ملفات وتقارير

إلى أين تسير أزمة "نووي إيران" بعد أكثر من شهر على تولي بايدن؟

خامنئي لوح مؤخرا برفع نسبة التخصيب إلى مستوى يجعل البلاد قريبة من إنتاج قنبلة نووية- جيتي

تواصل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من وقت لآخر، التأكيد على اهتمامها بتفاهم مع إيران بشأن برنامجها النووي، لكن ما كان يتوقعه البعض، ويخشاه آخرون، من السيد الجديد للبيت الأبيض، لم يتحقق بعد، إذ لم تعد واشنطن إلى اتفاق 2015، وسط غموض شديد في المشهد.

وتثار في هذه الأثناء أسئلة حول ما يريده كل طرف، وحول أفق الأزمة في المدى المنظور، لا سيما مع إقبال إيران على انتخابات رئاسية، منتصف العام الجاري، ستتأثر نتائجها بتحقيق تقدم في ملف العقوبات الأمريكية من عدمه.

"من يبدأ أولا؟"

وفي حديث لـ"عربي21"، قال الخبير في الشأن الإيراني، طلال عتريسي، إن بوصلة بايدن تشير إلى العودة للاتفاق، لكن نقطة الخلاف الأساسية تتمثل في تحديد من يبدأ الخطوة الأولى؛ "هل تبدأ إيران بالتراجع في بنود الاتفاق التي تجاوزتها، مثل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم أو غيره، أم يبدأ بايدن برفع العقوبات أولا".


وأضاف: "الوسطاء اليوم يلعبون دور تقريب وجهات النظر أو إيجاد تزامن في الإجراءات، وما حصل قبل يومين من جانب كوريا الجنوبية بالإفراج عن أكثر من مليار دولار لإيران بدل أموال نفط، خطوة إيجابية من الجانب الأمريكي في حقيقة الأمر".


ورغم تعليق طهران التزامها بالبروتوكول الإضافي، الطوعي، الذي يسهل عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها أبقت الباب مواربا وأتاحت إمكانية توفير الحرية ذاتها لهم بقرار مستقل غير مرتبط بالاتفاق النووي.


وبحسب "عتريسي"، فإن ذلك يؤكد اهتمام إيران بمواصلة التعاون مع الوكالة الدولية، ووجود أفق للتفاهم.


لكن الخبير بالشأن الإيراني رجح أن يكون هم طهران الرئيسي هو تراجع الولايات المتحدة عن العقوبات، أكثر من عودتها إلى الاتفاق النووي، وفي المقابل؛ "بايدن لا يريد أن يبدو كمن تراجع أمام طهران في ظل تعرضه لضغوط داخلية ومن حلفائه في الخارج".


وتابع: "لا بد أن تصل الأمور إلى نقطة وسط، من قبيل التزامن في الإجراءات، فقد تتخذ الولايات المتحدة قرارا برفع جزء من العقوبات، فتتراجع إيران عن نقطة معينة في التحلل من التزامات الاتفاق النووي، وهو ما يسميه الإيرانيون عملا مقابل عمل. يبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه".


هل يبدأ مسار جديد تماما؟


وإجابة على سؤال حول إمكانية قبول إيران الدخول في مفاوضات جديدة كليا، استبعد عتريسي ذلك قبل أن يحصل "ذلك التراجع عن العقوبات أو جزء منها، لأن التفاوض من جديد لن يقدم شيئا لها وهي ترزح تحت ضغوط هائلة".


وقال: "ليس هناك في الأفق إمكانية لمفاوضات جديدة قبل أن تتغير الوضعية الحالية بأي شكل من الأشكال، كما أن إيران في الوقت نفسه لن تقبل بدخول أطراف جديدة في مفاوضات على برنامجها النووي، فهي لن تقبل شراكة إسرائيل أو السعودية على الطاولة".


وأضاف: "بتقديري فكرة إدخال أطراف جديدة تعقد الأمور أكثر مما تحلها، فمن حق طهران آنذاك أن تتحدث عن القدرات النووية الإسرائيلية على سبيل المثال".


أما بشأن الملفات الجديدة التي يمكن أن تناقش، "فإيران تريد أن يحدث ذلك إقليميا، سواء حول سوريا أو اليمن أو العراق أو أمن الخليج؛ طهران تؤكد أنها مستعدة للتفاهم مع دول المنطقة، مع دول الخليج، سواء السعودية أو دول أخرى، وأستبعد أن تقبل رعاية أمريكية لمثل هذه التفاهمات، على الأقل في المدى المنظور"، بحسب عتريسي.


