أفكَار

إبراهيم السنوسي.. من مؤيدي الترابي والتوافق في السودان

إبراهيم السنوسي.. من قيادات الحركة الإسلامية السودانية الأكثر ارتيادا للسجون (فيسبوك)

على الرغم من أن الإسلاميين في السودان قد حكموا البلد نحو ثلاثة عقود كاملة، إلا أن تجربتهم كانت في أغلبها تعكس طبيعة المواجهة مع النظام الدولي، الذي تحفظ ولا يزال يتحفظ على إشراك الإسلام السياسي في الحكم.

أما الآن، وقد انتهت تجربة الإسلاميين في السودان، فإن ذلك يسمح بإعادة قراءة التجربة وتأملها، وليس هنالك طريقة أكثر قربا من معرفة أسرار الحركة الإسلامية السودانية وتجاهاتها، وأكثر صدقا من قراءة تجارب قياداتها وأطروحاتهم.. وهذا ما فعله القيادي فيها الدكتور أمين حسن عمر، بسلسلة مقالات، يسجل فيها سيرة قيادة الحركة الإسلامية في السودان، تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك،" في سياق تعميق النقاش ليس فقط حول تجارب الإسلاميين في الحكم، وإنما أيضا في البحث عن علاقة الدين بالدولة.


رموز التنوير

ولد الأستاذ إبراهيم السنوسي في مدينة الأبيض، ودرس بها مراحل التعليم حتى نال دبلوم معهد المعلمين، ثم درس بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، ونال الإجازة في الحقوق فيها في ذات الوقت الذي عمل فيه معلما بمدرسة بيت الأمانة الثانوية. 

كان السنوسي كادرا تنظيميا نشطا في ذات الوقت، وهو أول من نظم الاتجاه الإسلامي بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وقد كان تجاهه في الحركة محافظا ومعارضا للدكتور الترابي في مؤتمر الحركة الإسلامية في العام 1969، وصوت لصالح الدكتور جعفر شيخ إدريس، الذي لم ينل كثيرا من الأصوات، لكن كانت له اهتمامات بالعمل الرياضي في وقت مبكر، ودخل في قيادة نادي المريخ في العام 1968 في لجنة فؤاد التوم، وصاحب الفريق عدة مرات في مباريات داخل البلاد وخارجها. 

اعتقل إبراهيم السنوسي بعد انقلاب مايو (أيار) مع قيادة الحركة الإسلامية، ثم أفرج عنه فغادر إلى لندن، ثم إلى ليبيا؛ ليكون أحد قيادات الجبهة الوطنية التي آثرت العمل الميداني، وشارك في قيادة حركة 2 تموز (يوليو) العسكرية، التي قادتها الجبهة الوطنية من ليبيا ضد نظام مايو. 

وفي أثناء المحاولة العسكرية، جاء إلى جامعة الخرطوم وخاطب طلابها، ثم ذهب للإذاعة في محاولة لتشغيلها، وبعد فشل المحاولة حكم عليه بالإعدام غيابيا، ولكنه تمكن من التسلل عودة إلى ليبيا. وعاد بعد المصالحة، ورغم قربه من الدكتور الترابي، إلا أنه آثر عدم المشاركة، وأنشأ وكالة سارب للسفر والسياحة، وعمل بالحركة الإسلامية في علاقاتها الخارجية.

واعتقل مرة أخرى في 18 آذار (مارس) 1985 بعد اعتقال نميري لقيادة الحركة وبعد انتفاضة رجب ـ أبريل، عاد ليؤسس مع الدكتور الترابي رحمه الله وآخرين الجبهة الإسلامية القومية، وفاز في العام 1986 بدائرة في مدينة الأبيض، ليصبح نائبا بالجمعية التأسيسية حتى 1989. 

وعند قيام انقلاب 30 حزيران (يونيو) 1989، اعتقل مع الدكتور الترابي حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، عمل قريبا من الدكتور الترابي وصار من أقوى المؤيديين لآرائه ومواقفه، وصار نائبا له في المؤتمر العربي الإسلامي. وبعد تولي الترابي رئاسة المجلس الوطني، قبل السنوسي منصبا حكوميا، وكان من قبل يؤثر صحبة الترابي على أيما تكليف آخر. 

 

                        إبراهيم السنوسي مع الدكتور حسن الترابي

وتولى واليا على ولاية كردفان، وبعد المفاصلة، لم يكن مستغربا أن يكون السنوسي مؤيدا ومصاحبا للدكتور الترابي في السياسة والاعتقال، لكنه كان من أقوى المؤيدين لاستراتيجية الحوار الوطني، فهو لم يحب قط التقارب مع اليسار، وكان اليساريون يبادلونه ذات المشاعر، وقد احتفظ بعلاقات طيبة مع إخوانه من الفريق الآخر في غالب الأوقات. 

وبعد الحوار، تولى السنوسي منصب مساعد رئيس الجمهورية ونشط في الأشهر الأخيرة من عمر الإنقاذ مع موسى محمد أحمد وآخرين، في مبادرة المساعدين للتوصل إلى تفاهم وطني واسع، ولكن تدابير الآخرين سبقت مساعيهم. 

وبعد وفاة الدكتور الترابي، تولى إبراهيم السنوسي منصب الأمين العام المكلف للمؤتمر الشعبي حتى قيام الانتخابات التي تنازل عن الترشح فيها للمنصب. وعلى الرغم من كون المؤتمر الشعبي من المؤسسين لما سمي بقوى الإجماع الوطني التي أسست ما سمي بقوى الحرية والتغيير، فإن رفقة النضال لم تكن كافية لتمنع اعتقال السنوسي والدكتور علي الحاج بتهمة يعلم الجميع أنها تهمة سياسية، أطلقها سياسيون لأغراض سياسية، والقانون والعدالة منها براء. 

فك الله أسر إبراهيم، فهو من أحلاس السجون والمعتقلات، ولكن الحرية والعافية أوسع للمؤمنين.