ملفات وتقارير

جرائم نوعية في الأردن.. هل البطالة هي السبب؟

أثارت جرائم متتالية الرأي العام الأردني وتخوفات بتصاعدها- جيتي

سجل الأردن في الفترة الأخيرة جرائم نوعية أثارت تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء انتشار الجريمة، وعلاقتها بازدياد نسب البطالة في المملكة، والتي بلغت نحو 22.6 بالمئة وفق دائرة الإحصاءات العامة، وقرابة 50 في المئة بحسب البنك الدولي.

وشهد الأردن خلال اليومين الماضيين، ثلاثة أحداث أمنية أحدثت جدلا واسعا في المجتمع، حيث أشعل شخص النيران في بيته وبداخله زوجته وأولاده الثلاثة نتيجة خلافات أسرية، الأربعاء، ما نتج عنه وفاة الأطفال، فيما نُقلت الزوجة إلى المستشفى في حالة حرجة.

وفي اليوم ذاته؛ أطلق طفل النار على نفسه من سلاح والده، ما أدى إلى وفاته. فيما ألقي القبض الخميس على شخص ظهر بمقطع فيديو وهو يعتدي بالضرب على آخر أمام أطفاله في مدينة الرمثا شمال المملكة.

وفي 17 أيلول/ سبتمبر الجاري؛ اندلعت أعمال شغب في منطقة شفا بدران شمالي العاصمة عمان، على خلفية تعرض شخص ثلاثيني لجريمة قتل بعيار ناري. وأحرق المحتجون ثلاثة منازل أحدها لنائب في البرلمان الأردني، وأغلقوا شوارع عدة، وأشعلوا النار في نحو ست مركبات.

وبعدها بثلاثة أيام؛ وقعت مشاجرة عنيفة أثناء حفل زفاف في صالة للأفراح بمنطقة تلاع العلي في العاصمة عمّان، شارك فيها العشرات من طرفي المناسبة.

الجريمة والبطالة


جرائم يربط الخبير في علم الاجتماع، الدكتور حسين الخزاعي، بينها وبين ارتفاع نسب البطالة في البلاد، وذلك بسبب المشاعر القاسية التي يعيشها العاطلون عن العمل، والتي تدفعهم إلى ارتكاب الجريمة، وخصوصا تلك المتعلقة بالمال.

وأوضح الخزاعي لـ"عربي21"، أن العاطل عن العمل يشعر عادة بالدونية والنقص، وعدم قدرته على تأمين الحاجات الأساسية له ولأسرته، وتهتز مكانته الاجتماعية أمام الآخرين، إضافة إلى شعوره بالوسواس والقهر والاكتئاب والتوتر والانعزال والنقمة على المجتمع والغضب والحزن، وكلها مشاعر تنمي فيه روح الجريمة، وتدفعه إلى ارتكابها.

وأشار إلى أن 50 في المئة من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن، يعودون لارتكاب الجرائم بسبب عدم وجود فرصة عمل لهم في الحياة المدنية بعد مغادرتهم السجن، في حين يرى 24.9 في المئة من النزلاء أن الجريمة هي مصدر دخلهم.

ولفت إلى أن جرائم السرقة والاحتيال بمختلف أنواعها، أو ما تسمى بـ"الجرائم الواقعة ضد المال"، تشكل في الأردن نحو ثلثي الجرائم، بما نسبته 66 في المئة.

وقال الخزاعي إن الخطورة في علاقة البطالة بالجريمة، أن العاطلين عن العمل يصاحبون عادة أمثالهم، فتلتقي دوافع الطرفين لتحريك الطاقات الكامنة لديهم باتجاه ارتكاب الجريمة والحصول على المال، ويتنامى عندهم الشعور بالانتقام من المجتمع بشكل عام.

وبيّن أن التعطل عن العمل يؤدي إلى خلافات أسرية كبيرة في المجتمع، وحالات نزاع قد تصل إلى حد ارتكاب الجريمة، مشيرا إلى ارتفاع عدد الشكاوى في دوائر المحاكم الشرعية لتصل إلى 141 ألفا و529 قضية عام 2021، مقارنة بـ116 ألفا و413 في 2020.

وتوقع الخزاعي أن تزداد معدلات الجريمة في ظل ارتفاع معدلات البطالة، وخاصة بين الشباب حيث بلغت 48 بالمئة، فيما بلغت نسب البطالة بين المتعلمين ذكورا وإناثا 40 بالمئة.

انعكاسات مالية ونفسية


وتؤكد العديد من الدراسات العلاقة الطردية ما بين البطالة، وبين معدلات الجريمة وسائر مظاهر التوتر المجتمعي، وتبين أن البطالة تقترن بصورة أساسية بثلاثة أنواع من الجرائم، هي جرائم الملكية، والعنف، وتلك المرتبطة بالمخدرات.

