قضايا وآراء

وَبَاءُ الفَسادِ والإفْساد والاستِثمار فيهما

1300x600

يقولون "السَّمكة تفسُد من رأسِها"، لكن فسادها المُحتم ذاك جَسديّ ويكون بعد موتها، أمَّا بعض بني البشر فيفسدون وهم أحياء، وفساد الواحد منهم حياً نوعان "مادي ومعنويّ" فساد الجسد وفساد النَّفْس. وفساد جسد الشخص يكون أكثر ما يكون بفساد قلبه، مصداق ذلك الحديث الشريف المُتفق عليه الذي رواه النعمان بن بشير، حيث قال: "سمعت رسول الله صلى وسلم يقول: أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ". ويؤكد ذلك الطبُّ وتجلوه التجربة.. 

وهذا النوع من الفساد الذي يصيب القلب لا يلبث أن يطال الجسد كلَّه فيُضعفه ويتلفه، وهو يؤثر في أداء الإنسان عامة ويتطور ذاتياً وداخلياً، وهو فساد ذو شُعبتين:
 
ـ فساد المادة: ويتصل بالدم والأوعية وخلايا الجسد وأعضائه وبسلامة تلك الأعضاء وقدرتها على آداء وظائفها، وعلى التجدد والعمل والمقاومة المناعية وغير المناعية، الأمر الذي قد يؤدي إلى أمراض منها ما هو معدٍ، ومن ثم يفضي إلى حالة الضعف المُنهك المُهلك وإلى الوفاة. 

ـ وفساد الطَويّة والبيئة الذاتية ومنظومة الآداء المعنوي الفاعلة في مجالات فكرية وعاطفية ووجدانية وإنسانية نحسُّها ولا نلمَسُها، تحكُمنا ولا نَحكُمها، وتؤثر فينا ونتأثر بها حتى لتكاد تملك علينا حَواسَّنا وأحاسيسنا.
 
إلَّا أن هناك فساداً في الإنسان يرافق القلب السليم والجسم السليم، وتزيده السلامة القلبيَّة ـ الجسديّة شراسة وانتشاراً وعدوى فيصبح إفساداً وداءً وبلوة وابتلاءً، أَلا هو فساد النَّفس الذي خمائره وجراثيمه منها وفيها، والنفس ينميها ويؤثِّر فيها الإغراء والإغواء والترغيب والترهيب وغياب الرقيب والحسيب والحساب، واضمحلال مفعول الكوابح الذاتية "الدينيّة والخُلُقيّة والتَّربويّة" أو انعدام الكوابح الاجتماعية والقانونية والثقافية، فتتنمَّر، وتتدثَّر بأكثر من دِثار لتخفي فسادها وتموِّه إفسادها. 

ويضاعف أذاها الاستثمارُ فيها أو اتخاذها وسيلة.. وذاك فعل تتقنه السياسات والتجارات والسلطات والمرجعيات المنفلتات من كل قيد قانوني وأخلاقي وإنساني، حيث تسلك السياسات ويسلك الساسة سبلاً منحرفة أو متطرفة تحرفهم عن جادة الصواب، ويقبل عليها بعض الناس خوفاً وطمعاً أو تقليداً، فينشط مناخٌ خاصٌ وعامٌ حاضن "حنون" لذلك النوع من الفتون، مصاب بأورام وأمراض تجعله بيئةً مُعدية متعدِّية وفتاكة.
 
فإذا فسَدت النّفس ووظِّف فسادُها نَفَثَتْ فساداً وأفسَدت غيرها وسممت البيئة المحيطة بها لتسوِّغ وجودها وتتمدد طولاً وعرضاً.. ومن نفس فاسدة إلى أخرى مُفْسَدة ينتشر الفساد ويشتد ويغدو جائحات، فيميت الأخلاق والقيم والمروءات، ويصيب المعايير الاجتماعية السليمة في مقاتل ويضعفها ويهمِّشها ومن ثم يتخطاها كلياً، ويرفع نماذج السوء قدوة، وأفعالهم شطارة ومهارة، فيتجاوزون على القوانين والحقوق والحريات، ويظلمون ويتجبرون ويفسدون ما يفسدون في مجريات الحُكم والعدالة ومرجعيات الاحتكام.
 
