حقوق وحريات

تعذيب وحرمان.. هكذا تعيش الأسيرات في سجون الاحتلال

تعاني الأسيرات من سوء المعاملة وحرمانهن من أبسط الحقوق- جيتي

تمر الأيام ثقيلة طويلة على عائلة الأسيرة الفلسطينية مرح باكير (٢١ عاما) من القدس المحتلة؛ فهي بحاجة إلى العلاج بعد إصابتها بعشر رصاصات في ذراعها حين اعتقلها الاحتلال عام ٢٠١٥.

"أم موسى" والدة الأسيرة تشعر بضيق كبير كلما لاح طيف مرح أمامها؛ فهي تعلم أن ابنتها المحكومة بالسجن لمدة ثماني سنوات تعيش ظروف اعتقال قاسية في سجن "الدامون" الذي يحتجز فيه الاحتلال أكثر من ٤٠ أسيرة فلسطينية بينهن قاصرات وجريحات وأمهات.

وتقول لـ"عربي٢١" إن جنود الاحتلال أطلقوا النار على ابنتها في حي الشيخ جراح عام ٢٠١٥ وتركوها تنزف ولم يقدموا لها أي علاج لساعات؛ ما أدى إلى تهتك العظم في ذراعها وتمزق الأربطة وعدم القدرة على استخدامها وتحريكها، مبينة أنه رغم هذا الألم تعرضت مرح للتحقيق في جلسات طويلة ولم تكن تبلغ من العمر آنذاك ١٥ عاما.

ومرت السنوات على الأسيرة وهي تعاني من إصابتها دون أن يقدم الاحتلال لها أدنى حد من العلاج اللازم؛ ثم خضعت لعملية جراحية تم خلالها وضع "البلاتين" لها مكان العظم المتفتت، إلا أن موعد إزالته مر قبل فترة طويلة ولم يستجب الاحتلال لطلبها المستمر بإزالته.

وتبين الوالدة بأن العملية الجراحية التي تحتاجها مرح ستخلصها من آلام مستمرة حادة في ذراعها خاصة مع بدء فصل الشتاء؛ والذي تعاني فيه مرح عادة من آلام مبرحة في ذراعها في ظل انعدام وسائل التدفئة في السجن.

وقبل عام تقريبا تم انتخاب مرح بين الأسيرات لتكون الممثلة عنهن؛ ما أتاح لها الفرصة للمطالبة بأبسط حقوقهن التي سلبتها إدارة سجون الاحتلال؛ ومن الأمثلة عليها إصلاح ساحة السجن المتنفس الوحيد للأسيرات لمدة ساعة يوميا والتي يبقيها الاحتلال زلقة بشكل متعمد.

وقبل عدة أيام هددت الأسيرات بخوض خطوات احتجاجية للمطالبة بتحسين ظروف اعتقالهن السيئة؛ ومن أبرزها عدم احتجاز الموقوفات منهن فيما يسمى "معبار الشارون"؛ والسماح للأسيرات بالاتصال بأقربائهن من الدرجة الأولى؛ وإعادة بعض المشتريات لبقالة السجن والتي سحبتها إدارة السجون الإسرائيلية دون أي سبب مثل البهارات وشاحن البطاريات وأجهزة المذياع؛ والزعتر.


وتصف الوالدة حياة الأسيرات بالجحيم المستمر؛ حيث أن سجن الدامون الذي يقبعن فيه يفتقر لبنية تحتية جيدة؛ وتملؤه الرطوبة في فصل الشتاء ما يتسبب بانقطاع مستمر للتيار الكهربائي وإصابة الأسيرات بصعقات كهربائية نتيجة ذلك وهو ما أصاب مرح في إحدى المرات حين حاولت استخدام إبريق سخان المياه.

وتشير أم مرح إلى أن فصل الشتاء وحده يحمل معاناة كبيرة؛ خاصة أن وسائل التدفئة معدومة ويمنع إدخال الأغطية اللازمة، بينما تعيش الكثير من الأسيرات ظروف اعتقال مأساوية بسبب معاناتهن من الإصابات لحظة اعتقالهن.

وتضيف: "تم وعد الأسيرات قبل عامين بتركيب هواتف عمومية في السجن للتمكن من الحديث مع عائلاتهن ولكن حتى الآن ما تزال المعاناة قائمة؛ الزيارات كذلك ما زالت بالنسبة لأهالي الضفة ممنوعة بحجة انتشار فيروس كورونا، والعلاج يستخدم سلاحا ضدهن وتتم المماطلة فيه بشكل كبير ومتعمد؛ وكل ذلك يشكل ضغطا عليهن".

أما الخطوات الاحتجاجية التي تهدد الأسيرات بخوضها فتزرع القلق في نفوس العائلات؛ ولكنها في الوقت ذاته تريد أن تحقق الأسيرات مطالبهن بشكل كامل.

مطالب ملحّة


أما الأسيرة المحررة شذى حسن فكانت واحدة ممن عانين قسوة السجن؛ حيث مكثت في الاعتقال الإداري لمدة خمسة أشهر كانت كفيلة بأن تريها حجم المعاناة التي طالما سمعت عنها عبر وسائل الإعلام.

