كتاب عربي 21

"وحيد حامد".. قديس أم شيطان؟!

1300x600
لم يكد خبر وفاة الكاتب والسيناريست المصري "وحيد حامد" يعلن على الملأ، حتى كنا على موعد جديد مع واحدة من إفرازات حالة الاستقطاب السياسي، الذي بدأ بهذه الحدة بعد الثورة، وكان الثوار قبلها أمة واحدة، يسعى في ذمة أدناهم وهم يد على من سواهم.

فبينما اندفع فريق يرفعه لدرجة "القديس"، وأنه الكاتب المبدع الذي لم "يجُد" الزمان بمثله، وقد وقف في مواجهة الفساد السياسي والإجرام الحكومي بأعماله الفنية، هبط به البعض إلى أنه عدو للإسلام، وأنه محارب له، وليس أدل على ذلك من أعماله التي شوه فيها كل أصحاب "السمت الإسلامي"، ضمن معركته ضد الدين.

لنكون بذلك أمام واحدة من معارك المصريين في السنوات العشر الأخيرة، وأهم ما يميزها أن كل فريق يتخذ موقفه ابتداء، ثم يبحث عن الحيثيات التي تدعمه، فلم تكن هذه الأسباب هي التي وراء الموقف، فالموقف تم اتخاذه بدافع "الظن"، والذي لا يغني عن الحق شيئاً، ولست متأكداً من أن أيا من الفريقين قد اتخذ موقفه بعد مشاهدة أعماله أو الاطلاع على مواقفه، وهو الأمر الذي يذكرني بحدة الخلاف بينهما حول الدكتور فرج فودة، الذي تفجر في هذا العام الماضي، وكأنه تم اغتياله حالاً ولم يكن قد مضى على اغتياله قرابة العشرين عاماً. ومن متابعة الفريقين، كنت على ثقة من أن أياً منهما لم يقرأ شيئاً للرجل، مع أنه كان يمتلك عبارة رشيقة وقلماً سيالاً، فهو ليس أكاديمياً كنصر حامد أبو زيد، وجامد العبارة كسعيد العشماوي، لكن نحن في زمن السيوشيال ميديا، حيث تسود الفهلوة وتجد لها سوقاً رائجاً!

من رفعوا فرج فودة إلى أعلى عليين، كانوا يقدمونه على أنه ضحية لعنف الإخوان، ومن برروا لقتله سايروهم في ذلك، مع أن قتلته كانوا في عداء مع جماعة الإخوان أيضاً، وأن من برروا لقتله باعتباره يستحق القتل كانوا ضحية لدعاية خصومهم، وذهبوا بعيداً إلى حد أنهم قالوا إن الشيخ الغزالي قد استتابه في مناظرة معرض الكتاب، ولم يكن هذا صحيحاً البتة. ومع توفر المناظرة هذا العام، عبر منصات التواصل الاجتماعي، فقد بدا لي أن كلا الفريقين لم يهتم بالاطلاع عليها، هل يعقل أن الذين اندفعوا يؤيدونه لا يستدعون عبارة من كتبه، أو موقفاً من مقالاته؟!

ليس لي علاقة شخصية بالكاتب وحيد حامد، وإن ربطتني علاقة ممتدة بالدكتور فرج فودة حتى اغتياله. ولا أعتقد أن فودة كتب حرفا لم أطالعه، فقد قرأت كل مقالاته وكل كتبه وهي في معظمها "تجميع" لهذه المقالات وبعضها أرسله للصحف ولم ينشر وهو ما دوّنه في الهامش. وإذ لم أهتم بقراءة أول كتاب له وهو "الوفد والمستقبل"، فقد عثرت عليه بعد رحيله لدى أحد الزملاء فقرأته، وإذ صدر له كتابان بعد رحيله، فقد كان الأول "لم يكن كلاماً في الهواء" يحمل مقالاته الأخيرة في مجلة "أكتوبر" التي لم يتضمنها كتاب، أما الكتاب الثاني عن "زواج المتعة"، فقد ضم مجموعة من المقالات كتبها في "الأحرار"، هي عبارة عن سجال بينه وبين ثلاثة من علماء الأزهر، بجانب مناظرة متخيلة بين "شيعي" و"سني" حول "زواج المتعة"، وكان قد أرسلها لي قبل عدة سنوات وهي مخطوط، لم ينشر في حياته.