ولأنّ المجتمع مثل الجسد يتكوّن من خلايا، هي خلايا اجتماعية واحدتها "الأُسَر"، ولكل خلية اجتماعية نواة من ذكر وأنثى، رجل وامرأة، نَفْسٌ ونَفْس.. هما التكوين والكينونة وموطن التربية والتوجيه والفعل من كيان المجتمع الحي الفاعل، فإن فساد نفس أحد المكوِّنين لتلك النواة الاجتماعية أو كليهما يفسِد الأخرى فتفسُد الخلية الاجتماعية وتنشر عدوى الفساد بالإفساد بدورها. 

 

إذا فسَدت النّفس ووظِّف فسادُها نَفَثَتْ فساداً وأفسَدت غيرها وسممت البيئة المحيطة بها لتسوِّغ وجودها وتتمدد طولاً وعرضاً.. ومن نفس فاسدة إلى أخرى مُفْسَدة ينتشر الفساد ويشتد ويغدو جائحات، فيميت الأخلاق والقيم والمروءات، ويصيب المعايير الاجتماعية السليمة

 



وهكذا يُصاب المجتمع بوباء يشتدُّ وينتشر شيئاً فشيئاً ويفتك بالبُنى السياسية والثقافية والاجتماعية ويدمِّر في الصميم.. وكلّما ازداد الفتك ازداد الضعف والإنهاك وازدادت الخلايا الاجتماعية الفاسدة كثرة، وازدادت شراهةُ النَّفس قوة وشِرَّةً وشراسة وشَهوة، إذ النفس أمَّارة بالسوء، وتكمن فيها استعدادات لنمو الأورام النفسية الخبيثة. 

وبتوطّن هذه الحالة واستفحالها يستفحل الفساد ويتحول إلى وباء يُضعِف الجسمَ الاجتماعي، حاملَ المقومات والقيم الاجتماعية والوطنية والأخلاقية والدينية والإنسانية، وحامل الأعراف والتقاليد، والمعارف والقوانين، وحامي حمى الوجود الصحيح السليم للفرد والمجتمع والدولة.. وبضعفه وضَعْضَعتِه تنفلت وحوش بشرية من عقالها، وتنهش الأشخاص والأرواح والقيم ومقومات الوجود الحي، وتشوه المفاهيم والمعايير، وتفترس الدولة والمجتمع والأفراد الأسوياء الأبرياء الأنقياء، وتأتي على مؤسسات الدولة والشعب والحُكم.. 

وإذا فسد رأس الحكم ابتداءً امتد الفساد واشتد وتحالف الفاسدون والمفسدون وتبادلوا الحماية والمنافع، وكوّنوا بيئة طاردة للصلاح والإصلاح، بيئة متعفنة تفضي إلى فقدان الأمن من جوع وخوف، وإلى اضطرابات أمنية وانهيارات اقتصادية واجتماعية، فردية وجماعية، وإلى تشكل مستنقعات بشرية وبائية يكثُر فيها المُرتزقة والمُتزلِّفة والانتهازيون والمُدَّعون واللصوص والمُخربون والقَتَلة، وتتوالى الأزمات على الدولة والمجتمع والأفراد وتتنوع وتستفحل، وتبدأ المآسي البشرية والمعاناة الفردية والجماعية بالتوالد والتراكم، وتتشَمْرَخُ المَصائب وتتلوَّن وتتعدَّد وتصبح كوارث تجرُّ بدورها كوارث، وتدور عجلة التخريب والخراب والتدمير والدمار وتشمل الخاص والعام، ولا يسلم منها إلّا من رحم ربك.. 

