ملفات وتقارير

انفراد: تورط وزيرين مصريين بقضية فساد قيمتها 2 مليار جنيه

القصة تعود إلى عام 1994 وبطلها تصالح مع الدولة المصرية في جزء من قضايا الفساد المتعلقة به قبل نحو أسبوع- الأناضول

إنشاء شركات صورية وعقد اتفاقيات مخالفة وتستر على صفقات غير قانونية


الاستيلاء على نحو 3 ملايين متر مربع من أراضي الدولة


رجل الأعمال حصل على قرض من البنك بقيمة 1.7 مليار ولم يسدده.. والوزيران تسترا عليه


حصلت "عربي21" على بيانات ومعلومات عن ملف فساد منظور أمام جهات الفحص والتحقيق القضائية المصرية، يخص صفقات مشبوهة رباعية الأطراف، عقدت بين وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، ووزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي، ورئيس البنك العقاري المصري العربي الأسبق محمد فتحي السباعي، ورجل الأعمال محمد عبد المنعم الملاح، أهدرت قرابة ملياري جنيه على الدولة المصرية.

مذكرة جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل المصرية، والمكونة من 60 ورقة، والتحريات والشهود، تكشف عن تفاصيل الواقعة والتي تعود بدايتها تحديدا إلى 27 تموز/ يوليو عام 1994 عندما قام محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان في ذلك الوقت بالاتفاق مع رجل الأعمال محمد عبد المنعم الملاح رئيس مجلس إدارة شركة المهندسون المصريون للاستثمار العقاري العربي، على تخصيص مساحة 709 أفدنة من أراضي الدولة المصرية لصالح شركته، أي ما يعادل قرابة 3 ملايين متر مربع.

وكان ذلك بنظام البيع بالأمر المباشر منه، وفي مناطق مختلفة، مع الاتفاق مع صاحب هذه الشركة على إنشاء شركات "صورية" تتبع لهذه الشركة دون مراعاة نسب الملكية التي يمتلك الملاح نصيب الأسد فيها جميعا، وكذلك نسبة المساهمة في تشكيل مجلس الإدارة فيها، مما يجعل هذه الشركات تتبع لشخص واحد وشركة واحدة أساسية، وذلك حتى تتم عملية البيع ويتم إضفاء الصبغة القانونية على هذه العقود الثلاثة.

وبالفعل تم إبرام ثلاثة عقود منفصلة في ذات التاريخ المذكور لثلاث شركات تتبع لهذه الشركة؛ العقد الأول بين هيئة المجتمعات العمرانية وبين شركة المهندسون المصريون للاستثمار العقاري العربي "إيدك"، يفيد ببيع 90 فدانا تابعة للهيئة بالأمر المباشر للشركة بمدينة 6 أكتوبر.

والعقد الثاني بين الهيئة وبين شركة المهندسون المصريون للمقاولات والإسكان المتكامل –وهي إحدى الشركات الصورية التابعة للشركة الأولى– يفيد ببيع 380 فدانا تابعة للهيئة بالأمر المباشر للشركة بمدينة العبور.

والعقد الثالث بين الهيئة وبين شركة المهندسون المصريون للمشروعات العمرانية –وهي أيضا إحدى الشركات الصورية التابعة للشركة الأولى– يفيد ببيع 239 فدانا تابعة للهيئة بالأمر المباشر للشركة بمدينة الشروق.

وقد نصت العقود الثلاثة على تخصيص هذه الأراضي مقابل إنشاء ثلاثة أحياء سكنية متميزة كاملة المرافق والمباني على مساحة 709 أفدنة إجمالي مساحة الأراضي الثلاث، أي ما يعادل نحو 3 ملايين متر مربع.

وقد تم البيع بنظام التقسيط بأسعار زهيدة للغاية لا تتناسب حتى مع قيمة التخصيص في ذلك الوقت، وهي نحو 100 مليون جنيه فقط، على أن يتم تسديد 15 مليون جنيه للهيئة كمقدم تعاقد والباقي على أقساط لمدة 3 سنوات، وفترة سماح للبناء 3 سنوات أخرى كحد أقصى.

وبالفعل قامت الشركة بسداد قيمة مقدم العقد البالغ قيمتها 15 مليون جنيه، ثم قامت بتسديد 8 ملايين أخرى كأولى الأقساط المطلوبة عليها في هذه الأراضي، ثم قامت الشركة بالحصول على قرض من البنك العقاري المصري العربي بمبلغ مالي قدره 1,7 مليار جنيه مصري، وكان ذلك بضمان الأراضي -وهي القيمة الفعلية لهذه الأراضي- بحجة إقامة المشروعات السكنية عليها.

ومنذ هذه اللحظة انكشفت الصفقات المشبوهة، حيث لم تكتف الشركة والشركات التابعة لها بحصولها على الأراضي بـ"أسعار زهيدة للغاية"، بل إنها امتنعت عن سداد أي أقساط من قيمة الـ77 مليون جنيه المتبقية عليها لصالح هيئة المجتمعات العمرانية، كما أنها لم تقم بإنشاء الأحياء السكنية التي كان مقررا أن تقوم بها، كما امتنعت عن سداد القرض.

وقد مرت 3 سنوات (في حينه) دون أن تقوم بسداد قيمة الأرض، بل ومرت 3 سنوات أخرى وهي أقصى فترة للسماح لبناء الإنشاءات إلا أنها لم تقم بها، بل إن هيئة المجتمعات العمرانية بتوصية من الوزير وقتها إبراهيم سليمان، تقاعست عن سحب هذه الأراضي بالمخالفة للقانون والعقود المبرمة والتي نصت جميعها على سحبها في حال مرور 6 سنوات دون السداد والانتهاء من البناء.

