أساس تهم اقتصاد الكيان الصهيوني وأراضيه، والجيش، وأرسى (قانون أساس) وضع القدس كعاصمة لهذا الكيان، لينطلق بعد ذلك مسار النقاش القانوني حول قانون القومية الإسرائيلي،  طوال سبع سنوات في الكنيست قبل إقراره، إذ تبلورت من هذا القانون عشر نسخ مختلفة، تم تقديمها بأشكال مختلفة ومتفاوتة، وتقدم الدراسة خلفية تاريخية تفصيلية عن مسار هذا القانون، وأهم التحيينات التي واكبته، فضلا عن الانقسامات السياسية التي نشأت بسببه، إلى أن استقر في نسخته الأخيرة التي  أقرها الكنيست الإسرائيلي في صيف 2018.

دينية وعنصرية الكيان الصهيوني

يرسي القانون المبادئ الأساسية التي تقوم عليها دولة الكيان الصهيوني، ويقر بأن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأن دولة إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودي، بها يمارس حقه الطبيعي، وأن ممارسة حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل حق حصري للشعب اليهودي، دون غيره من القوميات التي يمكن أن تعيش داخل هذه الدولة.

 

القانون يقر بأن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي،


كما يحدد هذا القانون رموز الدولة، علمها ورمزها ونشيدها ويؤكد أن عاصمتها هي القدس الكاملة والموحدة، وينص على أن اللغة العبرية هي لغة الدولة، وأن للغة العربية وضع خاص في الدولة؛ وأن القانون التنظيمي هو الذي سيحدد طريقة استعمالها في المؤسسات الرسمية، كما ينص على أن الدولة ستكون مفتوحة أمام الهجرة اليهودية وتجميع الشتات، وأن الدولة ستحرص على ضمان سلامة أبناء الشعب اليهودي وسلامة مواطنيها الذين يتعرضون لمحنة وللأسر بسبب يهوديتهم أو بسب مواطنتهم، وأنها ستعمل في الشتات على الحفاظ على الصلة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي، وستعمل أيضا على حفظ التراث الثقافي، والتاريخي والديني للشعب اليهودي بين يهود الشتات، وينص القانون أيضا على أن من واجبات الدولة تطوير الاستيطان اليهودي وترى في ذلك قيمة قومية وأنها ستعمل من أجل تشجيعه والنهوض به وتعزيزه، كما ينص القانون على حيثيات أخرى تخص التقويم الرسمي للدولة (التقويم العبري) وأعياد الدولة الدينية والوطنية، إذ تشمل الأعياد الاحتفال بذكرى شهداء معارك إسرائيل ويوم ذكرى المحرقة والبطولة، كما يحدد أيام الراحة والعطل

خلفيات الجدل الإسرائيلي حول القانون بين المؤيدين والمعارضين

تتابع الدراسة بنحو مستفيض حجج مؤيدي القانون ومعارضيه، وتتوقف عند خلفيات موقف كل طرف، وترى أن أهم مسوغ يطرحه مؤيدو هذا القانون كونه يضع الأساس التوافقي لصياغة دستور لدولة الكيان الصهيوني، وأن السعي لإقرار هذا القانون جاء من خلفية قضائية، بسبب انحراف التراث القضائي عبر أحكام المحاكم في العشرين عاما الماضية، وحدوث تآكل دراماتيكي في الوزن الذي تعطيه محكمة العدل للهوية اليهودية لدولة إسرائيل. 

وتلفت الدراسة الانتباهإلى أن هذه الحجج التي حاول صياغة مفرداتها الأساتذة والباحثون الأكاديميون فضلا عن القضاة، كان القصد منها التضليل وإخفاء البعد الحقيقي وراء إقرار هذا القانون، وهو ما لم يستطع السياسيون التغطية عليه، إذ أكدوا على أن القصد من وراء ذلك هو إثبات الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وإجبار محكمة العدل العليا على أن تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار في أحكامها، وكسر شوكة هذه المحكمة أمام السلطتين التنفيذية والتشريعية.

 

القانون يكرس تصاعد التوتر بين الأغلبية والقومية، ويضعف أسس النظام الديمقراطي


وتستعين الدراسة بتعبيرات السياسيين لكشف خلفيات إقرار هذا القانون، وأنه جاء لمواصلة سياسة التوسع وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، من خلال تشجيع الاستيطان وتسويغه قانونيا ودستوريا، وتشجيعه الهجرة اليهودية إلى إسرائيل من خلال إكسابه حق الجنسية بمقتضى قانون العودة، وضربه للمكتسبات التي كانت تتمتع بها اللغة العربية.

