بورتريه

المعلم.. دبلوماسي نظرية "المؤامرات" (بورتريه)

عرف بنبرته الهادئة وبهدوء أعصابه، وغالبا ما كان يتحدث ببطء شديد إلى حد التثاؤب- عربي21

كان واجهة دمشق إلى العالم الخارجي وصوتها في مخاطبة جيرانها، وفتحت له أبواب أوروبا وحتى بيت واشنطن الذي بقي مواربا، لكن أعيد إغلاق الأبواب من جديد على وقع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011.  

كان موضع جدل دائم، عربيا على الأقل، بتصريحاته المثيرة وحديثه شبه الدائم عن "المؤامرات" ضد سوريا.  

عرف بنبرته الهادئة وبهدوء أعصابه، وغالبا ما كان يتحدث ببطء شديد إلى حد التثاؤب. 

شكل وليد المعلم، المولود عام 1941 لعائلة سنية سكنت حي المزة في دمشق، نافذة دبلوماسية هادئة لبلاده طيلة خدمته في الخارجية السورية، بعد حصوله على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة عام 1963.  

التحق المعلم مبكرا بوزارة الخارجية السورية عام 1964 وعمل في البعثات الدبلوماسية في كل من تنزانيا، والسعودية، وإسبانيا وإنكلترا. وكانت أطول مدة هي تواجده في جمهورية رومانيا طيلة نحو خمس سنوات من عام 1975 وحتى عام 1980. 

واصل عمله في وزارة الخارجية دون انقطاع وترقى في الوظيفة الرسمية في الوزارة إلى أن عين عام 1990 سفيرا لدى الولايات المتحدة حتى عام 1999 وهي الفترة التي شهدت مفاوضات سورية وعربية مع "إسرائيل"، وقام بدور أساسي في هذه المفاوضات انطلاقا من مرحلة ما بعد مؤتمر السلام في مدريد، وصولا إلى اجتماعات وزير الخارجية السوري فاروق الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك عام 1999. 

مع بدايات عام 2000 عين المعلم معاونا لوزير الخارجية الشرع. وبعد نحو خمس سنوات أمضاها في ظل الشرع عين نائبا لوزير الخارجية. كما كلف بإدارة ملف العلاقات السورية اللبنانية في فترة بالغة الصعوبة، وقام بالعديد من الزيارات إلى بيروت قبل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والذي كان من نتائجه انسحاب القوات السورية من لبنان. 

وسيتوج مسيرته عام 2006 بتعيينه وزيرا للخارجية.    

اشتهر بعدد من الأقوال التي ذكرها في مؤتمراته الصحفية منها، "سننسى أن أوروبا على الخارطة" والتي كان قد قالها في مؤتمر صحفي بعد أشهر من اندلاع الأزمة السورية. 

برز المعلم مع تصاعد تطورات الأحداث في سوريا بوصفه واجهة دمشق، وسعى عبر مؤتمراته الصحفية وتصريحاته المختلفة للدفاع عن رأي النظام، وعمل على التقليل من شأن ما تشهده بلاده، وربطه بما اعتبرها "مؤامرة تستهدف سوريا بسبب موقفها الممانع تجاه القضية الفلسطينية". 

كان مندفعا بلا ضوابط في دفاعه عن الدور العسكري المتنامي لموسكو وإيران في بلاده، ولم يثر وجود وكلاء لهما في سوريا حفيظته، بينما وصف العديد من المعارضين للأسد هذا الوجود بـ"الاحتلال" وبأنه السبب في تأجيج التوتر في البلاد.  

في مقابل ذلك فقد دأب المعلم على اتهام واشنطن والغرب بتأجيج الاضطرابات في بلاده ودعم "الإرهابيين". 

وأدرج المعلم عام 2011 ضمن لائحة الشخصيات السورية التي تخضع لعقوبات أمريكية، والتي يمنع التعامل المالي معها ويتم حجز أموالها الموجودة في المصارف الأمريكية أو على الأراضي الأمريكية، وهو مشمول بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على أبرز رموز دمشق والتي تنص على تجميد الأصول وحظر السفر إلى أوروبا. 

وكثيرا ما تطرق المعلم إلى علاقات بلاده مع المحيط العربي وقال في هذا الشأن: "ننظر إلى المستقبل في العلاقات العربية ولا ننظر إلى الماضي، لكن هل هم سادة قراراتهم؟ ونحن في سوريا سادة قراراتنا، وأبواب دمشق مفتوحة للجميع".  

كانت آخر تصريحات الدبلوماسي المخضرم مهاجمة "قانون قيصر"، وهو أشد العقوبات الأمريكية على دمشق حتى اليوم، ودخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو الماضي قائلا إنه "يهدف لخنق السوريين"، وتعهد المعلم بحصول بلاده على دعم من إيران وروسيا لتخفيف وطأة العقوبات. 


أما آخر ظهور علني للمعلم فقد كان في افتتاح مؤتمر عودة اللاجئين الذي نظمته دمشق بدعم روسي وبدا مرهقا وفي حالة صحية سيئة استدعت مساعدته من طرف شخصين على دخول قاعة الاجتماعات. 

ولم ترد تفاصيل عن سبب وفاة المعلم، لكنه عانى تدهورا في حالته الصحية منذ سنوات بسبب مشكلات في القلب.  

وللمعلم أربعة مؤلفات هي "فلسطين والسلام المسلح 1970"، "سوريا في مرحلة الانتداب من العام 1917 وحتى العام 1948"، "سوريا من الاستقلال إلى الوحدة من العام 1948 وحتى العام 1958" و"العالم والشرق الأوسط في المنظور الأمريكي". 

شكل المعلم خلال سنوات النزاع الصورة الخارجية لدمشق، واحتفظ بمنصبه رغم تغير الحكومات والوزراء وتغير السياسات، لكنه بقي ثابتا، فهو لم يكن يشكل تهديدا لأحد على مدى خدمته في الدولة السورية، وكان شخصية سنية في موقع تحتاجه الدولة لتقديم نفسها إلى العالم، وسيكون خليفته في مهمة صعبة لمواصلة الحديث عن "المؤامرة" واللعب على التوازنات الداخلية وتقديم نفسه للعالم في مساحة ضيقة مليئة بالحفر والألغام.