كتاب عربي 21

"غاية" رفع المظالم لا تبرر "وسيلة" الإرهاب

1300x600
لا شك في أن السجالات الدينية والأخلاقية الداحضة للإرهاب تعتبر غير ذات فاعلية، فكل من يعتقدون في فاعلية الإرهاب قد وضعوا بالفعل تبريراتهم الخاصة بهذا الاعتقاد، ومثل هذه التبريرات في العادة تكون غير قابلة للدحض من قبل الحجج المقابلة.

فما نحن بصدده في حقيقة الأمر ما هو إلا مظالم مشروعة يتم التعبير عنها أو محاولات لرفع الضرر من خلال وسائل غير مشروعة، ولكن لا توجد طريقة نستطيع بها أن نقنع أي شخص أن وسائله غير مشروعة إذا كان هو نفسه قد أسس منطقا فلسفيا (غالبا ما يكون مغروسا في قناعته بأن مظلمته مشروعة)، وهذا الأمر يعينه على الوصول إلى النقطة التي تجعله ينادي عندها بالعمل الإرهابي أو ينفذه بنفسه.

قامت المخابرات الأمريكية بإجراء دراسة شاملة منذ عدة سنوات وخرجت هذه الدراسة (عكس توقعات الرأي السائد) باستنتاج مفاده أن الإرهابيين دائما عقلانيون وأذكياء وليست لديهم أي أعراض للمرض النفسي: أي أنهم ليسوا مجانين، وبالإضافة إلى هذا فلا يمكن أبدا وسمهم بأنهم معدومون من الأخلاق أو معدومون من الحس الأخلاقي، ولكنهم في الغالب يملكون قواعد أخلاقية عميقة وحسا عاليا بالعدالة. باختصار، قواعدهم الأخلاقية هذه تعزز من عقلانيتهم، فهم يتصرفون بهذا الشكل بدافع من حسهم بالمسؤولية تجاه قضاياهم من أجل رفع المظالم ومن أجل الدفاع عن إيذائهم أو إيذاء غيرهم من الناس، سواء كان هذا الإيذاء حقيقيا أم متصورا فقط.

النقطة هنا هي أنه لا يمكن أن نتصور أننا نستطيع النفاذ إليهم من خلال الجدال الشهير بأن الإرهاب عمل خاطئ، ولكن يمكننا مع هذا أن نقنعهم بالعدول عن مسارهم إذا أخبرناهم (بدقة) أن الإرهاب غير ذي فاعلية.

فالهدف الواضح الذي عبر عنه أسامة بن لادن لهجمات 11 سبتمبر 2001 كان هو "تدمير الاقتصاد الأمريكي، وذلك من خلال إحداث صدمة على المدى القصير وعملية طويلة المدى، عبر نضوب تدريجي عن طريق جر الولايات المتحدة إلى حرب مع أفغانستان". فالقاعدة تنبأت بأن تجربة روسيا في أفغانستان من الممكن أن تُستَنسَخ مع الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة من الممكن أن تسقط تماما مثلها مثل الاتحاد السوفييتي، ولكن هذه الاستراتيجية أثبتت فشلها على جميع النواحي.

فبينما كانت هناك فعلا صدمة على المدى القصير أصابت الاقتصاد الأمريكي بدءا من هجمات 11 سبتمبر، فإن هذا الأمر لم يقترب حتى من تدمير الاقتصاد الأمريكي، فقد بلغت التكلفة المباشرة للخسائر وإعادة البناء مع يقارب 23 مليار دولار، وبلغت الخسائر الناجمة عن توقف العمل ما يقارب 12 مليار دولار، أما الأثر الاقتصادي الكلي للهجمات فقد قدر بما بين 50 و100 مليار دولار أمريكي، وهذه الأرقام لا تكاد تصل إلى 1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي. أضف إلى هذا أن جميع الشركات في منطقة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، تقريبا، كانت قادرة على نقل مقراتها واستئناف عملها في غضون فترة قصيرة جدا. أما بالنسبة للتأثير طويل المدى ونظرية أن المغامرات العسكرية ستؤدي إلى إفلاس الاقتصاد الأمريكي؛ تدريجيا فيبدو أن هذا الزعم قائم على جهل مذهل بالكيفية التي يعمل بها الاقتصاد، فالحرب هي المحرك للاقتصاد الأمريكي الحديث، والإنتاج الحربي هو صمام الأمان للنظام الاقتصادي للولايات المتحدة، وليس هناك قطاع صناعي واحد في أمريكا لا يقوم على إنفاق البنتاغون.

فبعد أكثر من عقد من الزمان، وبعد أن تم وضع أمثلة أخرى عديدة لنظرية الإرهاب قيد التنفيذ، فإنه يجب على أي تحليل موضوعي أن يخلص إلى أن هذه الاستراتيجية لا تحقق النتائج المرجوة. فحقيقي أن الاقتصاد الأمريكي عانى الركود، ولكن هذا شيء ممنهج ومتوقع وليس له صلة بالإرهاب. وحقيقة الأمر هي أن الإنفاق على الحرب ضد الإرهاب كان مصدرا هاما للانتعاش الاقتصادي، وأن هذه الاستراتيجية فشلت بشكل كبير في تعديل السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي، فلم يتراجع العدوان العسكري بل تضاعف بدلا من ذلك. فها نحن نرى العراق في حالة خراب وسوريا في حالة من الفوضى ومعاناة الفلسطينيين في تزايد، وفي حين تمت الإطاحة بعدد قليل من الحكام المستبدين الفرادى، فإنه قد تم استبدالهم إما عن طريق من هم أقوى (كما في مصر) أو عن طريق فتنة كارثية (كما في اليمن وليبيا).

الخلاصة: لا بد أن تكون واضحة في الأذهان أن المظالم لم يتم رفعها، ولكنها تزايدت بشكل مضطرد. فحتى إذا لم يكن لديك أي مخاوف أخلاقية أو دينية من الإرهاب، فإنك يجب على الأقل أن تقر بحقيقة دامغة ألا وهي كارثيته من الناحية الاستراتيجية.