اقتصاد عربي

بدء بيع أصول الدولة المصرية لتوفير الدولار.. "هيمنة رجال أعمال مبارك"

خبير: عمليات البيع اضطرارية.. النظام المصري يهدف لسد التزامات لحظية - جيتي
انطلق قطار الخصخصة في مصر بعد إعلان رئيس الوزراء المصري بيع حصص بشركات حكومية بقيمة 1.9 مليار دولار من بين 32 شركة حكومية، وتجهيز نحو 50 شركة جديدة لطرحها ضمن برنامج الطروحات الحكومية، بعد التعاقد مع مؤسسة التمويل الدولية للترويج لها.

وأوضح مصطفى مدبولي، أن الدولة حصلت بالفعل على 1.9 مليار دولار من تجارها من عدد من الشركات، منها حصيلة دولارية بقيمة 1.6 مليار دولار، والباقي سيتم تحصيله بالجنيه المصري، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان قريبا عن مجموعة شركات أخرى تتجاوز المليار دولار.

اللافت في حصيلة البيع، أن نحو نصفها ذهب لرجال أعمال مقربين من نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، حيث تم بيع حصة 37 بالمئة في 7 فنادق إلى شركة "أيكون للاستثمارات، التابعة لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى مع شريك أجنبي، عبر زيادة رأس المال، وبيع حصة تمثل 31 بالمئة من شركة "العز الدخيلة" بقيمة 241 مليون دولار التي يملكها رجل الأعمال أحمد عز.

فيما تم بيع حصص تراوحت بين 25 بالمئة إلى 30 بالمئة من 3 شركات، هي "إيلاب" و"الحفر المصرية" و"إيثيدكو" إلى شركة أبوظبي التنموية بقيمة إجمالية 800 مليون دولار، بالإضافة إلى ما أُعلن سابقا من طرح شركة باكين وجزء من شركة المصرية للاتصالات قبل نحو شهرين.


برنامج وطني أم مفروض

وخفضت مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، قيمة عملتها أمام الدولار الأمريكي بنحو النصف منذ آذار/ مارس 2022، بعدما كشفت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا عن أوجه خلل في الاقتصاد، ودفعت القاهرة إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي في إطار حزمة دعم بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

وتأجلت المراجعة الأولى للبرنامج وسط حالة من الغموض حول مدى التزام مصر بتعهداتها بتطبيق نظام مرن لتحديد سعر الصرف، فضلا عن برنامج الحكومة لتعزيز دور القطاع الخاص، بما يشمل بيع حصص في الشركات الحكومية.

لكن رئيس الوزراء نفى أن يكون تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية له أي صلة بصندوق النقد الدولي، أو أي مؤسسات أخري، قائلاً: "برنامج الطروحات.. توجه دولة ونحن مستمرون في تنفيذه"، مضيفا أن هذا البرنامج يأتي في إطار جهود تشجيع القطاع الخاص للدخول في تنفيذ المزيد من المشروعات الجديدة، وذلك من خلال إتاحة العديد من الحوافز والتيسيرات.."، على حد زعمه.

ورغم ارتباط ملف خصخصة الشركات بالأزمة الاقتصادية الطاحنة، إلا أن مدبولي أشار إلى أن ملف الطروحات أصبح برنامجا للدولة المصرية غير مرتبط بأزمة، ولكنه مرتبط بـ "وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تم الإعلان عنها وتلتزم بها الدولة، وسيتم التحرك في إطارها حتى مع الخروج من الأزمة الراهنة للنقد الأجنبي".


سياسة المفلس وهيمنة رجال مبارك

في تقديره لبدء الحكومة المصرية في عمليات الخصخصة، أكد الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن "الدولة تبحث في دفاترها القديمة مثل المفلس من أجل سداد ما عليها من التزامات مالية خارجية في المقام الأول، وهي رسالة لصندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية من أن الدولة في الاتجاه الصحيح، لإعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص".

ورأى في حديثه، لـ"عربي21": أن "جزءا كبيرا من عملية الخصخصة، يقترب من النصف، ذهب لرجال أعمال من أجل دعم فكرة تعزيز دور القطاع الخاص، لكن الشيء المثير في الأمر، أن رجال الأعمال هؤلاء وأصحاب النفوذ المالي هم من عصر مبارك، والنظام المصري الحالي مدين لهؤلاء الذين أثبتوا قدرتهم على استمرار دعم النظام، وظهروا كقوة مؤثرة".

أما بشأن حصيلة البيع، أوضح يوسف أنه "يذهب بشكل مباشر لسداد أقساط الديون والفوائد، وليس للموازنة العامة كما تدعي الحكومة، خاصة أن هناك التزامات كبيرة على الدولة تلتهم كل إيراداتها، ما يشكل عبئا كبيرا على المواطنين"، مشيرا إلى أن "حصيلة هذه الغلة قليلة ولا تؤشر على وجود تدفقات نقدية أجنبية جادة، كان يفترض أن تكون البدايات أقوى من ذلك بكثير، ولكن يبدو أن البضاعة لا تروق كثيرا للمستثمرين، وفي نهاية المطاف سيظل الجيش هو المسيطر".


شح العملة الأجنبية وتفاقم الدين

وقفز الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار، بنهاية آذار/ مارس الماضي، مرتفعا من نحو 43 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2013، بزيادة نحو 122 مليار دولار في 10 سنوات، وسط توقعات باستمرار ارتفاع حجم وأعباء الدين الخارجي.

في تطور سلبي، أعلن البنك المركزي المصري، الاثنين الماضي، عن تراجع صافي الأصول الأجنبية لمصر خلال أيار/ مايو الماضي إلى سالب 24.4 مليار دولار، مقارنة بسالب 24.1 مليار دولار في نيسان/ أبريل الماضي، وهو مبلغ كبير من العملة المحلية، بحسب وصف نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية، الثلاثاء.

واستبعد الخبير في مجال الاستثمار والبنوك، شريف عثمان، أن يكون الهدف من برنامج الطروحات الحكومية هو تعزيز دور القطاع الخاص، وفقا لوثيقة سياسة ملكية الدولة، وأكد أن "الهدف هو سد التزامات لحظية كانت مستحقة قبل نهاية حزيران/يونيو، ومن ثم فإن عمليات البيع اضطرارية".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لا توجد شفافية في التعامل، بل كذب وتضليل للرأي العام، يقولون الهدف من الخصخصة هو تشجيع القطاع الخاص، ولا علاقة له بصندوق النقد الدولي أو أي مؤسسة دولية، لكننا نعرف كما يعرفون أنهم مجبرون على البيع لسداد الالتزامات وتوفير النقد الأجنبي".