كتاب عربي 21

ارتدادات الحملة السعودية الداخلية ضد الإخوان على اليمن

1300x600

أخيرا تكشّف الموقف السعودي تجاه الشعب اليمني، عن أسوأ النوايا وأكثرها هتكا للمروءة والوفاء ومكارم الأخلاق. فها هي خطبة الجمعة الأخيرة التي وُزِّعتْ مركزيا في السعودية وصدح بها خطباء جامدون متخشبون متنطعون، تكشف عن هذا التوجه بشكل واضح وصريح.

فقد أريد للوضع المأساوي الذي كرسته السعودية بكل ثقلها العسكري والسياسي والاستراتيجي في هذا البلد أن يبقى كمثال على سوء منقلب الربيع العربي، ودور الإخوان المسلمين الذين مثّلوا بنظر السعودية وماكينتها الإعلامية الحامل السياسي لهذا الربيع ونُعتوا بأبشع الأوصاف بسببه، وتطور الأمر إلى تهديد بعذاب مقيم في الدار الآخرة.

لا يمكن فصل ما لخصته خطبة الجمعة عن الموقف السعودي الذي يتجلى في أسوأ صوره اليوم على الساحة اليمنية، حيث تجري هندسة المشهد الجيوسياسي ليؤول إلى واقع يعتقد حاكم السعودية الفعلي، محمد بن سلمان، أنه سيهنأ بفترة حكم مستقرة إذا ما بقي اليمن ساحة صراع بين أطراف متفاوتة القوة.

 

لا يمكن فصل ما لخصته خطبة الجمعة عن الموقف السعودي الذي يتجلى في أسوأ صوره اليوم على الساحة اليمنية، حيث تجري هندسة المشهد الجيوسياسي ليؤول إلى واقع يعتقد حاكم السعودية الفعلي

إذ لا يتطلب الأمر، لتحقيق ذلك، أكثر من حفر نفق سري يمكنها من خلاله الخروج من المستنقع اليمني، والتخلي عن مسؤوليتها العسكرية والسياسية والأخلاقية في هذا البلد، وإلقاء اللوم على الأطراف اليمنية المتصارعة.

ومن المهم جدا أن نورد بعضا من أهم الأمثلة على السلوك السعودي، حيث تُحدق المخاطرُ بصورة كبيرة جدا بمدينة مأرب، وهي واحدة من أهم وأكبر المعاقل التي آوى إليها مئات آلاف اليمنيين باعتبارها قاعدة للكفاح من أجل استعادة الدولة اليمنية، وملاذا مؤقتا من تهديدات وجودية تطالهم من قبل الحوثيين المدعومين من إيران ومن قبل التحالف، والمليشيات الانفصالية التي أنشأها في جنوب البلاد.

خلال اليومين الماضيين دارت معاركُ شرسة في محيط معسكر ماس الواقع شمال غرب مدينة مارب، والذي يمثل آخر القلاع التي تدافع عن هذه المدينة، في وقت بات الحوثيون يسيطرون تقريبا على معظم المناطق المحيطة بالمعسكر.

قبل أشهر انسحبت وحدات من القوات السعودية التي كانت ترابط في هذا المعسكر، وتزامن ذلك الانسحاب مع انسحابات مفاجئة للجيش من مواقعه في نهم، حيث قاتل هناك حتى نفدت ذخيرته ومؤنه وتقطعت به السبل، في وقت كانت الآمال قد انتعشت بقرب التقدم صوب صنعاء، خصوصا بعد زيارة المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية العقيد تركي المالكي الذي استهل مهمته كمتحدث بزيارة مارب وجبهة نهم، منتصف كانون الثاني/ يناير من عام 2018.

