صحافة إسرائيلية

تقدير: "إسرائيل" تخاف من السلام مع الفلسطينيين

هناك عدد كبير من المستوطنين لن يسمحوا بإخلاء المستوطنات - جيتي

بعد وقف العدوان على غزة، غلب على كثير من التقييمات الإسرائيلية طابع التشاؤم من التحضير للمواجهة القادمة، مما يعني بقاءهم في حالة من الاستنزاف غير المتوقف من المواجهات التي لا تنتهي مع الفلسطينيين، الأمر الذي يطرح التساؤل على دوائر صنع القرار لديهم: لماذا تخاف "إسرائيل" من السلام مع الفلسطينيين، لأن الواقع الحاصل معهم ليس سوى حالة من العبث المتكرر، دون حلّ في النهاية.

تعترف الأوساط الإسرائيلية أن المحافل السياسية والأمنية تخشى السلام أكثر من الحرب مع الفلسطينيين، انطلاقا من أن استمرار وجود الدولة لا يعتمد فقط على الأراضي التي تحتلها، ولكن أيضًا على تحديد الحدود الدائمة، والاعتراف بها على المستوى الدولي، وكأن القوة العسكرية لا تكفي لوجودها، بل يجب تعميق العنصر السياسي، وتقويته، وطالما أن أي اتفاق سياسي مع الفلسطينيين يضمن مصالح الاحتلال من حيث الحدود والمياه والأمن، فإنه يتطلب تنازلات عن الأراضي، وهنا المعضلة!

إيتاي لاندسبيرغ نيفو الكاتب في موقع زمن إسرائيل، ذكر في مقال ترجمته "عربي21" أنه "من أجل التوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية، يجب على كل طرف أن يأخذ في الاعتبار مطالب الجانب الآخر، لكن عدم حصول ذلك يعني بقاءهما في حال استنزاف دائم، مع العلم أن الرفض الإسرائيلي للتسليم بمطالب الفلسطينيين يعود في جوهره إلى الوضع السياسي في دولة الاحتلال، حيث الأغلبية الحزبية تعارض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، لإقامة دولة لهم عليها".

وأضاف: "هناك عدد كبير من المستوطنين لن يسمحوا بإخلاء المستوطنات، وسيمنعون ذلك بمقاومة جسدية عنيفة، بجانب عمليات غسيل دماغ لا نهاية لها تستهدف الجمهور الإسرائيلي من خلال تخويفهم أن أي انسحاب يعني تكرار سيناريوهات الإبادة الجماعية، بل واتهام القوى السياسية داخل فلسطين48 بدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة، حتى أن بنيامين نتنياهو نفسه زعم بأنهم يريدون تدمير إسرائيل، والخلاصة أن غسيل الأدمغة لمعظم أعضاء الكنيست يهدف للحفاظ على حكمهم وسلطتهم".

 

اقرأ أيضا: إحباط إسرائيلي من نتائج العمليات العسكرية المتكررة ضد غزة

من الواضح أن الإسرائيليين باتت تتملكهم مشاعر الخوف والقلق من أي انسحابات محتملة من الضفة الغربية بالذات، بزعم أنها تعني تهديد بقائهم، وتشكل خطرا على ذوي السلطة والحكم، وفي المقابل فإن شن الحروب على الفلسطينيين يشكل خطرا على الإسرائيليين، لكنها في الوقت ذاته تقوي قبضة من هم في السلطة من الأحزاب الإسرائيلية.

يتذرع الإسرائيليون المعارضون لأي انسحابات من الأراضي الفلسطينية أن أي خطوة من هذا النوع كفيلة بإسقاط الحكومات الإسرائيلية، على اعتبار أن مقتل إسرائيليين في عمليات فدائية، وإطلاق صواريخ على المستوطنات، والبقاء في ملاجئ، كل هذا لا يهدد الحكومة، ما يهددها فقط هو الدخول في مشروع تسوية مع الفلسطينيين، يتضمن الانسحاب من بعض مناطق الضفة الغربية، هذا هو جوهر غسيل الدماغ الإسرائيلي.

تأكيدا على ذلك، فإن نتنياهو كان رئيسا للوزراء لمدة 12 عاما، لكنه لم يقم بزيارة واحدة لمستوطنات غلاف غزة، وسمح باستيعاب 13 ألف صاروخ، وآلاف البالونات الحارقة، ومع ذلك فقد بقي في السلطة، فقط ما جعل عرشه يهتز في الحكم هي ملفاته الإجرامية التي جعلت الأحزاب اليمينية تدير ظهرها له، وتوحدت مع اليسار للإطاحة به، وفيما حافظ على الجمود السياسي مع الفلسطينيين، فقد ضمن له ذلك الاستمرار في الحكم.

يستعيد الإسرائيليون ما حصل لرئيس وزرائهم الراحل إسحاق رابين الذي تلقى ثلاث رصاصات في ظهره من خصومه اليمينيين الذين حرضهم نتنياهو ذاته، مما جعل الأحزاب والحكومات الإسرائيلية اللاحقة تخشى إبرام السلام مع الفلسطينيين من خوض الحرب معهم، لأنه يتضمن تقديم تنازلات يعتبرونها "مؤلمة" تتعلق بالانسحاب من أراضي الفلسطينيين، أما الحرب فثمنها معروف، القتلى يدفنون، والمشيعون يبكون، وبعد أيام ستصبح الحرب منسية، وفق التقدير الإسرائيلي.