قضايا وآراء

ماذا خسرت روسيا من حربها في أوكرانيا

جيتي
مع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا عامها الثاني، لا تظهر في الأفق أي بوادر لتسوية قريبة، أو متوسطة المدى، في ظل تحشيد روسيا لقواتها والدفع بأسلحتها المتطورة والتهديد بالرصيد النووي، يقابله دعم عسكري غربي غير مسبوق لأوكرانيا من أجل الوقوف بوجه القوات الروسية، وهو الأمر الذي تجلّى بشكل واضح في تخلي الغرب لأول مرة وبشكل غير مسبوق عن الطاقة الروسية التي كان يعتمد عليها بشكل رئيس، بالإضافة إلى تقديمه الدعم العسكري لكييف، وبجانبه تجرؤ دول مثل السويد وفنلندا اللتين كانتا على الحياد لعقود، فتتقدم بالعضوية إلى حلف النيتو، مما تسبب في خسائر متعاظمة ومتراكمة للروس تماماً كلعبة أحجار الدومينو أو كرة الثلج المتدحرجة.

أولى ضحايا الحرب الروسية في أوكرانيا هي القوة الناعمة التي كانت تمارسها روسيا في دول جوارها، والدول التي تدور في فلكها، إن كانت في وسط آسيا أو غيرها، ولعل ما جرى أخيراً في جورجيا مؤشر واضح على تسلل القوة الناعمة من بين الأصابع الروسية، حين اندفع المتظاهرون إلى برلمان تبليسي في جورجيا يرفعون شعارات "لا للقوانين الروسية"، في إشارة إلى قانون مرره الحزب الحاكم ويقضي بملاحقة قوى المجتمع المدني؛ ضماناً لفوزه في الانتخابات المقبلة. وهو عين ما تفعله روسيا، يضاف إليه ما كشفته دولة مولدافيا عن تسليح وتدريب روسيا لعناصر مدنية داخلها من أجل الانقلاب على الدولة، كما برزت أبخازيا أخيراً وهي تتهم روسيا بمحاولة اغتيال رئيسها.

أولى ضحايا الحرب الروسية في أوكرانيا هي القوة الناعمة التي كانت تمارسها روسيا في دول جوارها، والدول التي تدور في فلكها، إن كانت في وسط آسيا أو غيرها، ولعل ما جرى أخيراً في جورجيا مؤشر واضح على تسلل القوة الناعمة من بين الأصابع الروسية
لكن الأكثر حضوراً على مستوى الخسارة الروسية في دول جوارها هو في جبهة أذربيجان وأرمينيا، حيث  سبق أن توسط بوتين قبل عامين  بين البلدين ووقع اتفاقاً بينهما، مستغلاً يومها الوضع المتوتر بفرض أكثر من 2000 من قواته على الحدود بينهما. ولكن انشغاله في أوكرانيا سيجعل حضوره يتلاشى، ويضع حداً ربما للقوة الروسية الناعمة، لا سيما في ظل مخاوف في وسط آسيا وغيرها من الدول المقربة والحليفة من روسيا بعد الحرب في أوكرانيا، على أساس قناعة نخبوية وسط هذه الدول الحليفة لروسيا بأن القوة الخشنة وربما الوحشية الروسية هي الوحيدة الحاضرة في هذه الأيام.

الاختراق الذي حققته روسيا خلال السنوات الماضية وتحديداً فيما يتعلق في الإعلام، ولا سيما في النجاح ولو بشكل جزئي بشأن التضليل الإعلامي وتحديداً خلال حربها في سوريا نظراً لعدم الاندفاع الغربي لتفنيد تلك الروايات، وجد من يتصدى له في الفترة الأخيرة في أوكرانيا، وكان من ذلك أخيراً تغريدات السفارة الروسية في واشنطن التي تحدثت عن حصولها على عشرين ألف وثيقة تنص على تحضير أمريكا والغرب لاستخدام الأسلحة البيولوجية ضد قواتها في أوكرانيا، بالإضافة إلى إثارة مسألة فيروس كورونا وتصنيع أمريكا له من أجل استهداف روسيا وغيرها. لكن بالطبع مثل هذه الأخبار التضليلية وجدت من يقف بوجهها في وسائل الإعلام الغربية، ولكن الاختراق والأرضية التي اكتسبتها روسيا في مسألة التضليل الإعلامي بما يتعلق بالحرب السورية، سيجعل الطريق صعباً وشائكاً على آلة الإعلام الغربي في تفنيد رواياتها وسردياتها.

مرة بعد أخرى تثبت السياسة ارتباط أحداثها وقضاياها مع بعضها بعضاً، ومرة بعد أخرى يتبين أن العالم كله عبارة عن كرة، مركزها في كل نقطة فيها، ومن يتحدث عن قدرته على تجاهل حدث ما، سيظهر خلطه وخطؤه ولو بعد حين..