سياسة عربية

سيناريوهات ما بعد حرب غرة.. واشنطن وحلفاؤها يدرسون خيارتهم

الدمار في غزة
مع استمرار القصف الوحشي للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يبدأ دبلوماسيون في واشنطن والأمم المتحدة والشرق الأوسط ومناطق أخرى، تقييم خيارات "ماذا بعد"، إذا تمكنت إسرائيل من الإطاحة بحركة حماس التي تدير القطاع، والتحديات التي يواجهونها في هذا الصدد ضخمة.

يقول مصدر مطلع لوكالة رويتر؛ إن تلك المناقشات تشمل خيارات مثل نشر قوات متعددة الجنسيات بعد انتهاء تصعيد أحداث الصراع في غزة، وتشكيل إدارة مؤقتة بقيادة فلسطينيين، لكنها تستبعد السياسيين المنتمين لحماس، ومنح دور مؤقت لملء الفراغ في الأمن والإدارة لدول جوار عربية، وإشراف مؤقت من الأمم المتحدة على القطاع.

يصف مصدر أمريكي أن الخيارات التي يتم دراستها ما تزال في "طور طرح الأفكار" بشكل غير رسمي، وهناك أسئلة رئيسية هي التي ستحدد ما هي الخيارات التي يمكن العمل عليها، وأبرز هذه الأسئلة ما إذا كانت إسرائيل ستتمكن فعلا من القضاء على حماس كما توعدت، وما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاء غربيون وحكومات عربية سيلتزمون بالمشاركة بجنود للفصل بين إسرائيل والفلسطينيين.
كما لم يتضح أيضا إن كانت السلطة الوطنية الفلسطينية التي تدير بشكل محدود الضفة الغربية المحتلة، هل ستكون قادرة أو راغبة في تسلم إدارة القطاع.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد طرح يوم الثلاثاء الماضي احتمالات "تجديد وإحياء" السلطة الوطنية، لكن إدارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس تلاحقها اتهامات بالفساد وسوء الإدارة.

وحتى إن تمكنت إسرائيل من الإطاحة بقيادات حماس، سيكون من شبه المستحيل القضاء على الشعور المؤيد للفصائل الفلسطينية بين سكان القطاع، بما يزيد من مخاطر تعرض أي جهة تتولى إدارته لهجمات جديدة، وهو ما قد يكون له نتائج غير مرضة.


يقول آرون ديفيد ميلر وهو مفاوض أمريكي سابق في ملف الشرق الأوسط: "إذا نجح الإسرائيليون في سحق حماس، أعتقد أنه سيكون من الصعب للغاية تشكيل هيكل حكم هناك لديه مشروعية وفاعل". وتابع قائلا: "احتمالات ماذا بعد ذلك بالنسبة لي خيالية".

كلفة إعادة الإعمار
ومع طرح هذه النقاشات التي تدور في كواليس الساسة، تطرح أسئلة حول حجم المساعدات الدولية المطلوب لإعادة إعمار قطاع غزة، التي من المتوقع أن تكون كبيرة جدا، وهي أموال سيكون من شبه المستحيل الحصول عليها من حكومات غربية، إذا ظلت حركة حماس هي الجهة التي تدير قطاع غزة.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال، قبل دقائق من مغادرته أمس الخميس لزيارة إسرائيل والأردن؛ إن اجتماعاته في المنطقة لن تتعامل فقط مع "خطوات ملموسة" لتقليل الضرر الواقع على المدنيين في قطاع غزة، لكنها أيضا ستتطرق لأمور بشأن التخطيط لما بعد الحرب.
وقال بلينكن للصحفيين: "نحن نركز على اليوم الحالي. نحتاج أيضا إلى أن نركز على ما بعد ذلك". وأشار إلى أنه يرى أساس السلام الدائم هو السير في طريق تقام في نهايته دولة فلسطينية، وهو هدف يعمل رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على محاربته منذ فترة طويلة.

دروس مستفادة
يقول مسؤولون أمريكيون؛ إنهم ونظراءهم الإسرائيليين، تحدثوا عن استخلاص الدروس المستفادة من أخطاء وعثرات وقعت فيها واشنطن في غزوها للعراق وأفغانستان، خلال الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على البلدين.

ومن بين الخيارات التي ناقشها مسؤولون أمريكيون، تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحفظ السلام، التي من الممكن أن تشمل مزيجا من دول أوروبية وعربية، على الرغم من عدم إعلان أي دولة عربية استعدادها للمشاركة في مثل تلك القوة.

ومن المرجح أن يقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن، في التورط بعمل عسكري مباشر إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي والزج بقوات بلاده في حرب جديدة، وهو على أبواب الانتخابات الأمريكية التي يسعى من خلالها لإعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة في العام المقبل، بعد أن سحب قواته العسكرية قبل عامين من أفغانستان، التي بقيت فيها قرابة عقدين من الزمن.


كما طرح بعض المحللين السياسيين أيضا فكرة نشر قوة تدعمها الأمم المتحدة في قطاع غزة، إما على شكل قوة حفظ سلام رسمية تابعة للأمم المتحدة، مثل الموجودة على الحدود بين إسرائيل ولبنان، أو قوة متعددة الجنسيات بموافقة الأمم المتحدة.

إلا أن دبلوماسيين يقولون؛ إن مثل تلك الخطوة ليست محل نقاشات في الأمم المتحدة، وهو تحرك سيتطلب موافقة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وعددها 15.

ومما سيعقد الأمور أكثر، أن إسرائيل ستعارض أي دور أمني للأمم المتحدة، خاصة بعد أن انتقد مسؤولون إسرائيليون الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش بسبب قوله؛ إن هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول على إسرائيل "لم يأت من فراغ".

مظلة إقليمية

يقيم خبراء آخرون تصورات عما قد يكون عليه الحال في قطاع غزة بعد الحرب، حيث يقول دينيس روس، المفاوض السابق لملف الشرق الأوسط ومستشار البيت الأبيض؛ إنه في حال تمكنت إسرائيل من نزع سلطة حماس وسحب السلاح في قطاع غزة، "فإن ذلك قد يفتح الطريق أمام تشكيل إدارة مؤقتة بحكومة تكنوقراط، يقودها فلسطينيون يعملون تحت نوع ما من المظلة الدولية أو الإقليمية أو كليهما".

وأشار إلى أن هذه الخطوة ستتطلب نقاشا معقدا، تقوده الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف أخرى كبرى معنية، ولها مصالح في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

لكن ليفلح ذلك، يقول روس؛ إن على إسرائيل أن تحد الإطار الزمني لوجودها العسكري في قطاع غزة، وإلا فإن أي كيان يحكم سيفتقر إلى الشرعية في عيون سكان القطاع.


ومن ضمن المقترحات الأخرى التي يتم تداولها؛ اقتراح تضمنته مقالة كتبها روس واثنان من زملائه في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تفيد بأن يقوم بدرو إدارة قطاع غزة بعد نهاية الحرب "كونسورتيوم من خمس دول عربية توصلت لاتفاقات سلام مع إسرائيل، هي: مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب".

لكن هناك بعض التشكك في إمكانية التوصل لمثل هذا الترتيب، حيث يقول ميلر الذي يعمل الآن في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن: "الدول العربية لن ترسل جنودا على الأرض لقتل الفلسطينيين".