قضايا وآراء

نتنياهو إذ يحاول اللعب بعقارب الساعة

1300x600
في محاولة بائسة ويائسة للتغطية على الهزيمة الواضحة والفاضخة أمام المقاومة الفلسطينية، وللفت الأنظار عن الحقيقة المرة والمؤرقة التي تجسدت بساعات ما بعد وقف إطلاق النار، وللبحث عن نصر وهمي يمكن تسويقه لجمهوره المهزوز بعد حملة كي الوعي التي مسّت عمقه، سمح الاحتلال لقواته المجروحة باقتحام الأقصى وحي الشيخ جراح في القدس، ظنا منه أن المقاومة الشعبية في القدس وفي الضفة الغربية وفي الداخل المحتل عام ٤٨؛ أقل شراسة وفاعلية من المقاومة المسلحة التي اختبرها العدو خلال الأيام القليلة الماضية.

ولعل بنيامين نتنياهو لم يتعلم الدرس جيدا، وما يزال يعيش الصدمة وحالة الإنكار معزولا عن واقع جديد يتجسد، ولعله لم يدرك بعد الصدمة الأخيرة بأن الوعي الفلسطيني قد تغير؛ فالقدس والمقدسات وخاصة الأقصى خط أحمر غير قابل للمساس أو الاختبار، وستبقى الصاعق الذي يمكن أن يفجر الوضع مرات عديدة.
بنيامين نتنياهو لم يتعلم الدرس جيدا، وما يزال يعيش الصدمة وحالة الإنكار معزولا عن واقع جديد يتجسد، ولعله لم يدرك بعد الصدمة الأخيرة بأن الوعي الفلسطيني قد تغير؛ فالقدس والمقدسات وخاصة الأقصى خط أحمر غير قابل للمساس أو الاختبار

إن القادة في الكيان الصهيوني أدركوا بأن بنيامين نتنياهو يستدرجهم إلى المجهول من أجل مكاسب سياسية وطموحات شخصية تحول دون سقوطه المروع وإيداعه السجن، في صورة نهاية تراجيدية مؤلمة لرجل ظن أنه يستطيع خداع جمهوره طوال الوقت.

إن السلوك السياسي لبنيامين نتنياهو يعبر عن فقدان التوازن والارتباك السياسي بعد جولة ساخنة أمام مقاومة فلسطينية في قطاع محاصر، وليس أمام دولة تتمتع بالسيادة والنفوذ والعمق الاستراتيجي. وقد تكون المعركة الأخيرة هي الحدث الأبرز الذي يسدل الستار على حقبة سياسية قاتمة استمرت لأكثر من ربع قرن، وكان هو جزءا فاعلا في دوائر صنع القرار.

لقد تجاوز نتنياهو مرحلة التوازن وفقد السيطرة على مصادر القوة والحيلة اللتين كان يتمتع بهما عبر تكتيكاته وتحالفاته الكثيرة والمتغيرة والمعقدة، وربما، بعد هذه الصدمة، سيتخلى عنه حلفاؤه في ائتلافه بالداخل وداعميه في الخارج، وخاصة الحليف الأمريكي الذي بات يجد فيه عبئا على سياساته ومصالحه الخارجية، فإدارة جو بايدن ليست إدارة ترامب التي منحت الكيان ونتنياهو شكا مفتوحا للتصرف بالحقوق الوطنية والسياسية الفلسطينية.
تجاوز نتنياهو مرحلة التوازن وفقد السيطرة على مصادر القوة والحيلة اللتين كان يتمتع بهما عبر تكتيكاته وتحالفاته الكثيرة والمتغيرة والمعقدة، وربما، بعد هذه الصدمة، سيتخلى عنه حلفاؤه في ائتلافه بالداخل وداعميه في الخارج

إن سلوك نتنياهو الراهن في القدس هو محاولة للاختباء وراء إنجاز وهمي، واستدراك ما تبقى في ربع الساعة الأخيرة من حياته السياسية، وإن سلوكه المرتبك أقرب ما يكون إلى حرارة الروح قبل أن يلفظها الجسد، أو إلى الطلقة الأخيرة في معركة محسومة النتائج.

إن الأحداث الأخيرة في القدس والشيخ جراح والأقصى وفي شهر رمضان المبارك؛ كانت علامة فارقة في مستوى الوعي الفلسطيني، وفي الإجراءات على الأرض لمواجهة مناورة القضم واستراتيجية الضم وتغيير الوقائع الديمغرافية والثقافية والسياسية على الأرض، وأشّرت بشكل لا يقبل اللبس إلى أن المخزون الوطني الفلسطيني ضخم لا ينفد مهما تبنى الاحتلال من سياسات، أو اتخذ من قرارات أو شرع في تنفيذ إجراءات. وقد فشلت كل محاولات التلاعب بالوعي الجمعي واختبار الإرادة وفرض الوقائع بفائض القوة الخشنة.

إن من أبرز نتائج وآثار الحرب الأخيرة هو التأسيس للعلاقة الجدلية بين المكونات الوطنية الفلسطينية في الداخل المحتل جغرافيا وديمغرافيا وسياسيا، والارتباط العضوي للقضايا المشتركة بين المحاور الثلاثة المكونة للوطن والهوية الفلسطينية من البحر إلى النهر، متجاوزة ما نشأ عن اتفاقية أوسلو ومركز الثقل المستدام فيها التنسيق الأمني، وأن كل ذلك لن يحول دون أن يأخذ الشعب الفلسطيني قراره الحازم ويحدد مصيره الحاسم دون الرجوع أو انتظار تلك المرجعية، وأن لا يخضع الشعب للقيود والضغوط التي تكبل إرادته.
من أبرز نتائج وآثار الحرب الأخيرة هو التأسيس للعلاقة الجدلية بين المكونات الوطنية الفلسطينية في الداخل المحتل جغرافيا وديمغرافيا وسياسيا، والارتباط العضوي للقضايا المشتركة بين المحاور الثلاثة المكونة للوطن والهوية الفلسطينية من البحر إلى النهر

لقد اتخذ الشعب الفلسطيني قراره بأن يكون في خط الدفاع الأول والاشتباك الاستراتيجي المباشر الشامل والدائم مع الاحتلال بكل الوسائل وعلى كافة المحاور والجبهات، حتى إنجاز الهدف الوطني دون انتظار، ما دام هناك تهديد يمس وجوده وهويته ومصالحه الوطنية، وأن يعبر عن كل ذلك بلغته وإجراءاته بالشكل الذي يتطلبه الواقع.

لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها هي الملاذ الذي يمكن الاحتماء به في ساعات العسرة، وأنها العنوان الوطني الصادق عند الشدائد، وأن استعادة الحقوق ولجم العدوان يحتاج إلى لغة وإجراءات أخرى غير التي كانت سائدة سابقا، خاصة بعدما ظهرت السلطة الفلسطينية بصورة أكثر ضعفا وهشاشة في مواجهة تهديدات تمس الوجود والهوية والمقدسات.

في هذه المرة، وفي المرات القادمة ستكون القدس والأقصى الصاعق الذي يعيد تفجير الوضع كلما اقترب منه الاحتلال بأي صورة كانت، وسيكون المقدسيون، ومن ورائهم كل الشعب الفلسطيني كل من موقعه ومن ميزته النسبية، الصخرة التي تتحطم عليها أوهام الاحتلال وقطعان المستوطنين.