وتستعرض الدراسة في المقابل مجمل التخوفات التي أبداها المعارضون لهذا القانون، وكونه جاء يكرس تصاعد التوتر بين الأغلبية والقومية، ويضعف أسس النظام الديمقراطي الذي يتساوى فيه بمقتضاه كل المواطنين، وأنه سيخل بالتوازن بين الصفتين: اليهودية والديمقراطية المزعومة لدولة الكيان الصهيوني، وأنه يعكس انتهازية سياسية واضحة من جانب اليمين الإسرائيلي، الذي يريد تمرير وفرض أجندته على المجتمع كافة، حيث أصبح أداة سياسية بين يدي جماعة يهودية بعينها وأن ذلك سيقود إلى تشكيل ساحة اقتتال بين تفاسير مختلفة لليهودية، وأنه بدلاً من تعزيز اليهودية، فإن القانون سيجعل من أجهزة الدولة المختلفة ساحة تؤسس فيها المصالح الاقتصادية والأيديولوجية حجم ومضمون الثقافة والتراث اليهودي، فيما يرى بعض معارضي هذا القانون أن خلفيته السياسية البارزة هو هدم أسس حل الدولتين من خلال إرساء مفهوم دولة توسعية تضم كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتستوعب بضعة ملايين من العرب من فلسطينيي الداخل ـ ضمن دولة أبارتايد عنصرية من الطراز الأول وأنه جاء ليغرب ويهمش مواطني الدولة من العرب ويحجب الحقوق الجماعية عنهم، ويشجع سياسة تمييز اليهود إلى الأفضل، وسيلحق أضراراً يتعذر إصلاحها بعلاقات اليهود والعرب بداخل إسرائيل، وبصورة الدولة في الخارج، وسيجعل الدولة مكاناً لا يُطاق بالنسبة لكل من يتبنى رؤى يهودية ليبرالية.
 
مخاطر قانون القومية الإسرائيلي

بعد استعراض حجج ومسوغات الفريقين، تتوقف الدراسة عند مخاطر هذا القانون، وترى أنه جاء ليعطي ضوء أخضر لدولة الكيان الصهيوني في الهيمنة على (الحرم القدسي الشريف)، وفي تطبيق النموذج الذي طبقته في السابق في (الحرم الإبراهيمي بالخليل) ـ فكرة التقسيم الزماني والمكاني ـ وربما يصل الأمر، في نهاية المطاف ، إلي إقامة مايسمي بـ (الهيكل الثالث) علي أنقاض (المسجد الأقصى)، وأنه أيضا جاء ليعطي لدولة الكيان الصهيوني الحق في التدخل في شؤون الدول الأخرى، طبقاَ للبند الخاص بالعلاقة مع اليهود في الخارج وحرصها علي سلامتهم، تحت مسمى حماية يهود الشتات وتشجيع هجرتهم، كما سيمكنها هذا القانون من مد أذرعها التربوية والتعليمية والثقافية في هذه الدول تحت مسمى مشاريع التعليم الصهيونى ، وتخليد التراث اليهودي وحماية الذاكرة اليهودية.

هذا ويضم العدد الرابع من مجلة أواصر الذي خصص غلافه للقضية الفلسطينية عددا من الدراسات المتخصصة، ففضلا عن هذه الدراسة المهمة، تضمن العدد دراسة  للباحث معاذ العامودي حول صناعة الفقر في غزة بين دور المانحين الدوليين وسياسة الاحتلال الإسرائيلي ما بين 1993 و2018، ودارسة أخرى للباحث ابلال محمد شلش قدم فيها قراءة تاريخية حول تحولات الأجهزة الأمنية الفلسطينية ما بين 1994 و2010، ودارسة حول علاقات الحزب والعائلة ما قبل وما بعد الانقسام الفلسطيني في قطاع غزة للباحثة آلاء السوسي، ودارسة أخرى للباحث لؤي عبد الفتاح عن القانون الأساس للقومية اليهودية وقراءة في الانعكاسات القانونية والسياق السياسي العام، ودارسة عبد الرحيم دقون حول الصهيونية ومأزق الهوية المتفردة ودراسة للباحث عماد الدين عشماوي حول كيفية الاستفادة من موسوعة المسيري في فهم الصراع العربي الإسرائيلي؟ ودارسة حول تيار المسيحية الصهيونية وتأثيره على صانع القرار السياسي الأمريكي للباحث محمد حسام منصور، كما تضمن ترجمات مهمة ومراجعات لعدد من الكتب، ودراسات وبحوث أخرى فكرية.

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل