كتاب عربي 21

التوقيت الحالي مناسب لتأثير مقاطعة المنتجات الفرنسية

1300x600

عوامل متعددة تتعلق بالاقتصاد الفرنسي في الفترة الحالية، تساهم في إمكانية تأثير مقاطعة المنتجات الفرنسية الجزئية التي ظهرت في عدد من الدول العربية والإسلامية في الوقت الحالي، أبرزها العجز المزمن بالميزان التجاري السلعي الفرنسي، والضعف الحالي للسياحة الواردة لفرنسا بسبب فيروس كوفيد-19، حيث تشكل السياحة المورد الرئيس للتجارة الخدمية في فرنسا.

كذلك تحول الاقتصاد إلى حالة الانكماش خلال العام الحالي، والعجز المزمن بميزان المعاملات الجارية، وارتفاع نسبة العجز في الموازنة الفرنسية، وارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي، وزيادة الدين الخارجي لفرنسا، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لفرنسا خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 25 في المئة، حيث تعاني فرنسا منذ 2003 وحتى العام الحالي من عجز في الميزان التجاري السلعي بلا انقطاع. ومن الأسباب الرئيسة لذلك تدني نسب الاكتفاء الذاتي من النفط لنسبة 1 في المئة، وبالغاز الطبيعي لأقل من واحد بالألف، مما دفعها لزيادة الاعتماد على الطاقة النووية.

ويشير التوزيع النسبي لموارد الطاقة لديها إلى تصدر الطاقة النووية بنسبة 37 في المئة والنفط 32.5 في المئة، والغاز الطبيعي 16 في المئة، والطاقة المتجددة وخاصة الوقود الحيوى 6 في المئة، والطاقة الكهرومائية 5 في المئة، والفحم 3 في المئة.

ولهذا احتلت المركز التاسع دوليا في العام الماضي بواردات النفط الخام والمشتقات بنحو 1.915 مليون برميل يوميا، منها 976 ألف برميل يوميا من الخام في المركز العاشر دوليا، و939 ألف برميل من المشتقات يوميا في المركز السابع دوليا، حيث توجد فيها طاقات لتكرير النفط تصل إلى 1.3 مليون برميل يوميا. وفي الغاز الطبيعي احتلت المركز السادس دوليا باستيراد الغاز الطبيعي، بنحو 55 مليار متر مكعب، بنسبة 4.5 في المئة من الواردات الدولية من الغاز الطبيعي.

رابع أكبر عجز تجاري دولي بفرنسا

وبلغ العجز في الميزان التجاري السلعي بالعام الماضي 81 مليار دولار، والذي يمثل المركز الرابع للعجز التجاري دوليا بعد الولايات المتحدة وإنجلترا والهند. وتزيد قيمة العجز التجاري مع ارتفاع أسعار النفط حتى بلغ هذا العجز 124 مليار دولار عام 2011، مع سعر نفط بلغ 111 دولارا لبرميل خام برنت، وظل أكثر من مئة مليار دولار عامي 2012 و2013 مع ارتفاع أسعار النفط خلالهما إلى 112 دولارا و109 دولارات.

 

خطورة ذلك العجز التجاري الكبير بالنسبة لميزان المدفوعات الفرنسي، أنه يستوعب الفائض المستمر بالتجارة الخدمية

وخطورة ذلك العجز التجاري الكبير بالنسبة لميزان المدفوعات الفرنسي، أنه يستوعب الفائض المستمر بالتجارة الخدمية بسبب إيرادات السياحة الجيدة، حيث تحتل فرنسا المركز الأول بعدد السائحين بين دول العالم، وكذلك الفائض بميزان الدخل الأولي الخاص بفوائد الاستثمارات، ليحقق الحساب الجاري الفرنسي عجزا دائما منذ عام 2005 وحتى العام الحالي بلا انقطاع، ويعززه استمرار العجز بميزان الدخل الثانوي نتيجة المعونات ومدفوعات تحويلات العمالة الأجنبية بفرنسا..