وقد أجمع الفريقان المتنازعان على حجم التأثير الهائل الذي تركه فودة؛ المؤيدون الذين يرددون أنه لهذه قتله الإخوان، والخصوم ليؤكد أنه لهذا يستحق القتل، مع أن إنتاجه كان ينشر في صحف محدودة التوزيع. ثم إن كتبه كان يطبعها على نفقته الخاصة، وليس عبر دار نشر، وكانت كلها طبعة واحدة، يطبع منها الحد الأدنى الذي توافق عليه المطابع وهو ثلاثة آلاف نسخة، يوزعها بنفسه مجاناً على أصدقائه وزواره، بعد تجربة توزيع يلجأ إليها غير المحترفين في مجال طباعة الكتب، وهو التوزيع عبر مؤسسات توزيع الصحف، وهي أسوأ عملية توزيع، فلا يزيد توزيع الكتاب عن بضع مئات على أحسن تقدير، وهناك تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع، أمكنني الإلمام بها لأنها شغلتني لبعض الوقت!

والحال كذلك، فإن علاقتي بالكاتب وحيد حامد تعد سطحية تماماً، في جانبها الشخصي، فلم تتجاوز سوى ثلاثة مواقف.

كان الموقف الأول بعد مسلسل "العائلة" الذي عرض على شاشة التلفزيون في رمضان سنة 1994، وجاء في سياق الحملة على تيار العنف الديني، وهي حملة للنظام شارك فيها كثيرون، ولم يكن الإخوان بعيدين عنها، وكانوا يحرصون على التأكيد على رفضهم لهذا التيار، بحرصهم على إدانة كل العمليات التي يقوم بها، وقد استفادوا من هذه الحملة بأن ذكرهم مبارك في مقابلة مع مجلة ألمانية، بأن معركته ليست مع عموم الإسلام السياسي، ففي مصر توجد جماعة الإخوان المسلمين لا يعاديها النظام. وقد نقل الدكتور أيمن الظواهري فقرة من هذا الحوار، ليضعها في مقدمة كتابه: "الإخوان المسلمون.. والحصاد المر"، للتأكيد على أن الجماعة ضمن حسابات النظام العلماني، وهو كتاب في عدائه للإخوان يعد نسخة أكثر قسوة لكتاب رفعت السعيد "حسن البنا.. متى، كيف، ولماذا؟".

ولم يكن "العائلة" موجهاً ضد الإخوان ولكن ضد الجماعات الأخرى، وإن كان قدم صورة للمحامي الإسلامي الانتهازي، فلم تخطئه عين، وهو وإن كان حينذاك ينتمي للإخوان، فإنه لم يذكر هذا وكان تقديمه باعتباره محاميا للإرهابيين هؤلاء، وكان صاحبنا حاضراً في مثل هذه القضايا منذ انضمامه لهيئة الدفاع عن المتهمين باغتيال الرئيس السادات!

وفي مسلسل "العائلة" أنكر عذاب القبر، وفي تقديري أنه استمد هذه الرؤية من مقال كتبه الدكتور أحمد صبحي منصور، بجريدة "الأحرار" واحتوى على موقف ديني وليس رؤية فكرية، باعتبار أن كاتبه أستاذ سابق في جامعة الأزهر، وإن كان قد انتقل من السلفنة بعد أن مد أصحاب هذا الفكر بكتابه العمدة "أحمد البدوي.. الحقيقة والخرافة"، وبعض رموز الوهابية لا يزالون إلى الآن يشيرون لهذا الكتاب لدعم موقفهم ضد التصوف. لا تنسى أن رسالته للدكتوراة كانت عن "أثر التصوف في العهد المملوكي"، وقد تحول بعد ذلك ليس منحازاً للتصوف ولكن في اتجاه آخر، ليتم القبض عليه في بداية العلاقات المصرية السعودية في عهد مبارك بعد سنوات القطيعة في عهد السادات، وليكون اعتقاله "عربون محبة" للسعوديين، فالتهمة هي إنكار السنة!

