الذاكرة السياسية

أبو العلا ماضي يروي قصة نشأة الجماعة الإسلامية في مصر

أبو العلا ماضي يروي شهادته في سيرة الراحل كرم زهدي أحد قيادات الجامعة الإسلامية في مصر (عربي21)

توفي قبل أسابيع في مصر كرم محمد زهدي عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية في مصر، وهو واحد من بين الأسماء الإسلامية التي برزت في العقود الثلاثة الأخيرة، وارتبط اسمها بنشأة العمل المسلح في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في مصر، قبل أن يقدم على إنجاز مراجعات فكرية حققت تحولات مهمة في وعي الحركة الإسلامية في مصر.

قضى زهدي 22 سنة في السجون المصرية، منذ العام 1981 إلى العام 2003، قبل أن يقود عملية مراجعات السجون للتخلي عن العنف وحمل السلاح ورفض الصراع مع الدولة. وأدلى بتصريحات صحفية قدم فيها اعتذارا عن العمليات التي تبنتها الجماعة الإسلامية معربًا عن استعدادها لتقديم الدية لضحاياها. 

أبو العلا ماضي، القيادي الإسلامي البارز في حزب الوسط، يعيد في ثلاث حلقات تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فتح سيرة الراحل كرم زهدي، منذ انضمامه للحركة الإسلامية وصولا إلى المراجعات مرورا بتبنيه للعمل المسلح في الإصلاح.

 

كان خطيبا مفوها

 
توفي إلى رحمة الله منذ أيام قليلة الأخ المهندس كرم محمد زهدي أحد أهم الرموز الإسلامية خلال الأربعين سنة الماضية، عن عمر ناهز الـ 69 عاماً رحمه الله رحمة واسعة وغفر له، ولقد انتظرت عدة أيام لأن الكتابة عن الأخ كرم زهدي تحتاج لتفكير عميق ومراجعة والكتابة تكون بميزان القاضي العادل.

تعرفت على أخي الأكبر المهندس كرم زهدي في بداية ارتباطي بالحركة الطلابية الإسلامية السلمية وأنا طالب في نهاية العام الدراسي الأول بكلية الهندسة جامعة المنيا، وخاصة في المعسكر الطلابي الثاني الذي تنظمه الجماعة الإسلامية بجامعة المنيا في صيف عام 1977م، وكان هو رمزاً مهما وخطيباً مفوهاً، وهو بالرغم من كونه طالباً في معهد التعاون الزراعي بمدينة أسيوط إلا أنه كونه من أبناء مدينة المنيا ورفيق عمر لأخي الأكبر المهندس محيي الدين عيسى حيث بدءا النشاط الثقافي قبل التدين حيث اختار كرم زهدي التمثيل واختار محيي الدين عيسى الموسيقى (العزف على العود)، ثم تحولا إلى التدين وتحولا إلى دعاة للإسلام، وأسس محيي الدين عيسى الجماعة الإسلامية بجامعة المنيا وساهم معه كرم زهدي، بالإضافة لقيامه بالاشتراك في تأسيس الجماعة الإسلامية في جامعة أسيوط (وكانت الحركة الإسلامية في ذلك الوقت حركة طلابية أي داخل أسوار الجامعة)، وحين تعرفت عليه نشأت بيننا علاقة خاصة وود كبير.

وكان اهتمامه وأخي محيي عيسى بالعبد لله لكوني في نهاية عامي الدراسي الأول كنت الأول على دفعة تضم أكثر من ألف طالب وطالبة، ثم ذهبت مع أخي كرم زهدي في سفرية للقاهرة لزيارة رموز إسلامية، فكان أول من عرفني على أخي الأكبر د. عبد المنعم أبو الفتوح (فرج الله كربه) حيث زرناه في منزل والده رحمه الله في مصر القديمة، ثم زرنا مقر مجلة الدعوة القديم في شارع بورسعيد بالقرب من مسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) وقابلنا الحاج مصطفى مشهور (رحمه الله) الذي رحب بنا ولفت نظرنا أنه لم يكن ملتحياً في ذلك الوقت، وكانت اللحية بالنسبة لنا حينها أمرا مهمًّا، وعدنا للمنيا.