 

تواصل القوات السعودية التعزيز بأرتال من المعدات العسكرية والأسلحة النوعية التي تصل تباعا إلى مرابض تشرف عليها غرب مدينة مأرب، وهو ما لا يمكن فهمه، خصوصا وأن هذا التدفق لا يحدث أثرا في سياق المواجهة الحالية مع الحوثيين

وبعد الزخم المتصاعد للمعارك التي خاضها الجيش الوطني خلال الأسابيع الأخيرة في محافظة الجوف المجاورة لمأرب، يبدو أن هذا الزخم قد تراجع إلى حد التوقف، بالتزامن مع هدوء الجبهات الجنوبية الغربية لمأرب، وهي ظروف يبدو أنها تُفسح المجال للحوثيين للسيطرة على معسكر ماس وإنهاء وجود القوات الحكومية بشكل كامل من المديريات الشمالية والغربية المحيطة بمدينة مأرب، والاستعداد لاقتحام مدينة مأرب، وإن كان يبدو هذا الخيار صعبا للغاية في ظل استعداد الكتلة السكانية الهائلة ومسلحيها للمقاومة.


وفي الآن ذاته تواصل القوات السعودية التعزيز بأرتال من المعدات العسكرية والأسلحة النوعية التي تصل تباعا إلى مرابض تشرف عليها غرب مدينة مأرب، وهو ما لا يمكن فهمه، خصوصا أن هذا التدفق لا يحدث أثرا في سياق المواجهة الحالية مع الحوثيين.

لكأن المعارك التي تدور شمال غرب مدينة مأرب تجري بتنسيق مباشر أو غير مباشر، أو في أحسن الأحوال برغبة سعودية مقصودة في مزيد من استنزاف الحوثيين ومعهم قوات الجيش الوطني التي تواجههم، معتقدة أنها تذود بالفعل عن معقل يحرص التحالف على إبقائه في منأى عن احتمال السقوط، فيما يحرص التحالف على جعل المواجهات تلك تحت السيطرة لتؤدي ما كان يُراد له أن يُنجز عام 2014 في صنعاء.

إن أشد ما يثير مخاوف أنصار الشرعية في مأرب، مع تواصل استهدافهم بهذا الاستنزاف العبثي المقصود، وبإبقاء هذه الحالة من عدم اليقين بشأن مستقبل المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان على مستوى البلاد، هو أن ذلك يجري وسط الحملة الرسمية ضد الإخوان المسلمين في السعودية وتصدرتها، فتوى من هيئة كبار العلماء التي تشكلت حديثا في الرياض.

 

الحملة السعودية الرسمية المسعورة ضد الإخوان المسلمين، ربما استهدفت في المقام الأول كسر شوكة المقاومة الداخلية من جانب الشعب، لنهج القيادة السعودية الجديد، والذي يتميز بانغلاقه على الإصلاحات السياسية والحقوقية، واندفاعه نحو بناء تحالفات إقليمية جديدة

مخاوف الحلفاء المفترضين للسعودية في مأرب من التوجهات السعودية العدوانية الجديدة ذات الطابع العسكري والسياسي العقائدي؛ مبررة بشكل كبير في ظل التوافق الإماراتي السعودي على أن الحرب في اليمن ينبغي أن تعيد تحديد أولوياتها باتجاه الإخوان المسلمين، وفي ظل التوافق كذلك على أن هذا التوصيف يتطابق مع التجمع اليمني للإصلاح، فإن ثمة ما يبرر المخاوف التي تهيمن على سكان مأرب.

إن الحملة السعودية الرسمية المسعورة ضد الإخوان المسلمين، ربما استهدفت في المقام الأول كسر شوكة المقاومة الداخلية من جانب الشعب، لنهج القيادة السعودية الجديد، والذي يتميز بانغلاقه على الإصلاحات السياسية والحقوقية، واندفاعه نحو بناء تحالفات إقليمية جديدة أساسها التطبيع مع الكيان الصهيون، بالتزامن مع صياغة عقيدة الدولة لتصبح علمانية تماما، كما أكد على ذلك قبل ثلاثة أعوام سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة بالتزامن مع اندلاع الأزمة الخليجية التي استهدفت دولة قطر عسكريا واقتصاديا.

twitter.com/yaseentamimi68