لم ير الإخوان أن المسلسل موجه ضدهم، تماماً كما لم يروا أن أعمال "وحيد حامد" ضدهم قبل مسلسل "الجماعة"، لأنه وإن كان يشوّه من يقول البعض عنهم الآن "أصحاب السمت الإسلامي"، فقد تنازل الإخوان عن هذا "السمت"، وكانوا يعتبرون أن الرسالة موجهة لخصومهم من التيار الديني، بل إن أصحاب هذا "السمت" وهم السلفيون لم يكونوا يعتبرونها رسالة ضدهم، لأن المعني بها جماعات العنف والجماعات التكفيرية!

ومن هنا لم يعترض أحد على وحيد حامد من القوم، حتى عندما أنكر عذاب القبر، وكان الاعتراض من الأزهر، وتم تدارك ذلك في الحلقة الأخيرة تقريباً، بالاعتراف بوجود عذاب القبر!

وإذ قدم "وحيد حامد" في مسلسل "العائلة" صورة للداعية، فهم من شكلوا بعد ذلك ما عُرف بظاهرة الدعاة الجدد، وهي ظاهرة تطورت بفعل الزمن لتنتقل من رمزها الذي كان يقصده المؤلف "وحيد"، فيمثلها عمرو خالد، ثم "معز مسعود" في الطبعة الأردأ، وهي ظاهرة أغرت البعض بالالتحاق بها، كانت تقوم على الشكل، فالداعية لا يرتدي الزي الأزهري المعروف (لأنهم ليسوا أزهريين)، أو جلبابا قصيرا ويطلق للحيته العنان، فالمعنى أنهم بعيدون عن الشكل المتعارف عليه للداعية.

والتحق بهذه الظاهرة من الأزهريين "خالد الجندي"، فبالغ في الامتثال للشكل حتى بدا كعارض أزياء، ومن ملابس الفرنجة إلى الجبة المغربية، وإن كان يقدم أحد برامجه الآن بالزي الأزهري، فلأن ثورة يناير ردت الاعتبار له. وللتمييز بين الدعاة الحقيقيين الذين تخرجوا في هذه المؤسسة العريقة، وبين غيرهم من الممثلين، فقد انحطت الظاهرة لتصبح أقرب إلى تأدية دور في عمل فني!

ولم تكن عندما عرض مسلسل "العائلة" قد انحطت هكذا، فقد كان رمزها الذي عناه "وحيد حامد" وإن لم يكن أزهرياً، فقد كان على علم، وكان خطيباً مفوهاً يشد إليه الرحال وتنقل خطبه بواسطة أتباعه من أبناء الطبقة الراقية إلى منتدياتهم!

فلم يكن أحد من مشاهدي "العائلة" من المعنيين بالظاهرة يجهل أنه يقصد الدكتور "عمر عبد الكافي". وكانت هذه من عيوبه ككاتب دراما، وهو سهولة التعرف على ما يعنيهم بفنه، وهو ما كان مثار نقد من كثيرين من أهل الاختصاص للمسلسل، لأننا بذلك نكون أمام النوع الرديء من الدراما الموجهة، ربما لأنه كان يخاطب الجهات الأمنية، وما لها هي والفن؟ إنها تريد رسالة مباشرة، وإن افتقد العمل للحبكة الدرامية اللازمة لتمييزه كفن عما سواه.

وقد حملت كل هذه الاتهامات الموجهة لـ"العائلة"، وواجهته بها في مقابلة صحفية نشرت في جريدة "الأحرار"، بدا صدره ضيقا حرجا من هذه الاتهامات، لكنه لم يدافع عن نفسه كثيراً، فعندما قلت له إن ما يسيء للعمل هي هذه المباشرة، كان جوابه نصاً: "زي بعضه". فلم يكن عنده دفاع!

وكان الموقف الثاني عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً في مكتبي منه مشيداً بمقال كتبته في هذا اليوم، لا أتذكر موضوعه، لكن كان يحمل نقداً شديداً للحكومة، بدا كما لو كان في عجلة من الأمر، فذكر أنه "وحيد حامد" ثم أتحفني بعبارات سريعة ومجاملة، ختمها بوصفه لي بأني "صعيدي جدع"، وأنهى المكالمة بدون أخذ أو رد!