 

اختار كرم زهدي التمثيل واختار محيي الدين عيسى الموسيقى (العزف على العود)، ثم تحولا إلى التدين وتحولا إلى دعاة للإسلام، وأسس محيي الدين عيسى الجماعة الإسلامية بجامعة المنيا وساهم معه كرم زهدي، بالإضافة لقيامه بالاشتراك في تأسيس الجماعة الإسلامية في جامعة أسيوط

 



وفي العام الدراسي الثاني بدأنا حملة لاستقبال الطلاب الجدد، والدعوة للانضمام للجماعة الإسلامية، ثم زارنا د. عبد المنعم أبو الفتوح واقترح علينا الترشح لاتحادات الطلاب، وقد قمنا بذلك وفزنا بأغلبية كليات جامعة المنيا وتم اختياري رئيسًا لاتحاد طلاب كلية الهندسة ثم رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة المنيا، وفي العام التالي تم اختياري نائباً أول لرئيس اتحاد طلاب مصر كلها، وظلت العلاقة وثيقة وودية مع أخي كرم زهدي، حتى بدأ يفكر في استعمال القوة (العنف) في تغيير نظام الحكم، وهو أمر كان مستبعدًا بالنسبة لعدد منا وعلى رأسهم المهندس محيي الدين عيسى وكاتب هذه السطور، وكان يطلب من الأخ محيي الدين عيسى أن يعطيه الصلاحية لتشكيل جناح مسلح للجماعة الإسلامية بالصعيد يكون هو مسؤولا عنه ويكون محيي الدين عيسى أميراً للصعيد، فكنا نقابل هذه الاقتراحات بالمزاح وعدم الجدية فكان يغضب من رد فعلنا، ولما كنا نسأله ونحن نمزح من أين تأتي بالتمويل؟! 

فكان يجيب: من محلات الذهب الخاصة بالنصارى (المسيحيين)، فكنا نأخذ الموضوع على سبيل المزاح وبضحك، وهو يغضب وكان في هذه الفترة كثير الشرود والتجهم، وكان في نفس هذا الوقت يعرض علينا الإخوان الانضمام لهم، وتكررت زيارات الحاج مصطفى مشهور لنا في المنيا وجلساته معنا لهذا الغرض، وإن كان الذي أثر فينا أكثر في هذه الفترة (أقصد م. محيي الدين عيسى وأبو العلا ماضي) هو د. عبد المنعم أبو الفتوح ود. السيد عبد الستار المليجي الذي كان معيداً في كلية العلوم جامعة المنيا في ذلك الوقت، حتى دخلنا السجن لأول مرة في نيسان (أبريل) عام 1979م، بعد مظاهرات وإضراب جامعة المنيا رفضاً لاتفاقية السلام التي عقدها الرئيس السادات وكنا عشرة في سجن المنيا كان على رأسهم  محيي الدين عيسى وكرم زهدي وأبو العلا ماضي وحشمت خليفة وعبد الناصر فهمي (رحمه الله) وعطا أبو السعود وأحمد رشاد (رحمه الله) وآخرين، ومكثنا ثلاثة شهور، وفي السجن تداولت مع أخي محيي الدين عيسى من غير أن يعرف الأخ كرم زهدي، واتفقنا على الانضمام للإخوان في السر وذلك هروباً من فكرة التنظيم المسلح، وبالرغم من أنه كانت لدينا اعتراضات على الإخوان، ولكن كانت وجهة نظرنا في ذلك الوقت أنهم تنظيم قديم مر على وجودهم خمسون عاماً فضلا عن أنهم تنظيم سلمي. 

وبعد خروجنا من السجن بدأنا في تنظيم أنفسنا كإخوان ودعونا عددًا كبيرًا ممن نثق بهم للانضمام، واستمر الأمر نحو عام وهو لا يعرف ولا أحد غير من وثقنا بهم، حتى جاء المرحوم د. عصام العريان في زيارة لمركز بني مزار بالمنيا وطلب من الحضور الانضمام للإخوان وقال لهم (لقد انضم محيي الدين عيسى وأبو العلا ماضي)، وكان من بين الحاضرين في هذه الجلسة الأخ المهندس طارق علي إبراهيم (رحمه الله توفي قريبًا)، وكان رئيسًا لاتحاد طلاب هندسة أسيوط ومن رموز الجماعة الإسلامية بأسيوط، وسافر إلى هناك وأخبرهم، وعلم كرم زهدي وكانت صدمة بالنسبة له، وشرع على الفور في بناء الجناح المسلح الذي كان يحلم بإنشائه وكنا نرفض ذلك، وبدأنا نسمع من شباب في المنيا أن كرم زهدي يدعوهم إلى التدريب على السلاح (مسدسات) في شقق معزولة وأماكن خارج العمران، فطلبنا مقابلته مع عدد من وجهاء مدينة المنيا من رموز الدعوة الإسلامية وواجهناه بذلك، فغضب وكذب هؤلاء الشباب وقال أنتم تحرضون المباحث ضدي (وبالطبع لم نبلغ أحدًا بذلك) ولكنها كانت طريقة (الهجوم خير وسيلة للدفاع) وسكتنا. 

