ملفات وتقارير

قوانين خطيرة أقرها برلمان مصر ..حصاد تشريعي "مر" خلال 10 سنوات

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية صادق عليها البرلمان- جيتي
نجح رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وأجهزته الأمنية على مدار عشر سنوات، في اختيار أعضاء البرلمان المصري بشقيه، من موالين ومؤيدين، أقروا بدورهم مئات القوانين والتعديلات عليها لخدمة النظام، وفي حصار تشريعي مر أضر بالمصريين.

وخلال دورته الأولى في عهد السيسي، (9 كانون الثاني/ يناير 2016 حتى 9 كانون الثاني/ يناير 2021)، أقر مجلس النواب المصري أكثر من 877 مشروع قانون في خمس سنوات، فيما كان مثيرا للتساؤلات الموافقة على ذلك العدد الكبير وبه آلاف المواد، وبشكل سلس.

وأقر برلمان "30 يونيو"، المؤلف من 596 عضوا بقيادة رئيسه علي عبدالعال، 233 مشروع قانون، بإجمالي عدد مواد بلغ 2490 مادة خلال الانعقاد الخامس فقط من الفصل التشريعي، الذي استمر 10 شهور.

كان من بين أخطر ما مرره ذلك البرلمان الذي يسيطر عليه حزب "مستقبل وطن"، الذراع السياسية لنظام السيسي، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية 14 حزيران/ يونيو 2017، التي قننت التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية.

ثاني تلك القوانين المثيرة، كانت موافقة البرلمان المصري بشكل نهائي في 16 نيسان/ أبريل 2019، على تعديلات دستورية تتيح للسيسي الاستمرار في منصبه حتى عام 2030، وتزيد مدة الرئيس من 4 إلى 6 سنوات.

ويواصل البرلمان الثاني في عهد السيسي (2021- 2026)، والمشكل من مجلسي النواب (568 عضوا) والشيوخ (300 عضوا)، بقيادة المستشارين حنفي جبالي وعبدالوهاب عبد الرازق، إصدار القوانين المؤثرة على حياة المصريين.

ووفق مراقبين، فإن برلمان السيسي الثاني بشقيه يواصل استكمال ما بدأه المجلس الأول بغرفته الوحيدة (مجلس النواب)، من إصدار القوانين التي كانت فارقة مع النظام وساعدته في السيطرة على مقاليد الحكم والسلطة والتخلص من المعارضين طيلة 10 سنوات.

"قرارات عبثية"
وفي تعليقه، قال القاضي المصري السابق المستشار محمد سليمان: "لا أسميها قوانين، بل هي قرارات عبثية تصدرها السلطة التنفيذية بستار تشريعي".

ويرى أن "أبرزها ما يتعلق بتعيين رؤساء الهيئات القضائية، والثاني ما أطلقوا عليه قانون الكيانات الإرهابية، والثالث المتعلق بفصل الموظفين الحكوميين المعارضين".

وأوضح أنه إلى حد كبير، كانت هذه القوانين فارقة مع النظام، وساعدته على السيطرة على مقاليد الحكم والسلطة مدة 10 سنوات، ومكنته من التخلص من معارضيه"، مبينا أن هذه القوانين تمثل إرثا كبيرا، ليس هناك مستحيل في التخلص منه يوما ما.

وفي 26 حزيران/ يونيو 2019، أصدر السيسي، القانون رقم (77 لسنة 2019)، الذي ينص على تعيين رئيس هيئة النيابة الإدارية، ورئيس هيئة قضايا الدولة، ورئيس هيئة القضاء العسكري، ورئيس محكمة النقض، والنائب العام، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، بقرارات من رئيس الجمهورية.

وقانون "الكيانات الإرهابية والإرهابيين" أقرته مصر للمرة الأولى عام 2015، وأجرت عليه عدة تعديلات، كانت جميعها بهدف وصم الجمعيات والكيانات والشخصيات المناهضة لانقلاب 2013، بالإهاب، وأهمها جماعة الإخوان المسلمين وأعضائها.

وحظر القانون أي كيان يجري وصمه بـ"الإرهاب"، وأوقف أنشطته، وأغلق الأمكنة المخصصة له، وحظر اجتماعاته، وحظر تمويله أو جمع الأموال، وتجميد الأموال المملوكة للكيان، أو لأعضائه، وإدراجه على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وغيرها.

وفي آب/ أغسطس 2021، أصدر السيسي، القانون رقم (135 لسنة 2021)، لفصل الموظفين المعارضين للنظام والمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، بدعوى "ارتكابه ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها"، فيما نص على أنه "يُعد إدراج العامل على قائمة الإرهابيين قرينة جدية".
 
"نظام قانوني موازي"
وقال الحقوقي المصري خلف بيومي؛ إن "النظام الحالي ارتكب انتهاكات جسيمة بحق معارضيه وكل من خالفه، ولم يستثن أحدا، فاقتحم الميادين والبيوت والشركات والنقابات، وقتل الآلاف وشرد أضعافها من الوظائف".

ويعاني أكثر من 60 ألف معتقل سياسي مصري في سجون نظام السيسي، جرى اعتقال أغلبهم إثر انقلابه، ويرفض إطلاق سراحهم، فيما حشد ترسانة من القوانين التي تحرمهم من حقهم في التقاضي، والدفاع عن النفس.

رئيس مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "أنتج قوانين سيئة السمعة، هي الأسوء على الإطلاق في انتهاكات النظام، حيث عمد إلى العامود الذي ترتكن إليه الدولة لتحافظ على استقلالها، فدمره بجملة من القوانين".