وبعد هذا بعدة شهور عرض فيلمه السينمائي "سوق المتعة"، وكتبت نقداً ضده، وضد اهتمامه المبالغ فيه بإثارة عواطف المشاهد، بكل ما تملك بطلة الفيلم "إلهام شاهين" من أنوثة، وكأنها موضوع الفيلم الوحيد. وبعد ذلك كان محرر فني بصحيفة بإحدى الصحف يناقشه في الفيلم وأشار لهذه الملاحظة دون أن يذكر مصدرها، فربما كانت ملاحظته هو أيضاً، لكن "وحيد حامد" قطع عليه استرساله وهو يقول له وما ذنبي إذا كان سليم عزوز شاهد الفيلم ولم ير فيه إلا "سيقان إلهام شاهين"؟!

كان الفيلم يحتوي على رسالة مهمة، فالبطل "أحمد عبد العزيز" سجن ظلماً، ليتعود على ممارسة لم يستطع التخلص منها بعد خروجه من السجن وزواجه من إلهام شاهين، وهي رسالة لها دلالته، لكن استغراقه في مشاهد الإثارة غطى على الرسالة.

وكذلك الحال في أعماله الأخرى مثل "الراقصة والسياسي" (1990)، بل تبدو - لهذا - أعماله كما لو كانت فناً من أجل الفن يفتقد للرسالة، ربما لأن موقف الرقابة من فيلم "البريء" دفعه لأن يذهب بعيداً، وفي ذهابه ينسى الرسالة ويغطي عليها، لنكون أمام أحد عيبين من عيوبه ككاتب دراما، الأول هو المباشرة في الرسالة السياسية، فلا يتقن ما يعرف بالإسقاطات السياسية، وهو أمر لا يفقده المرء إلا من التعامل المباشر ولفترات طويلة مع فئات بعينها.. "فئة الضباط نموذجاً"، والثاني هو الاستغراق في الإثارة بما يغطي على الرسالة السياسية المعارضة!

ولا شك أن "وحيد حامد" له أعمال مهمة تؤكد على استقلاله السياسي، وليس لتبعيته لأي جهة أمنية إلا في إطار تسيير أموره، كان آخرها إنتاجه وكتابته لسيناريو فيلم "عمارة يعقوبيان" الذي أخرجه نجله، وكان كصياد ماهر عرف قيمة الرواية. ففي الوقت الذي يئس فيه "علاء الأسواني"، من أن يحصل على موافقة دار "ضياء الريس" لطباعتها، ليدفع من جيبه لدار "ميريت" لطباعة 500 نسخة، فإنه يبادر في أسبوع صدورها بعرض عشرين ألف جنيه على "الأسواني" الذي كان في المبلغ من الزاهدين، فيوافق من فوره على هذا العرض، فلم يكن أمامه عروض أخرى، قبل أن تنفجر الرواية كقنبلة بعد ذلك.

وقد عُرض الفيلم في سنة (2006) بكل ما فيه من إسقاطات سياسية، على نظام مبارك. وكان علاء الأسواني مباشراً أيضاً، فكل من قرأ الرواية أو شاهد الفيلم لم يكن يجهل أن "كمال الفولي" رمز الفساد في الفيلم والرواية هو "كمال الشاذلي"، الرجل القوي في الحزب الحاكم، لكن عند عرض الفيلم كانت صفحة الشاذلي تطوى لصالح الحرس الجديد، وإن كان عندما اشترى الرواية وبدأ في إنتاج الفيلم كان الرجل (الشاذلي) قوياً كواحد من مراكز القوى في عهد مبارك!

وهذا العمل وغيره كثير، يؤكد أن الرجل ليس بوقاً للسلطة، لكن لا يجوز التعامل مع ذلك بتجاوز الأخطاء الفنية وتقديمه من قبل طرفي حالة الاشتباك على أنه كاتب دراما من النوع الثقيل، وهم يدركون أنه موقف أنتجته حالة الاستقطاب السياسي، وهي الحالة التي سنظل أسرى لها لفترة لا يعلم إلا الله متى تنتهي!

إن وحيد حامد لم يكن هو أسامة أنور عكاشة في روائعه "أرابيسك"، و"الشهد والدموع"، و"ليالي الحلمية"، لقد نجحا معاً في مرحلة الدراما الحلوة والبسيطة، فكان له هو مسلسل "البشاير"، وفيلم "محامي خلع"، وكان لأنور عكاشة "الراية البيضا"، "ضمير أبلة حكمت"، "امرأة من زمن الحب"، لكن لم ينتقل "وحيد حامد" إلى مرحلة الدراما المحتشدة، والشخصيات المركبة، فقد ذهب إلى دراما الموقف السياسي، وإن ضاعت الرسالة، فالبعض يشاهد عمله "الإرهاب والكباب" من باب التسلية، بينما يراه البعض يشوه "السمت الإسلامي" للوصول لغايته بتشويه الإسلام ذاته، بينما تكمن رسالة الفيلم التي لا تُرى بالعين المجردة في الإيعاز بأن الإرهابي قد يخلقه موقف لموظفين حكوميين عبيد للروتين؟!