 

بداية العمل المسلح

وبعد فترة وجيزة سمعنا أنه وقع هجوم مسلح على محل مجوهرات مملوك لمسيحي بمدينة نجع حمادي وتم الاستيلاء على ستة كيلو جرامات من الذهب وقتل ستة أشخاص وقيل إن المهاجمين كانوا يلبسون زيا أفغانيا وعلى وجوههم جوارب، وبعدها بيومين كنا نقف أمام مستشفى المبرة بالمنيا عند ورشة ميكانيكي ومر كرم زهدي ووقف وسلَّم علينا، فسأله محيي الدين عيسى: هل سمعت عن موضوع نجع حمادي، فسأله ما هو موضوع نجع حمادي (وكأنه لا يعلم) فأخبره محيي عيسى بالموضوع فسجد كرم زهدي على الإسفلت سجدة شكر، فلما قام سأله محيي: ألست أنت وراء هذا الموضوع؟ فأظهر غضبًا وقال اتق الله يا شيخ محيي وانصرف، فسألني الأخ محيي ما رأيك؟ فقلت له طبعًا هو وراءه، ومرت الأيام وثبت أنه هو وراءه.

وكان هناك صراع السيطرة على المساجد في المنيا، من يسيطر على مساجد أكثر وانتهى المشهد بصدام مؤسف على كورنيش النيل بالمنيا للسيطرة على صلاة العيد، حيث كان يصلي أكثر من مئتي ألف مصلٍّ على الكورنيش، وبعدها بأيام جاءت قرارات الرئيس السادات باعتقال أكثر من 1526 شخصية من مختلف التيارات التي أطلق عليها الرئيس السادات (اسم الدلع) التحفظ، وكنا جميعاً في هذه القائمة، وكان الغريب ـ لأسباب مختلفة ـ أننا لم نكن في منازلنا ساعة القبض وكل لأسباب مختلفة فأنا مثلاً كنت في واجب عزاء في قرية إطسا بمركز سمالوط، حيث كانت أختي متزوجة هناك، فأصروا على أن أبيت هناك وهكذا.

قبل هذه الأحداث بفترة وقبل أن يعرف كرم زهدي ارتباطنا بالإخوان كنا في المدينة الجامعية لجامعة القاهرة (بين السرايات) كرم زهدي وأنا وعلم المهندس محمد عبد السلام فرج صاحب (الفريضة الغائبة) بوجودنا فجاء وزارنا ودعانا لبيته في بولاق الدكرور، وكان معجبا بتجربة الجماعة الإسلامية بالصعيد في تغيير المنكر بالقوة يقصد تكسير الخمارات ومنع الاختلاط بالقوة.... إلخ، وكنت قد ارتبطت بالإخوان وحاولت أن أشكك في جدوى هذه التصرفات، ولكن محمد عبد السلام فرج طلب أن يزور أسيوط ويتعرف على التجربة عن قرب، ونشأت بينهما (كرم زهدي ومحمد عبد السلام فرج) كيمياء، ترتب عليها بعد ذلك اتحاد المجموعتين: مجموعة الجماعة الإسلامية بالصعيد بعد تبنيها فكرة التغيير بالقوة مع مجموعة محمد عبد السلام فرج وكان فيها المقدم عبود الزمر وم. طارق الزمر، واشتركوا معًا بعد ذلك في الترتيب لحادثة اغتيال الرئيس السادات والعمليات المسلحة التي تبعتها وخاصة أحداث أسيوط المؤسفة التي راح ضحيتها أكثر من مئة شخص.

وللحديث بقية بإذن الله...