وبيّن أخصائي علم النفس الاكلينيكي، براء القيسي، أن ثمة نوعين من الانعكاسات السلبية التي تخلفها البطالة في المجتمع، وهما الآثار المالية المباشرة على حياة الفرد، والانعكاسات النفسية.

وأوضح أنه "لمواجهة الضائقة المالية المستمرة التي يعيشها الفرد؛ فإن من المحتمل بصورة أعلى أن يلجأ الأفراد إلى وسائل غير مشروعة لتحصيل الكفاية المالية، وهو ما يعني زيادة احتمالية حدوث جرائم الملكية، واللجوء للاتجار بالمخدرات وغيرها من الممنوعات".

وأضاف القيسي أن "هذه الضائقة تزيد احتمال لجوء الناس إلى الاستدانة من بعضهم، وهو ما يترافق في هذه الحالة مع تباطؤ في رد الحقوق، وبالتالي زيادة الصراعات والتوترات الاجتماعية ومشاعر التنافر بين الناس، والتي تفتح بدورها بابا لجرائم العنف بصورة أعلى".

وعن الانعكاسات النفسية للبطالة، والتي قد تتسبب بارتفاع التوترات الاجتماعية؛ قال القيسي، إن آثار البطالة النفسية تتمثل بصورة أساسية في أعراض القلق حول الأمان الصحي والتعليمي للفرد، والاكتئاب الذي يتجلى في سوء المزاج بصورة مستمرة، وتراجع مستويات الطاقة لدى الفرد، وانخفاض في مستوى الاستمتاع بالأشياء، إضافة إلى مشاعر فقدان الأمل واليأس في تحسن الأحوال مستقبلا.

وتابع: "ينتج عن البطالة أيضاً؛ حالة من تدني تقدير الذات، بسبب شعور الفرد بضعف إنتاجيته ومحدودية تحقيق ذاته، وكذلك استمرار اعتماده على غيره في مصاريفه الأساسية"، لافتا إلى "الآثار الصحية الجسمانية التي تترافق مع الأعراض النفسية المذكورة، وانخفاض فرص الترفيه التي يمكن الاستعانة بها لإنعاش الحالة النفسية".

وبيّن القيسي أن الأعراض السابقة قد يرافقها مستويات أعلى من سرعة الانفعال والغضب، ما يعني زيادة احتمالية جرائم العنف، وربما اللجوء إلى المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع، ما يؤدي أيضاً إلى زيادة في معدلات الجريمة.

وأشار إلى أهمية التفريق بين نوعين من حالات البطالة، الأولى هي "البطالة الطارئة" الناشئة عن أزمة اقتصادية مؤقتة، كتلك التي خلفتها جائحة كورونا، والثانية هي "البطالة المستدامة" الناتجة عن عقم السياسات الاقتصادية والفساد الإداري المترسّخ في البلاد.

وأوضح القيسي أن "البطالة المستدامة تترافق مع آثار سلبية إضافية؛ تتمثل في تنامي مشاعر فقد الأمل لدى عموم المجتمع في الخلاص من الضائقة التي يعيشونها، إضافة إلى نشوب مشاعر الاحتقان تجاه الفئات الأكثر حظاً في المجتمع، وهو ما يعني حالة عامة من الضغينة تهدد الاستقرار الاجتماعي".

وأضاف: "كما يحتمل أن تترافق حالة البطالة المستدامة بصورة أعلى بتراجع مستويات الانتماء الوطني لدى أفراد المجتمع، وهو ما قد يتجلى في انخفاض مستوى التعاون مع الأجهزة الأمنية التي تتولى مهام مواجهة الجريمة".

ويمكن إيجاز العلاقة بين البطالة ومعدلات الجريمة والتوتر المجتمعي في حالة "الانفجار الأفقي"، حيث يؤدي الضغط الاقتصادي المستمر الذي يعيشه الأفراد، والذي يتسبب به السلوك الحكومي بصورة أساسية، إلى حالة من الانفجار في ردود الأفعال، وإذ يتعذر توجيه هذا الانفجار عامودياً نحو الحاكم؛ فإنه في هذه الحالة يتجه أفقياً نحو فئات الشعب المحكوم، وفق القيسي.

وتجدر الإشارة إلى أن معدلات البطالة انعكست بشكل مباشر على نسبة الفقر في المجتمع، حتى وإن لم تكن هناك أرقام جديدة معلنة، فبحسب دراسة للبنك الدولي فإن مليون أردني يعيشون تحت خط الفقر الذي يبلغ 68 دينارا (نحو 95 دولارا) للفرد شهريا.