قضايا وآراء

تجاوز المفاهيم القديمة: البربرية.. أم الجنجاوية!!

جرائم وانتهاكات في دارفور- الأناضول
(1)
أُطلقت صفة البربرية على مراحل تاريخية مختلفة، أطلقها الأوروبيون على المجموعات غير الحضرية أو ما يصفونهم بالمتوحشين (barbarian)، وارتبط في مجتمعات اخرى مع روايات البيزنطيين والأتراك، ولكنه رسخ أكثر في ذهن العرب والعالم الاسلامي بثورة الأمازيغ أو البربر على الخلافة الأموية عام 740م (تقريبا)، وتحالفهم مع بعض الخوارج ضد انحرافات السلطان عشان بن عبد الملك في ذلك الوقت، وحشدهم لحليقي الرؤوس في مواجهة جيوش الإمبراطورية الأموية وعرفوا بوحشية القتل..

ومع مراجعات التاريخ، فإن ما فعله البرابرة، أقل كثيرا مما فعله الجنجويد في السودان، ولذلك من الظلم التاريخي تسمية ما يجري من جرائم وانتهاكات وممارسات وأفعال الدعم السريع ووصفها بأنها أفعال "بربرية"، إنها أكثر وأبشع من ذلك بكثير..

من المهم وضع توصيفات دقيقة أو "صك" مفردة جديدة، مثلما سار في التاريخ جرائم النازية والبربرية والتتار، فمن الضروري أن يكون للجنجا مكان في تعريفات "الهمجية البشرية والنكبات الإنسانية"..

(2)
هناك تعريفات متنوعة للجرائم، وأعني هنا "جرائم الحرب" و"الجرائم ضد الإنسانية" و"الإبادة الجماعية"، والمتفق عليه إجمالا أن تعبير جرائم الحرب أوسع مجالا، ويمكن حصرها وفق القانون الدولي في:

لقد فعلوا أكثر من ذلك، نهبوا ممتلكات المواطنين واغتصبوا واسترقوا الفتيات والنساء وباعوهن في الأسواق، وأضافوا عليها الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بما يفوق كل الخيال الإنساني، ولذلك استحقوا أن نطلق عليهم توصيفا جديدا تحت وصف "الجنجاوية"

1. القتل العمد.

2. التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.

3. تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.

4. إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها بدون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك، وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.

5. إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية.

6. تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية.

7. الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع.

8. أخذ رهائن.

فهل أبقى الجنجا من تلك الجرائم شيئا؟ لقد فعلوا أكثر من ذلك، نهبوا ممتلكات المواطنين واغتصبوا واسترقوا الفتيات والنساء وباعوهن في الأسواق، وأضافوا عليها الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بما يفوق كل الخيال الإنساني، ولذلك استحقوا أن نطلق عليهم توصيفا جديدا تحت وصف "الجنجاوية"..

(3)
هل يمكننا وضع صورة تخيلية لتوصيف "الوحشية"؟ ما رأيكم في إعادة النظر في الطريقة التي قتل بها والي غرب دارفور خميس أبكر (15 حزيران/ يونيو 2023م)، وهو ليس من غرماء حميدتى، ولا يمكن القول إنه جيش أو فلول، إنه من قائمة "شركاء السلام"، أخذوه عنوة من مكتبه وبين حرسه ومن عائلته وقتلوه بعد أن اشبعوه شتما وسبا وإهانة ولكما، وأطلقوا رصاصة على قلبه ورأسه، ثم أفرغوا بنادقهم على بطنه. لم يكتفوا بذلك، ربطوه في سيارة وطافوا به أرجاء مدينة الجنينة، ثم ألقوا جثته وداسوا عليها بالسيارة، ورفعوا بقية الأشلاء للأطفال يتبادلون فيها الضرب، مع تلذذ وفرح، وتركوا بقية الجثة على قارعة الطريق وأكثر. من ذلك وثقوا جريمتهم بأيديهم كأنهم في حفلة عرس..

ماذا ينتظر العالم؟ وماذا تنتظر الإنسانية؟.. لقد قتلوا في ذلك اليوم وحده 5 آلاف مواطن مدني وخاصة أبناء قبيلة المساليت، وتم تهجير بقية المواطنين من بيوتهم، وقتلوا على بوابة المدينة كل طفل (ذكر)، وأذلّوا النساء، هل هذه وسيلة الوصول للديمقراطية والحكم المدني، لا أحد عاقلا يصدق ذلك، لقد أقاموا من الجثث المكدسة متاريس في طرقات المدينة، ربما لسنا بحاجة للحديث عن المقابر الجماعية في منطقة مينا ودفن الجرحى أحياء..

المصالح الدولية والإقليمية والأجندة قصيرة النظر تحاول إدارة الصراع في السودان مع الحفاظ على مصالحها وأجندتها، وهي أجندة تستند على قاعدة بقاء الجنجا وإعادتهم للمشهد رغم كل شيء وفوق كل شيء، ولذلك أغاظهم حين قال الشعب لا، وانتظم في خيار المدافعة والمقاومة الشعبية

هذه صورة من فعائلهم، فماذا فعل البرابرة قياسا معاهم؟.. إن فظاعة الجنجا أكثر بكثير عن كل شواهد التاريخ ووقائعه المعهودة..

(4)
الإنسانية مشغولة وإن حضرت فإنها متحيزة، لم تعد القوانين والمواثيق الدولية والقيم الانسانية هي مقياس المواقف والخيارات، وإنما المصالح، وهذه نفسها رهينة بعلاقات شديدة التعقيد. وإن شئت فانظر ما حدث في غزة وما حدث في أوكرانيا، بل ما حدث في إثيوبيا أيام انتفاضة التيجراي (3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020م - 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022م)، اكتفى العالم بالصمت كثيرا وبالتنديد قليلا، ولا شيء سوى أكثر من 300 ألف لاجئ وآلاف الضحايا.. المصالح تتحكم في إرادات الشعوب..

وذات المصالح الدولية والإقليمية والأجندة قصيرة النظر تحاول إدارة الصراع في السودان مع الحفاظ على مصالحها وأجندتها، وهي أجندة تستند على قاعدة بقاء الجنجا وإعادتهم للمشهد رغم كل شيء وفوق كل شيء، ولذلك أغاظهم حين قال الشعب لا، وانتظم في خيار المدافعة والمقاومة الشعبية.

ليس بمقدور أحد تركيع الشعوب، ولكن من الواضح أن بإمكانهم إحداث ضرر كبير وتدمير ممنهج..