لكن المحلل السياسي الإيراني، عدنان زماني، اعتبر أن دفع الولايات المتحدة باتجاه مفاوضات جديدة، تشمل أطرافا وملفات متعددة، يعقد المشهد.

 

اقرأ أيضا: صحيفة: نهج بايدن يزيد من فرص الحرب الإسرائيلية-الإيرانية


وقال زماني، في حديث لـ"عربي21"، إن "الوضع بالنسبة للاتفاق النووي الإيراني بات يتعقد يوما بعد يوم، حيث نرى أن الأطراف الغربية بقيادة الولايات المتحدة تحاول إدخال قضايا جديدة ضمن الاتفاق النووي كقضية الصواريخ ودور طهران الإقليمي في المنطقة".


وأضاف زماني أن تلك القضايا "شائكة ومعقدة وتثير حساسية الجانب الإيراني كثيرا، وتجعله مترددا في الدخول والمشاركة في مفاوضات مع الولايات المتحدة قبل التأكد من حصر نطاق المفاوضات على الملف النووي".


ووافق زماني على ترجيح رفض طهران دخول أطراف جديدة على خط المفاوضات، معربا عن اعتقاده بأن الأطراف الغربية "التي تدعو لإشراك دول جديدة ضمن الاتفاق النووي مثل إسرائيل والسعودية تهدف للضغط على إيران وإجبارها على قبول تقديم تنازلات أكثر، وليس نية حقيقية لمشاركة تلك الدول".


وأوضح أن "الدول الغربية تدرك جيدا أن وجود تل أبيب والرياض في الاتفاق النووي لن يعطي أو يضيف شيئا جديدا على فحوى الاتفاق ومضمونه".


أوراق إيران

"أوراق إيران اليوم قوية"، يؤكد عتريسي، موضحا: "على مستوى البرنامج النووي، إيران بدأت بالتخصيب الذي عاد إلى نسبة 20 بالمئة، أي إلى ما قبل الاتفاق النووي، ومرشد الثورة ألمح، في رسالة قوية إلى الغرب، إلى إمكانية الوصول إلى 60 بالمئة"، ما يجعل طهران أقرب إلى إنتاج قنبلة نووية أكثر من أي وقت مضى.


وأضاف: "هذه ورقة قوة، والغرب لا يريد لإيران مجرد التفكير بذلك.. فضلا عن امتلاك طهران ورقة العودة إلى الغموض النووي، كما كان عليه الحال قبل الاتفاق عام 2015".


وتابع: "إيران تمتلك صواريخ باليستية خارج التفاوض، ولها حضور قوي في المنطقة، أيضا خارج التفاوض، لكن هذا لا يمنع بعض التفاهمات، كأن يأتي المبعوث الأممي إلى طهران لبحث بعض التفاصيل".


وأكد زماني أيضا أن الورقة النووية قوية لدى إيران في محاولاتها الضغط على إدارة بايدن، لافتا إلى أن طهران تمكنت من إثبات قدرتها على مواصلة التخصيب ورفع نسبه حتى لو زادت وتيرة العقوبات.


وذكر الخبير الإيراني بأن "بايدن كان من أشد المنتقدين لإدارة ترامب" بهذا الخصوص، ويعتقد بأن "طريقة العقوبات لن تضمن حرمان إيران من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم".


وقال: "لهذا سيحاول (بايدن) الإسراع للوصول إلى اتفاق مع إيران يجعل نشاطها النووي تحت إشراف من الوكالة الدولية للطاقة الذرية".


وبالحديث عن الموقف الأوروبي، الذي انتقد بشدة خروج إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق، عام 2018، وحاول الالتفاف على العقوبات، فإن زماني أعرب عن اعتقاده بأن الأوروبيين "يحاولون قدر الإمكان خلق بيئة مواتية لبدء إيران والولايات المتحدة مفاوضات مباشرة وفاعلة للوصول إلى اتفاق يرضي واشنطن ويكون مقبولا من جانب طهران".


كما رجح زماني أن تتجه الإدارة الأمريكية إلى تعويل أكبر في المرحلة القادمة على الدور الأوروبي في هذا الملف.


لكن عتريسي اعتبر أن الموقف الأوروبي "شكل خيبة أمل للإيرانيين"، موضحا أن الأوروبيين فشلوا بإعادة الولايات المتحدة للاتفاق أو إنهاء تحيزهم لها.


وختم بالقول إن إيران لا تعول على الأوروبيين كثيرا، إذ رغم اهتمامهم بلعب دور الوسيط "لكنهم بطبيعة الحال أقرب إلى الموقف الأمريكي".