كتاب عربي 21

القاعدة في اليمن الأكثر مرونة وقدرة على الابتكار

1300x600
برهنت العملية  الأخيرة  لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب التي استهدفت مجمعاً لوزارة الدفاع اليمنية صباح الخميس الماضي على قدرة الفرع الاقليمي في اليمن على التكيّف والتطور وابتكار تكتيكات قتالية معقدة، فقد كشفت التحقيقات الرسمية أن مجموعة مكونة من 12  مسلحا  معظمهم من حملة الجنسية السعودية هاجمت المجمع على مرحلتين: فجر مسلحون يرتدون زيا عسكريا مموهاً شاحنة مفخخة بنحو نصف طن من المتفجرات عند بوابة مجمع الوزارة في المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية، انقسم المسلحون إلى مجموعات صغيرة وفتحوا النار على المستشفى الملحق بالوزارة والمعمل الطبي وحراس البنايات ما أسفر عن سقوط أكثر من 57 قتيلاً و215 جريحاً. 

جماعة "أنصار الشريعة" المرتبطة بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب أعلنت مع بدء العملية عن مسؤوليتها عن الهجوم على موقع "تويتر"  وقالت أنه تم توجيه "ضربة قاسية" لوزارة الدفاع اليمنية "بعدما ثبت لدى المجاهدين أن المجمع يحوي غرفاً للتحكم بالطائرات بدون طيار، ويتواجد فيه عدد من الخبراء الأميركيين"، واستغرقت عملية استعادة السيطرة على المجمع من قبل القوات اليمنية أكثر من 24 ساعة.

لقد اثبت الفرع الإقليمي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بأنه الفرع الأكثر خطورة ومرونة بين الفروع الإقليمية للقاعدة والأقدر على التكيف والتطور والابتكار، فمنذ الإعلان عن اندماج الفرعين اليمني والسعودي في كانون الثاني/ يناير 2009، بزعامة اليمني أبو بصير ناصر الوحيشي وتنصيب السعودي أبو سفيان سعيد الشهري نائبا له، أظهر التنظيم قدرات فائقة على ابتكار وسائل وأساليب وأدوات قتالية عالية الدقة وشديدة الفتك، على الرغم من أنه ليس الفرع الأكثر نشاطا بين الفروع الإقليمية حيث يتفوق علية الفرع العراقي الشامي، الذي يعمل باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بزعامة أبو بكر البغدادي.

خطورة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة نظراً لارتباطه المباشر بتنظيم القاعدة المركزي في باكستان وأفغانسان وتمسكه بأجندة وأهداف دولية وقدرته على الوصول لأهداف إقليمية ودولية وتمكنه من الابتكار وامتلاكه مهارات فنيّة رفيعة؛ ولذلك  فإن هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية أكثر استخداما ضد التنظيم في اليمن. فبحسب مؤسسة (أمريكا الجديدة)، وهي بيت خبرة أمريكي، تصاعدت هجمات الطائرات بدون طيار في اليمن من 18 هجمة في عام 2011 إلى 53 هجمة في عام 2012، وقد أسفرت عن مقتل عدد من كبار قيادات التنظيم من بينهم سعيد الشهري، نائب زعيم التنظيم، والداعيان البارزان أنور العولقي وسمير خان، والمسؤول الشرعي عادل العباب، ومع ذلك فإن سياسة قطع الرؤوس لم تفلح في القضاء على التنظيم وتفكيكه.

برزت قدرات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على الابتكار منذ الاندماج ففي أغسطس/آب 2009 تمكن أحد قادتها وهو السعودي إبراهيم العسيري من صنع عبوة ناسفة يصعب اكتشافها حال اخفائها في الملابس أو ربما حتى داخل جسده، وتم استهداف الأمير محمد بن نايف نائب وزير الداخلية آنذاك الذي نجا بأعجوبة، وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2009، صنع إبراهيم العسيري عبوة ناسفة مبتكرة للنيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والذي استطاع السفر من أوروبا إلى ديترويت بعد أن خبأ العبوة الناسفة في ملابسه الداخلية، وسط إخفاق شديد لأجهزة الاستخبارات والأمن في الكشف عن العبوة التي لم تنفجر، وعمل التنظيم في عام 2010، على تكرار العملية وتهريب قنابل داخل طرد لمحبرات طابعات حواسب إلى أمريكا وأوروبا كادت أن تنجح، كما جاء إغلاق السفارات الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط في رمضان الماضي بسبب تهديدات من التنظيم ليبرهن على أنه لا يزال يتمتع بالمرونة والقدرة على التكيّف والتأثير.

لقد شهد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على الصعيد الداخلي تطوراً كبيراً عقب ثورات الربيع العربي وتمكن من تطوير أدائه التنظيمي والأيدولوجي، فقد استثمر الغضب الشعبي وحالة عدم الاستقرار بتوسيع نطاق عمله، حيث ابتكر آلية جديدة للعمل والتجنيد عبر المزاوجة بين طبيعته النخبوية والانتقال إلى العمل الشعبي من خلال الإعلان عن تنظيم مساند أطلق عليه جماعة "أنصار الشريعة"، والتي سرعان ما استنسخت في بلدان عديدة كتونس والمغرب وليبيا ومصر ومالي، وقد تمكنت الجماعة الوليدة بزعامة أبو حمزة الزنجباري جلال بلعيدي المرقشي خلال فترة وجيزة من السيطرة على عدد من المحافظات وأصبحت الجماعة لاعباً محلياً رئيسياً في جنوب اليمن بعد أن استولت على أجزاء من المحافظات اليمنية الجنوبية - أبين وشبوة - في أواخر ربيع 2011، بل ولم تتخل عن إمارتها في حزيران/يونيو 2012 إلا بعد هجوم مضاد شنته عليها الحكومة اليمنية والميليشيات المحلية المدعومة بهجمات جوية أمريكية.

برهن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وأتباعه في جماعة أنصار الشريعة على قدرة لافته على التكيّف والمرونة، وعلى امتلاكه بنيّة تحية وقاعدة صلبة، فقد تمكن خلال العام الماضي من القيام بتوغلات محدودة في العديد من المحافظات مثل البيضاء في نيسان/أبريل، وحضرموت في أيار/مايو، ولحج في حزيران/يونيو  من أجل السيطرة على قرى رئيسية وإظهار قدراته المستمرة، وقد جائت عملية استهداف مجمع وزارة الدفاع تتويجا لقدراتها على تنفيذ عمليات معقدة ومبتكرة ومؤشرا على تنامي نفوذها وتأثيرها محليا وإقليميا ودوليا وعزمها على فرض نفسها كلاعب رئيس لا يستهان به.