كذلك معاناة فرنسا من العجز الكبير بالحساب المالي أيضا منذ عام 2008 بلا انقطاع، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج منها عن الداخل إليها في السنوات الست الأخيرة، ففي العام الماضي بلغت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها 34 مليار دولار، وقيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج منها 39 مليار دولار.

وفي عام 2018 كانت قيمة الاستثمار الوارد 38 مليار دولار والخارج منها 106 مليارات دولار، وهو ما يشير من ناحية أخرى إلى تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي الوارد إليها، والذي كان قد بلغ 45 مليار دولار عام 2015، وهو الانخفاض الذي استمر خلال العام الحالي، حيث بلغت نسبة انخفاضه 25 في المئة بالنصف الأول من العام عن نفس الفترة من العام الماضي.

الدين الخارجي 29 ضعف الاحتياطيات

ولذلك تزداد الحاجة للاقتراض الخارجي، حتى بلغ الدين الخارجي ستة تريليونات و673 مليار دولار في حزيران/ يونيو الماضي، مقابل ستة تريليونات و253 مليار بنهاية العام الماضي، وبعد أن كانت قيمة الدين الخارجي 5.8 تريليون دولار بنهاية عام 2018، وبما يشير إلى استمرار تصاعد الدين الخارجي خلال السنوات الخمس الأخيرة، في حين بلغت الاحتياطيات من العملات الأجنبية 231 مليار دولار في آب/ أغسطس الماضي، أي أن الدين الخارجي يمثل 29 ضعف الاحتياطيات.

كذلك تذبذب قيمة الصادرات السلعية والتي انخفضت في العام الماضي عن العام الأسبق، بل في إنها في العام الماضي كانت أقل مما كانت عليه في أعوام 2011 و2013 و2014. وفي الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي انخفضت قيمة الصادرات السلعية بنسبة 21 في المئة بالمقارنة بنفس الشهور من العام الماضي.

 

تتذبذب قيمة الصادرات السلعية والتي انخفضت في العام الماضي عن العام الأسبق، بل في إنها في العام الماضي كانت أقل مما كانت عليه في أعوام 2011 و2013 و2014

كذلك يعاني الاقتصاد الفرنسي من عجز مزمن بالموازنة بلغت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي 3.7 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي، ثم زاد إلى 5.2 في المئة بالربع الأول من العام الحالي، ثم إلى 11.6 في المئة بالربع الثاني من العام الحالي، ولهذا توقع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر ارتفاع نسبته إلى 10.8 في المئة بالعام الحالي، واستمرار هذا العجز بنسب مرتفعة حتى عام 2025.

أيضا بلغت نسبة الدين الحكومي للناتج 98 في المئة بالعام الماضي، وارتفعت النسبة من 99.2 في المئة بالربع الأخير من العام الماضي، إلى 101.3 في المئة بالربع الثاني من العام الحالي، ثم إلى 114 في المئة بالربع الثاني من العام الحالي، ولهذا توقع صندوق النقد بلوغها 119 في المئة بالعام الحالي.

ومع بلوغ عدد العاطلين 2.2 مليون شخص في آب/ أغسطس الماضي، فإن مقاطعة السلع الفرنسية عربيا وإسلاميا ومن قبل الجاليات المسلمة في دول العالم، يمكن أن يتسبب بزيادة البطالة خاصة في بعض القطاعات التصديرية، مثل الصادرات الغذائية والحبوب والأدوات المنزلية، وبالتالي انخفاض الإيرادات الضريبية منها مما يزيد من عجز الموازنة.