وترتفع في الأرجاء الشكوى ولا من ينصِت ولا من ينصِف ولا من يجيب، ويلجأ الناس إلى حماية أنفسهم بوسائل وأساليب منها إرخاص الذات والخنوع والتذلل أو القسوة والتوحش أو الهجرة والرحيل.. وشيئاً فشيئاً تتآكل الدولة والقوانين والمناعة الاجتماعية والسياسية والثقافية والمقاومة الشخصية، وتُحاصَرُ القدراتُ والكفاءاتُ وتنحسر فعاليتُها وقدرتها على الصمود والإنقاذ وتنكفئ، وتفشل الحكومات، ويصبح الإصلاح صعباً بل مستعصياً، وتتسع الخُروق على الراقعين.. 

 

إذا فسد رأس الحكم ابتداءً امتد الفساد واشتد وتحالف الفاسدون والمفسدون وتبادلوا الحماية والمنافع، وكوّنوا بيئة طاردة للصلاح والإصلاح، بيئة متعفنة تفضي إلى فقدان الأمن من جوع وخوف، وإلى اضطرابات أمنية وانهيارات اقتصادية واجتماعية، فردية وجماعية،

 



ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه بفجائعية مثيرة لما هو أبعد من الاستهجان والشّجن والجوع، حيث يزداد الطين بِلَّة وتعلو ذُرى الجائحات بمنهجية إعلانية إعلامية مموَّلة مُسيَّسة، ينوح فيها الفاسدون والمفسدون على السلامة العامة والوطنية السقيمة والأخلاق الكَليمَة، ويُلقون باللائمة على مَن يعرفهم حق المعرفة ومَن ينظر إليهم في عيونهم، ويطالون مَن يتحاشون سمومهم بالابتعاد عن مناقع الوباء ومستنقعاته، ويتحولون إلى محاربين للفساد وهم الفساد عينه، فيفتكون بالناس متجردين من كل مسؤولية خلقية وتربوية واجتماعية وسياسية ووطنية وإنسانية، همهم الأول الإثراء والقهر الفتك والتعالي والتربّع فوق الصدور إلى أن يكتموا الأنفاس.. وتراهم بحللهم الزاهية، ومراتبهم العالية، وأموالهم الطائلة، وثرواتهم الفاحشة، وسلطاتهم القامعة.. تراهم في صولات وجولات، يزدهون ويستقطبون مَن يستقطبونهم من المُبَجِّلِين والمُزيِّنين للقبائح، ويرتفعون بجهل وجهالة وسفاهة.. ترفعهم أكفُّ الاتباع المطبلين المزمِّرين، يصدق فيهم ما قاله أبو بحر الجاحظ في بعض أهل زمانه من الفاسدين المفسدين المُتسلِّطين المُزدهين بباطلهم، إذ قال: ".. إن زَلَّ قِيلَ حَكُمْ، وإنْ أَخطأَ قيلَ أَصاب، وإن هَذَى في كَلامه وهو يَقْظان قيل رُؤْيا صادِقة في سِنَةٍ مُباركَة.."، يرغون ويزبدون ضد الانحلال الاجتماعي والفساد الإداري والسياسي والأخلاقي، وضد المافيات والتجارات والنهابين والنهابات، ويتّهمون الخارج والداخل، ويحمّلون غيرهم مسؤولية ما يرتكبون، ويتفاخرون بالمُستجد من أدوار يوهمون أنهم يقومون بها ضد "الفساد والمفسدين؟!" ويتحملون الأعباء على طريق الإنقاذ والحد من الانهيارات؟! ويلعنون الزمان، وهم فيروس الفساد وأساس الإفساد ومنشأ الوباء وبؤره المتكاثرة، وداء المجتمعات والأوطان.
 