وتقول لـ "عربي٢١" إن أبرز ما يؤرق الأسيرات في هذه الفترة هو عدم وجود اتصالات بين الأسيرة وعائلتها؛ حيث أن الزيارات أصبحت منذ بداية جائحة كورونا مرة كل شهرين بعد أن كانت مرة كل أسبوعين؛ وهو ما يجعلهن يشعرن بعزلة كبيرة.

وتشير إلى أن أهم مطلب لديهن هو السماح بالاتصال الهاتفي مع عائلاتهن أو تركيب الهواتف العمومية في السجن؛ وهو ما تماطل إدارة السجون في إنجازه.

وبحسب حسن فإن المطالب الأخرى تتعلق بإزالة آلات التصوير من ساحة السجن؛ حيث لا تتمكن الأسيرات من الخروج للساحة دون ارتداء ملابس الصلاة بسبب المراقبة المستمرة لهن عبر "الكاميرات"؛ ولأن أشعة الشمس لا تدخل غرفهن فإنهن يفتقرن لها خلال خروجهن لساحة السجن المراقبة باستمرار.

وتشير إلى أن سجن الدامون الذي تحتجز فيه الأسيرات ذو بناء قديم يفتقر للكثير من الأمور الحيوية التي يحتاجها أي إنسان؛ فجدرانه متهالكة وتخزن الرطوبة بنسبة عالية؛ كما أنه شديد البرد شتاء وشديد الحر صيفا.

وتعتبر شذى بأن مطلب عدم وجود الأسيرات الموقوفات فيما يسمى "معبار الشارون" هام للغاية؛ حيث مرت بتجربة التواجد فيه في فصل الشتاء، واصفة إياها بالتجربة القاسية.

وتضيف: "المعبار تكون فيه غرفة واحدة تتسع لأربع أسيرات وبه فرشات متهالكة ورطبة لا تصلح للنوم أو الجلوس؛ وفي داخل الغرفة دورة مياه دون باب وهو ما يحرم الأسيرة من استخدامها؛ كما أن الغرفة باردة جدا ولها نافذة صغيرة ملاصقة لسقفها لا يمكن إغلاقها، والغرفة قريبة من غرف اعتقال الجنائيين من الإسرائيليين والذين يكررون الكلام البذيء والشتائم على مسمعنا طيلة الوقت".

التعذيب والحرمان
بدورها تؤكد الناطقة الإعلامية باسم جمعية نادي الأسير الفلسطيني أماني السراحنة بأن الاحتلال لا يفرق بين الأسرى والأسيرات في المعاملة؛ حيث ينتهك حقوقهم ويتعمد إهانتهم.

وتقول لـ "عربي٢١" إن هناك بنية لانتهاك حقوق الأسيرات في كل مرحلة؛ فمنذ انتشار وباء كورونا أصبحت هناك ضغوطات أكبر عليهن بسبب وقف الاحتلال لزيارات العائلات والمحامين لهن، ما تسبب لهن بعزل إضافي.

وتوضح بأن جزءا من الأسباب التي زادت من معاناتهن هو تجاهل الاحتلال لمطلبهن الأساسي بالتواصل الهاتفي مع عائلاتهن، فحتى الهاتف استخدموه لمعاقبة بعض الأسيرات وحرمانهن من الحديث مع العائلات.

وتشير إلى أن بعض المرافق في السجن تحتاج إلى عمليات تصليح خاصة أن ظروف الاعتقال في سجن الدامون قاسية، وفي فصل الشتاء تزيد المعاناة حدة، حيث أن هناك مجموعة من الأسيرات الجريحات اللواتي هن بحاجة لعلاج طبي ومتابعة مستمرة، أبرزهن الأسيرة المقدسية إسراء جعابيص التي تعاني من حروق في غالبية جسدها منذ اعتقالها عام ٢٠١٥. 

وتضيف السراحنة: "الاحتلال استخدم حتى العلاج كأداة تنكيل ضد الأسيرات؛ وأصبح أحد الأدوات التي يستخدمها لزيادة قسوة الظروف الاعتقالية".

من جانب آخر تؤكد السراحنة بأنه منذ شهر أغسطس/ آب من عام ٢٠١٩ رصدت المؤسسات الحقوقية بشكل حثيث موضوع التعذيب الجسدي للأسيرات؛ حيث تعرضت مجموعة منهن للتحقيق القاسي جسديا ونفسيا، لافتة إلى أن ذلك لم يكن موضوعا جديدا ولكنه تجديد لأسلوب استخدم سابقا وبات يستخدم بوتيرة متصاعدة.

وتشير السراحنة إلى أن من بين الأسيرات أمهات لديهن أطفال يحرمن من رؤيتهم نتيجة عدم انتظام الزيارات؛ مبينة أن مدينة القدس هي المدينة ذات النسبة الأعلى في عدد الأسيرات.

وتقول إن جزءا من الأسيرات اعتقلن وهن قاصرات وكبرن داخل الأسر وهذا منحى مهم في قضية الأسيرات كونه يؤثر على الحالة النفسية لهن وفي هذه المرحلة الهامة من حياتهن والتي عايشنها في سجن وظروف اعتقالية قاسية.

وتابعت: "تتعرض الأسيرات لمحاولة انتهاك خصوصية حياتهن والتي تحمل معنى تعريفه مختلف داخل السجن؛ وبالتالي من جملة مطالبهن عدم التعرض لهذه الخصوصية سواء بتركيب آلات تصوير في أروقة السجن أو غير ذلك من الأساليب التي يقوم بها الاحتلال".