ورصد أهمها في قوانين "التظاهر"، و"الإرهاب"، و"الكيانات الإرهابية"، وعزل رؤساء  الهيىات الرقابية"، و"الخدمة المدنية"، و"الجمعيات الأهلية"، وغيرها من القوانين التي صدرت لـ"تخلق نظاما قانونيا موازيا لمحاكمة معارضي النظام"، وفق قوله.

"3 حزم خطيرة"
من جانبه، قدم مدير مشروع "الرصد والتوثيق التشريعي" الباحث المصري في السياسات التشريعية عباس قباري، لـ"عربي21"، رصدا لأبرز القوانين التي أقرها البرلمان المصري، وكانت فارقة مع النظام.

وقال: "في العشر سنوات الماضية عقب الانقلاب العسكري، شن نظام 30 يونيو، حربا لا هوادة فيها على النظام التشريعي المصري، غيرت من معالمه واستحدثت سياسات تشريعية لم تعهدها مصر من قبل، غايتها تقنين وضعية الانقلاب السياسية وتغطية تجاوزاته الاقتصادية والاجتماعية".

ولفت إلى أنه "لا يتسع المقام لذكرها جميعا، إذ تعد القوانين التي صدرت خلال العشر سنوات بالمئات، وتعد القرارات الرئاسية والوزارية بالآلاف".

وأضاف: "من واقع المشروع الذي أديره للرصد والتوثيق التشريعي، فإن أبرز ما أقره النظام من تشريعات يمكن تلخيصه في ثلاث حزم رئيسية تعلق بـ"الأمن السياسي"، و"بيع الأصول"، و"عسكرة الدولة".

"قوانين الأمن السياسي"
وأوضح أن "تلك القوانين التي تهدف للسيطرة على المعارضين ومحو آثار الثورة وتغييب فرص الحكم الديمقراطي؛ تشمل قوانين مكافحة الإرهاب، وتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية، وتعديل قوانين الإجراءات الجنائية، والعقوبات، والطعن أمام محكمة النقض".

وأكد أنها "مكنت الانقلاب من حبس عشرات آلاف المصريين والحكم عليهم بالإعدام والمؤبد، فضلا عن حبسهم احتياطيا بغير سقف بتعديل مواد الحبس الاحتياطي، التي يعاني منها الآلاف لمدد تصل إلى 8 و10 سنوات".

"تشريعات بيع الأصول"
وقال؛ إن "الحزمة الثانية: تشمل تشريعات بيع الأصول وتبديد الثروة، وتتضمن قوانين تأسيس الصندوق السيادي، وصندوق تحيا مصر، والعشرات من اتفاقيات القروض التي مكنت الكيانات الأجنبية دولا وشركات من عنق الاقتصاد المصري".

الباحث المصري يرى أن "القانون الأهم على الإطلاق في هذه الحزمة، هو (قانون تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة)، الذي أصدره عدلي منصور (الرئيس المؤقت) في نيسان/ إبريل 2014".

وأكد أن هذا القانون، "منح قبلة الحياة لإجراءات خصخصة الشركات العامة، وقنن أوضاع بيع أصول الدولة، بعدما حظر حق المواطنين في الطعن على العقود التي تبرمها الدولة عبر مؤسساتها المختلفة، وهو ما أيدته المحكمة الدستورية مؤخرا، عبر رفض الطعن بعدم دستوريته".

وأضاف: "ومن ثم، أهدرت مبادئ المواطنة والحق في التقاضي باستبعاد ركني الصفة والمصلحة من اختصاص قضاء مجلس الدولة، وهو ما فتح الباب لتعديلات أخري تمس التغول على اختصاصات الجهات الرقابية والمحاسبية، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للمحاسبات".

"عسكرة الحياة المدنية"
وأشار قباري إلى الحزمة الأخيرة، من القوانين التي أقرها البرلمان خلال السنوات الماضية، وخدم بها النظام الحاكم منذ الانقلاب وحتى اليوم، مؤكدا أنها "تتمثل في الإجراءات التي عسكرت الحياة المدنية".

وقال؛ إن "بها مئات القوانين والقرارات التي مكنت القوات المسلحة من مناحي الحياة المدنية كافة، عبر ممثلين عن الجيش تم تعيينهم في الأجهزة والمؤسسات والوزارات، واختصاصات بعض الوزارات التي انتقلت لوزارة الدفاع".

وبين أنه "كان نتاج ذلك سيطرة على المشاريع القومية الكبرى كالعاصمة الإدارية والعلمين، وعشرات قرارات تخصيص الأراضي بمئات آلاف الأفدنة في الأماكن المتميزة بالبلد، مرورا بمشاريع الطرق والسكك الحديد والموانئ والمطارات، وصولا لعشرات الشركات التي احتكرت التعدين والاتصالات والمجال الغذائي والخدمي".

وخلص الباحث الذي يدير مشروع الرصد والتوثيق التشريعي، لجميع ما أنتجه النظام من تشريعات وقرارات رئاسية وحكومية للقول؛ إن "هذا غيض من فيض، فما أحدثه الانقلاب في شكل الدولة المصرية قد حولها بالفعل لجمهورية جديدة".

وختم: "جمهورية يسودها القهر والخوف والفقر، وتدار على وقع الطبقية العسكرية، والتشرذم المجتمعي، وتراجع الدور الدولي والإقليمي، وتسير من سيئ لأسوأ في طريق الاستدانة ورهن القرار الوطني للمؤسسات الدولية، ما يجعل قلة القيمة شعار المرحلة، ومن أنصاف الساسة رواد المسيرة".