وفي هذا المناخ الصاخب الفاجر القاتل ترى أهل الصلاح والمَروؤة والعارفين ببواطن الأمور والأحوال والخفايا.. تراهم كالجمال الصُّفر يحملون أحمالهم وتنغرزُ مَسال الزّمن الطِّوال في أجسادهم وتهدد قلوبهم، فصبرون ويسكتون، يلجمهم القهر والطغيان.. وتراهم عند اشتداد الرَّزايا يتلاوذون في الزّوايا، وينزوون في عتمة البيوت طالبين الستر والستيرة والسلامة ورحمة الله لأن الوباء يستدعي الابتعاد عن بؤره وبيئته. وقائلهم يهجس من دون أن يحرك شَفَةً أو لساناً، ويردِّد ما قاله أبو مياس الشاعر:

أَرى حُللاً تُصانُ على أُناسٍ            وأَخلاقاً تُداسُ فما تُصانُ 
يقولون الزّمانُ به فسادٌ         وهم فَسَدوا وما فَسَدَ الزَّمانُ 

وهكذا تدور عَجَلَة الأيام تعرك الناس عرْك الرَّحى بِثفالِها، فتُدمي قلوباً، وتبيحُ أرواحاً، وتستهين ببمقدسات وكرامات وحقوق وحريات وحَيوات، ويرتفع بسببها " ثُغاء" الخلق بالشكوى من دون جدوي.. ويتطلّع الناس إلى خلاص ولا خلاص ولا من يهتم بالسعي الموفق إلى خلاص.. ذلك لأن المفسدين قوة واسعة حاكمة متحكمة قامعة متعاضدة لا مصلحة لها في الإصلاح ولا في أن يقوى الضعفاء والمظلومون ويفرضون الإصلاح. 

ولأن فساد المجتمع أهون من إصلاحه بكثير حتى لو صدقت النيات في الإصلاح، ولأن معالجة الداء في مراحل متقدمة من انتشاره ومن قدرته على الفتك، أصعب بكثير من الوقاية منه وهو في البدايات.. فإن الفعل المنقذ والرادع عند مشارف النهايات أصعب وأكثر كلفة بكثير من القيام به في البدايات وأكثر نجاعة.

ولو أن أهل الرأي والحكم والقرار في مجتمع يتهدَّده الفساد والإفساد، لو أنهم لم يفسِدوا ولم يستثمروا في الفساد، وبادروا إلى محاصرة المُفسدين، لما استفحل الفساد وطَمَّ خطبُه واستحال وباءً، ولما تجرأت سياسة ولا تجارة ولا عصابة على الاستثمار فيه ومن ثم إغراق الناس في بؤره والغرق معهم في حالات وأحايين، ولما استفحل الفساد واستعصى على العلاج، ولما تردى الحال ووصل إلى مرحلة الوجيعة والفجيعة.

 

إن لنا في مجتمعات أنهكَها الفساد وفي أمم خلت من قبلنا هلكت بسببه، وفي كثير من أوجه الحياة من حولنا عِظاتٌ ودروس وعِبَر، فحين يتسلط قادة وفاسدون مفسدون، وأناس ذوو أنفس مريضة، وأهداف قميئة، وأغراض بغيضة، وسرائر سيئة وبواطن تتفاعل فيها فتن خبيثة خبيئة..

 



إن مناعة المجتمعات ضد الفساد والإفساد والمستثمرين فيهما والساكتين عليهما تحتل، أو ينبغي أن تحتلَّ، المَرتبة الأولى من الاهتمام، اهتمام العقلاء والعلماء والعارفين والمؤمنين والمصلحين وأهل الانتماء والحكمة من المفكرين، واهتمام الساسة والمؤسسات المعنية بالسلامة الاجتماعية والأخلاقية والوطنية، واهتمام الأفراد والأسر والمجتمع. وإنه لمِن المؤكد أن هذا واجب السياسات والسلطات والمؤسسات المعنية بالدرجة الأولى حيث الرأس الذي لا ينبغي أن يكون موطن الفساد ومصدر الإفساد.