بل إنه وبعد مرور 5 سنوات أخرى، وتحديدا في عام 2005 جاء وزير الإسكان الجديد وقتها أحمد المغربي، وحاول التستر على واقعة فساد الوزير السابق له بواقعة فساد جديدة أكدت إهدار قيمة الأراضي على الدولة لتستمر سلسلة الصفقات المشبوهة المتعاقبة.

وتم الاتفاق على عمل "بروتوكول" ثلاثي الأطراف بين هيئة المجتمعات العمرانية وبين شركة المهندسون المصريون والشركات التابعة لها وبين البنك العقاري المصري العربي الذي كان يرأس مجلس إدارته وقتها فتحي السباعي.

وقد نص هذا البروتوكول على أن تقوم شركة المهندسون المصريون والشركات التابعة لها بالتنازل عن هذه الأراضي إلى البنك المذكور كسداد عيني لقيمة القرض البالغ 1,7 مليار جنيه دون أن يقدم أي أموال، في مقابل أن يقوم البنك بسداد قيمة 77 مليون جنيه لهيئة المجتمعات العمرانية قيمة الأراضي المتبقية للهيئة على الشركة.

ويعد هذا البروتوكول غير قانوني وتجسيدا لإهدار المال العام لأكثر من سبب، حيث قامت شركة المهندسون المصريون بالتنازل عن أراض غير قابلة للتصرف فيها، حيث أنها لا تمتلك حق التصرف فيها إلا بعد سداد كامل قيمة الأراضي وإنشاء المشروعات عليها في مدة أقصاها 6 سنوات وذلك وفقا لقانون هيئة المجتمعات العمرانية، وأيضا وفقا للعقود المبرمة.

أما التنازل بهذه الكيفية فقد ربّح شركات رجل الأعمال محمد الملاح مبلغ 1.7 مليار جنيه التي اقترضها من البنك، ولم يسدد أي جزء منها ولم يقم بعمل أي إنشاءات.

كما قامت هيئة المجتمعات العمرانية بمخالفة القانون بقبول التنازل رغم أن لديها مستحقات بلغت 77 مليون جنيه، كما أن العقود نصت على أن الأرض بيعت بهذه الأسعار الزهيدة بشرط إلزام المشتري بالبناء عليها.

بل ويأتي الأدهى من ذلك وهو قيام الوزير الأسبق المغربي و"الهيئة" بقبول التنازل بنفس أسعار تخصيص الأرض في عام 1994، وكان ينبغي على الأقل وفقا للقانون إعادة تقييم الأرض بسعر البيع في عام 2005 نظرا لاختلاف المشتري وطبيعة المشروعات التي ستقام عليها.

وأن العقد القديم يعتبر لاغيا بعد إخلال الشركة بقوانين السداد والإنشاء، مما ترتب عليه إهدار للمال العام بمبلغ نحو ملياري جنيه، وتربح صاحب شركة المهندسون المصريون خلال تلك الصفقة المشبوهة لهذا المبلغ بعد عدم سداده أيا منها.

وأخيرا قام البنك العقاري المصري العربي لإضفاء المشروعية على هذه الصفقة، والتأكيد على أنه مالك هذه الأراضي وصاحب الحق في التصرف فيها، ببيع جزء صغير من إحدى الأراضي لشركة تدعى "جرين لاند" للتطوير العقاري بنظام المظاريف المغلقة بمبلغ 205 ملايين جنيه, وكان ذلك في يوم 30 أيلول/ سبتمبر عام 2010.

والجدير ذكره أنه في ذات اليوم قام البنك بمنح هذه الشركة تسهيلا إئتمانيا بمبلغ 185 مليون جنيه حتى تتمكن من سداد قيمة الأرض، متغاضيا عن أن التسهيل وفقا للقانون المصري لا يتعدى 50% من قيمة الأرض، وأن هذه الشركة ليس لها أي سابقة أعمال أو مركز مالي، حيث أنها تأسست فقط قبل 6 أيام من المزاد وتحديدا في 23 أيلول/ سبتمبر عام 2010، وكأن الهدف من تأسيسها هو إرساء بيع هذه الأرض عليها، وذلك لإتمام أركان الصفقة المشبوهة وترسيخ وضع ومركز قانوني جديد.

وقد شهدت سيدة الأعمال نهى عادل النمر، مساهمة بشركة "جرين لاند" للتطوير العقاري (إحدى الشركات المخصصة لإتمام الصفقات المشبوهة)، أمام جهات الفحص والتحقيق، بأن هناك ممارسات ومخالفات غير قانونية مارستها الشركة.

وأضافت أنها أبلغت رئيس مجلس الإدارة بها وهو رجل الأعمال عز الدين البنان، وحررت بلاغا لتخلي مسؤوليتها عن الأمر، بعد أن اكتشفت بأن الشركة يتم إهدار أموالها، وأنها شركة "صورية" للتغطية على صفقات مشبوهة أخرى.

جدير بالذكر أن الوزير الأسبق محمد إبراهيم سليمان تصالح مع الدولة المصرية في جزء من قضايا الفساد المتعلقة به -قبل نحو أسبوع- هو ورجل الأعمال مجدي راسخ -صهر الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك- مقابل سداد نحو 1.5 مليار جنيه، ولم تشمل المصالحة هذه القضية التي ما زالت منظورة أمام جهات الفحص والتحري.