 

مقاطعة السلع الفرنسية عربيا وإسلاميا ومن قبل الجاليات المسلمة في دول العالم، يمكن أن يتسبب بزيادة البطالة خاصة في بعض القطاعات التصديرية، مثل الصادرات الغذائية والحبوب والأدوات المنزلية، وبالتالي انخفاض الإيرادات الضريبية منها مما يزيد من عجز الموازنة

فائض تجاري فرنسي مع العرب

ومع بلوغ قيمة الصادرات الفرنسية للدول العربية في العام الماضي 32 مليار دولار، ربما يرى البعض أنها قيمة قليلة بالقياس لمجمل الصادرات، لكن تجارة فرنسا مع العرب تتميز بخاصية تحقيق فائض تجاري بلغ حوالي ملياري دولار في العام الماضي، بعكس علاقتها بمعظم شركائها التجاريين، فمن بين شركاء التجارة العشرين الأوائل معها والذين تتصدرهم ألمانيا، حققت فرنسا عجزا مع 15 دولة منها، بلغ 36 مليار دولار مع الصين و17 مليار دولار مع ألمانيا وتسعة مليارات دولار مع هولندا.

وحققت تجارة فرنسا مع العرب في العام الماضي فائضا مع 17 دولة عربية، وهو أمر استمر في السنوات الماضية، حيث بلغ حوالي أربعة مليارات يورو عام 2018 وحوالي تسعة مليارات يورو عام 2017.

ففي العام الماضي حققت فائضا تجاريا سلعيا مع كل من: قطر والإمارات والجزائر ومصر ولبنان والكويت وسلطنة عمان والأردن والبحرين ومويتانيا واليمن والسودان وجيبوتي وسوريا وجزر القمر وفلسطين والصومال، بينما تسببت واردات الطاقة في وجود عجز مع السعودية والعراق وليبيا.

كما بلغت قيمة الصادرات الفرنسية في العام الماضي إلى بعض الدول الإسلامية 6.66 مليار دولار لتركيا، و1.75 مليار دولار لإندونسيا، و1.68 مليار دولار لماليزيا، و1.2 مليار دولار للسنغال، و657 مليون دولار لنيجيريا، و474 مليون دولار لكازاخستان، و443 مليون لباكستان، و421 مليون دولار لإيران، بخلاف الصادرات الخدمية لتلك الدول من خدمات نقل وسياحة وخدمات تعليمية وطبية وثقافية وغيرها.

وشكلت ظروف الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا وتجاوز حالات الإصابة المليون شخص بفرنسا؛ تأثيرا سلبيا على السياحة والخدمات الفرنسية، نجم عنه تحقيق الميزان الخدمي عجزا بلغ 1.6 مليار يورو في الربع الأول من العام الحالي، وهو أمر غير مسبوق.

 

أهمية امتداد المقاطعة للمنتجات الفرنسية السلعية إلى الخدمات الفرنسية، ومنها الخدمات المصرفية والتأمينية والسياحة

وهو ما يعني أهمية امتداد المقاطعة للمنتجات الفرنسية السلعية إلى الخدمات الفرنسية، ومنها الخدمات المصرفية والتأمينية والسياحة، حيث بلغ عدد السياح القادمين لها من دول الشرق الأوسط عام 2018 نحو 1.4 مليون سائح، بخلاف القادمين من أفريقيا والدول الآسيوية الإسلامية..

أيضا الخدمات الطبية والخدمات التعليمية، والترفيهية والرياضية والاستشارات القانونية والهندسية والمحاسبية، وكذلك الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في فرنسا والإيداع في مصارفها، سواء الموجودة بباريس أو بفروعها في دول المنطقة العربية والإسلامية.

والاستفادة من ظروف تراجع معدل نمو الاقتصاد الفرنسي إلى 1.5 في المئة في العام الماضي، وتوقع صندوق النقد الدولي تحقيقه انكماشا بنسبة 9.8 في المئة في العام الحالي، وانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 42 ألفا و400 دولار، بينما كان أعلى من ذلك عام 2013، مما يساهم في الضغط الشعبي على الحكومة الفرنسية.

twitter.com/mamdouh_alwaly