وأنه إذا كانت التربية البيتية والمدرسية والاجتماعية السليمة في هذا المجال وسواه، وهي من صمامات الأمان الاجتماعي، مُضنية ومُكلفة وتحتاج إلى مناهج واضحة وسليمة وحكيمة، وإلى جهود متواصلة وضوابط صارمة وحزم وعزم وتَتَبُّع عبر زمن طويل يطول، فإنها تبقى أجدى وأقل تكلفة، مهمات كلّفت، من معالجة فساد سياسي واجتماعي يستفحل وينخر الأنفس والبنى الاجتماعية والوطنية والإعلامية والثقافية والقيمية والأخلاقية كافة، فإصلاح الفاسد الخَرِب قد يكون مكلفاً جداً وشبه مستحيل، وفي بقاء الفاسد الخرب والمُفسِد المُخرِّب وحمايتهما نموٌّ وقوة للمفسدين وتدمير للمجتمع وإضعاف الدولة وتهدد للبيئة، وبذلك ينتشر هذا الوباء ويتكاثر بدوره وينشر أوبئة تحول دون القدرة على القضاء على الأوبئة.. وهذا من أكثر منغِّصات العيش ومهلكات الأمم.

وإن لنا في مجتمعات أنهكَها الفساد وفي أمم خلت من قبلنا هلكت بسببه، وفي كثير من أوجه الحياة من حولنا عِظاتٌ ودروس وعِبَر، فحين يتسلط قادة وفاسدون مفسدون، وأناس ذوو أنفس مريضة، وأهداف قميئة، وأغراض بغيضة، وسرائر سيئة وبواطن تتفاعل فيها فتن خبيثة خبيئة.. 

حين يتسلط هذا النوع من البشر على الأوطان والناس ولا يجدون ما/ ومن يردعهم.. فإنهم يتطاولون على العدل والعادل، ويصادرون حقوق الأفراد والمجتمعات، ويحتكرون سلطة الدولة وقوتها، ويضعون أنفسهم فوق القوانين، ويخلقون بيئة فاسدة مفسدة.. 

وفي هذه البيئة تستثمر شخصيات وفئات وطبقات وأجهزة وجهات داخلية وأجنبية في كل ما يشقي الآخرين ويميت فيهم حب الحياة. وحين يضاف إلى ذلك ارتفاع السِّفلَة والأوغاد أو رفعهم بالتسلط والتسليط والمال والإعلام على الفضلاء والأبرياء والقادرين والأَكْفاء والأنقاء، فإنهم يتعاونون ويتبادلون المنافع ويعتلون رقاب العباد، ويذلون الشرفاء، ويعبثون بالمقدس إلى حدِّ تدنيسه، ويتحكَّمون بكل شيئ في أي بلد وأي شعب يُبْتلى بهم.. فهم يحكمون ويتحكمون ويجرّون على الناس ما لا طاقة لهم به وما لا قدرة لهم على احتماله ولا على التخلّص منه.. فيعاني مَن يعاني، ويشقى مَن يشقى، ويهلك مَن يهلك، شأنُ الدول والمجتمعات والأفراد في هذا شأن مَن هَلك من قبل. 

وبقيت لنا منهم عِظَات وعِبر ودروس لِمَن يتعظُ ويعتبر ولمن يقرأ دروس التاريخ وتاريخ الأمم ويتبصر.. ولكن.. يا للكِبْر، ويا للناس، ويا للتوحش البشري، ويا للفاسدين المفسدين من الناس.. فكلما رأوا ما يذكِّرُهم ويعظهم ويحمل ما يردعهم أغضوا وغَضّوا الطرف وتناسَوا أو نَسوا، فأصابهم ما أصابهم وتجد مُصابهم والمُصاب فيهم وتمدد، وتفاقمت المآسي والمعاناة، وحق عليهم القول الكريم بدخول الداء إليهم من أكابرهم وممّن يسكتون على جرثوم الداء الماثل في أصاغرهم، وفي مَن يستثمرون في ذلك حين تفسد أنفسهم، فيسببون الهلاك الأعم ولا نجاة لهم من مصير محتوم.. ذاك الذي ذكره سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: ﴿ وَإِذا أَرَدنا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنا مُترَفيها فَفَسَقوا فيها فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرناها تَدميرًا ﴿١٦﴾ ـ سورة الإسراء.  صدق الله العظيم.