ونأتي لبيت القصيد، فهذا الهجوم الحاد على "وحيد حامد" بعد وفاته، وتصويره كما لو كان الشيطان الرجيم، هو بسبب مسلسل "الجماعة"، وإلى حد أن هناك من وصفه بأنه عدو للإسلام، ومن ثم ذهبوا يجمعون ما يدعم موقفهم، من روابط وفيديوهات، والاتهام بأنه يشوه "السمت الإسلامي"، في حين أنهم لا يمتثلون لهذا السمت، ولم يكونوا يعتبرون أنه بذلك يستهدفهم عندما كان يفعل.

وفي الواقع أن الذين اندفعوا يدافعون عن فنه وإنجازه للبشرية وما قدمه للأمة فعلوا هذا باعتباره عدواً للإخوان، وتأكدت عداوته بمسلسل "الجماعة"!

فمن شاهد من الطرفين مسلسل "الجماعة"؟ وهو يبدو في أحداثه وقد اعتمد على مصادر معلنة، وكتب القادة القدامى للجماعة، من روايات تصلح للتوظيف في مهمة التشويه. وقد ذكر هو مصادره في مقدمة المسلسل، بل إن هناك من أخذوا عليه أنه قدم حسن البنا كداعية مخلص لدعوته، يتنقل بين القرى من أجلها، كما قد أُخذ عليه وقت عرض المسلسل أنه قدم شخصيته عصبية ومتوترة، وشهود عيان قالوا إن الرجل لم يكن كذلك، لكن حتى الجانب الخاص بصهر البنا الذي ورد في بعض الكتب وفيه من الإساءة ما فيه، لم يتعرض له وحيد حامد!

ربما لأنه وقت عرض المسلسل لم تكن الخصومة للجماعة تصل لحسن البنا، وهو للحقيقة لم يكن موضوعاً لسجال سياسي بين الإخوان وخصومهم منذ سنة 1952، ربما وحتى قيام الثورة، فعبد الناصر نفسه كان يعتبر أنه إخواني امتدادا للبنا، وأن معركته مع حسن الهضيبي أنه ليس إخوانياً. وفي النزاع بين قيادات الجماعة حول النظام الخاص فيه ما يكفي لمهمة السلطة، لكن وحيد حامد في الجزء الأول لم يكن قد وصل لهذه المرحلة.

وفي تقديري أن العمل في جانب منه يمثل دعاية للجماعة، وهو ما فهمه ناشر تاجر، عندما ظهر كتاب "الدعوة والداعية" للبنا، في المسلسل، ولم يكن الكتاب متعارفاً عليه في سوق النشر، فبادر بطباعته من باب استثمار هذا النجاح!

وفي تقديري أيضاً أن السلطة أدركت أن المسلسل لم يحقق الغرض منه، فلم تحرص على تكرار عرضه، فكم مرة أعاد عرضه التلفزيون المصري أو أي قناة أخرى مرتبطة بالقوم لنتأكد من أهميته في الرسالة المستهدفة؟!

إنني لا أقول إنه عمل لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا سوء القصد أو قصد السوء من خلفه، لكنه ليس هو العمل في حسابات طرفي الصراع أو كما تخيلوه، فدفع هذا الفريق لوصمه بأنه عدو الإسلام ليسهل الانقضاض عليه، وتصوير من دونهم له أنه بات مغفورا له لأنه ضد الإخوان، إذ كيف لمن يدّعون وصلا بالثورة أن يقوموا بتفخيم شخصه ولما قدمه للدراما وللإنسانية، وهو من الاستئصاليين والذي انتهى به الموقف الرمادي إلى أن يكون بوقاً للانقلاب العسكري في طبعته الرديئة وبعد أن تبدت سوءاته للعميان؟!

إنه الرأي والحرب والمكيدة.

twitter.com/selimazouz1