صحافة دولية

كيف دفعت تهديدات الطموحات الاقتصادية ابن سلمان للاتفاق مع إيران؟

يسعى ابن سلمان إلى حماية طموحاته السياسية من خلال الاتفاق مع إيران - جيتي
نشرت وكالة "بلومبيرغ" تقريرا تحدثت فيه عن إصرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على تحقيق رؤيته الاقتصادية لتحويل المملكة مهما كلف الثّمن، وحماية طموحاته الاقتصادية حتى إن تطلب الأمر التقارب مع إيران والتواصل مع "إسرائيل".

وقالت الوكالة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن خطط ولي العهد لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة ومجتمعها ومكانتها في العالم تعتمد جميعها على الاستقرار، وهو ما يقود جهوده المتنامية لحماية بلاده من أي تصعيد محتمل في المواجهة الإسرائيلية مع إيران التي بدأت قبل سنتين.

وذكرت "بلومبيرغ" أن قرار السعودية المتعلق بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران - في اتفاق توسطت فيه الصين وأعلِن عنه فجأة الأسبوع الماضي - كان نتيجة لتقدير الحاكم الفعلي للمملكة أن تجانس العلاقات هو أفضل طريقة لتحقيق هذا الهدف. وقد صُمّمت هذه الخطوة للمساعدة في تحييد المخاطر الأمنية لا سيما تلك الناجمة عن مخاوف من استعداد الحكومة الإسرائيلية الجديدة لمهاجمة إيران بسبب أنشطتها النووية.

أكد هشام الغنام، خبير العلاقات الدولية السعودي الذي شارك على مدى السنوات الست الماضية في محادثات غير مباشرة مع الإيرانيين المعروفة باسم "المسار 2"، أن المملكة لديها مشاريع ضخمة واستثمارات كبيرة ولا تريد تصعيدًا في المنطقة.

وأوردت الوكالة أن مصدّر النفط الرئيسي (السعودية) أصبح منذ الغزو الروسي لأوكرانيا أكبر قوة في أسواق الطاقة العالمية، مما زاد الإقبال على مصادر الطاقة البديلة للوقود الأحفوري ورفع أسعار النفط الخام. وقد أعلنت شركة النفط العملاقة "أرامكو" السعودية المملوكة للدولة عن أرباح بلغت 161 مليار دولار خلال سنة 2022، مما جعل المملكة من أسرع الاقتصادات الكبرى نموًا السنة الماضية.

يريد ولي العهد استخدام هذه الأرباح لتنويع الاقتصاد والحد من اعتماده على النفط ودفع المملكة إلى صفوف أكبر 15 اقتصادًا في العالم. يضخ صندوق الاستثمارات العامة السيادي مئات المليارات من الدولارات لتحويل البلاد إلى وجهة سياحية وللاستثمارات الأجنبية. لكن كل هذه الآمال يمكن أن تتبدّد إذا ما أعاقت حرب جديدة في الشرق الأوسط هذه الجهود، مما دفع الأمير محمد إلى التقارب مع كل من الولايات المتحدة والصين للحصول على المساعدة.

في تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر، أخبر ولي العهد وكبار المسؤولين السعوديين العديد من الأمريكيين اليهود البارزين الذين لهم صيت في واشنطن والقدس أن المملكة العربية السعودية مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بشرط أن تمنح الولايات المتحدة الرياض التزامات دفاعية وأمنية لا يمكن التراجع عنها، وضمانات تتعلق بإمدادات الأسلحة في المستقبل، مع المساعدة في تطوير برنامج نووي مدني.

ونقلت الوكالة عن جون هانا، من المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، قوله إن واشنطن لم تلب تلك "الطلبات الكبيرة". وتفاقم العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي صاحب عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى السلطة ما أدى إلى مزيد تعقيد جهود صنع السلام مع إسرائيل.

كما قالت الوكالة إن محمد بن سلمان لجأ إلى الصين واستضاف الرئيس شي جين بينغ في قمة كبرى في منتصف كانون الأول/ ديسمبر. وقال مسؤول سعودي إن الرئيس الصيني هو الذي عرض التوسّط لتسوية الخلافات بين السعودية وإيران لتحسين العلاقات التي انقطعت في سنة 2016 بعد أن هاجم محتجون سفارة الرياض في طهران. وبعد أن أبلغ الصينيون السعودية بأن إيران قبلت مقترحاتها لاستئناف العلاقات، سافر وفد للأمن القومي من الرياض إلى بكين لإجراء محادثات سرية مع نظرائهم الإيرانيين. ثم فاجأت المملكة العربية السعودية الجميع بتوقيع اتفاقية لإعادة العلاقات كان الصينيون الضامنين الفعليين فيها.

وشددت الوكالة على ضرورة النظر إلى هذا الاتفاق على أنه بوليصة تأمين، وطريقة تمكن المملكة العربية السعودية من إيصال رسالة قوية إلى إيران مفادها "أننا لسنا متورطين في أي شيء قد يحدث ولن يلحق أي ضرر بإيران من الجانب السعودي". ومع أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك الدفاعي والأمني الرئيسي للسعودية والمزود الأول للتكنولوجيا العسكرية، إلا أن السعوديين قد أصبحوا أقل ثقة فيما يتعلق بتلقي دعم الولايات المتحدة في حالة تعرضهم للهجوم.

ونقلت "بلومبيرغ" عن مارك دوبويتز، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن قريبة من إسرائيل، أن السعوديين يراهنون على نفوذ الصين باعتبارها أكبر شريك تجاري لهم ومشتر رئيسي للخام الإيراني. ويضيف أنه من وجهة نظر الرياض، ستكون بكين قادرة على الاعتماد على إيران في حالة حدوث أي تصعيد في المنطقة، سواء كان ذلك من اليمن أو أي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران.

وأشار دوبويتز إلى أن "هذا الأمر مدفوع بإحساس عميق بالخوف وتقييم مخاطر التحول المحلي"، حيث أن وقف التصعيد السعودي مع طهران لا يغير من انعدام الثقة و"الكراهية العميقة" تجاه إيران التي عبر عنها ولي العهد خلال الاجتماعات.




ومع أن الولايات المتحدة لا تزال محورية في خطط ولي العهد - وقّعت المملكة العربية السعودية للتو عقدًا بقيمة 37 مليار دولار مع شركة بوينغ لشراء طائرات نفاثة - إلا أن اللجوء إلى الصين كشريك دبلوماسي رئيسي يُعد تحولًا مهمًا.

وأشارت الوكالة إلى أن الرئيس جو بايدن، الذي تعهد خلال مناظرة رئاسية في سنة 2019 بتحويل السعودية إلى دولة منبوذة بسبب اغتيال كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي، حاول إعادة العلاقات عندما زار الرياض في تموز/ يوليو. ولكن خفض إنتاج النفط من قبل تحالف أوبك + في تشرين الأول/ أكتوبر والحكم على مواطن أمريكي سعودي بالسجن 19 عامًا بسبب تغريدات انتقد فيها السلطة أدى إلى توتر العلاقات مرة أخرى.

وأوضحت "بلومبيرغ" أن الطريقة التي نسّقت بها المملكة العربية السعودية إعلان استئناف العلاقات مع إيران والسريّة التي أحاطت المحادثات، والإشارات المختلطة حول إمكانية التطبيع مع إسرائيل، كلها تشير إلى سياسة خارجية حازمة تسترشد أولاً وقبل كل شيء بالمصلحة الوطنية.