قضايا وآراء

ترامب يفخخ سياسة بايدن تجاه إيران

1300x600

بعد تنفيذ وعده الانتخابي بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) مع إيران يوم الثامن من أيار/ مايو 2018، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة فرض العقوبات المرفوعة على إيران بموجب الاتفاق، وفرض عقوبات جديدة، لتصبح إجراءات الحظر هي الأشد والأقسى بالمقارنة مع ما فرض على إيران خلال الفترة التي سبقت التوصل إلى الاتفاق النووي، لدرجة توصف معها العقوبات بأنها غير مسبوقة في التاريخ، وهي في الأساس حصار شامل وحرب اقتصادية، الأشد وطأة مما تعرض له العراق في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان بإمكانه تصدير النفط مقابل استيراد الغذاء وفقا لبرنامج أممي، إلا أن هذه الإمكانية ليست قائمة اليوم مع إيران وهي لا يمكنها تصدير قطرة واحدة من النفط بشكل رسمي. 

 

تشديد العقوبات

غير أن ما يلفت النظر في الآونة الأخيرة التي يخوض فيها ترامب معركة انتخابية صعبة لتقليص الفارق بينه وبين منافسه الديمقراطي جو بايدن، هو أنه لا تكاد يمر يوم إلا وإدارته تقوم بفرض عقوبات جديدة على إيران، أهمهما تلك التي استهدفت ثلاثة قطاعات اقتصادية هامة، أي القطاع المالي والقطاع النفطي وقطاع البتروكيمياويات. كان آخرها حتى اللحظة ما فرضته واشنطن يوم الخميس ضد ثماني شركات بتروكيماوية وأشخاص مرتبطين بتجارة البتروكيماويات التي تشكل مصدرا مهما للنقد الأجنبي في إيران. 

لعل العناوين الكبيرة "الضخمة" لهذه العقوبات تقود مراقبين إلى أخطاء في تحليلها ودلالاتها، حيث قد لا يعلم كل من يسمع الأنباء عن فرض العقوبات الجديدة أن القطاعات التي شملتها هي محظورة من قبل وتعرضت للعقوبات، فعلى سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية حظرا تاما على النفط الإيراني وتصديره والاستثمار فيه اعتبارا من الثاني من أيار/ مايو 2019، وفضلا عن حظر النظام المصرفي الإيراني خلال العام 2018. 

السلوك الذي تتبعه واشنطن هذه الأيام في موضوع العقوبات ضد إيران أنه بعد استنفاد ما في جعبتها من حظر كلي وشامل على جميع القطاعات الاقتصادية الإيرانية، بدأت تلجأ إلى تجزئتها ضد كل كيان وشخص مرتبط بهذه القطاعات، بعضها شملتها العقوبات أكثر من مرة. وإذا استمر الأمر على هذا المنوال فإنه يمكن توقع أنها ستدرج الإيرانيين فردا فردا على القائمة السوداء خلال الفترة المقبلة، وذلك لأنه لم تبق عقوبات إلا وفرضتها الإدارة الأمريكية، كما يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي، رابرت أوبراين قبل عشرة أيام، مضيفا أنه "لم يبق عمل كثير أمامنا لنقوم به" في هذا المجال. 

 

السلوك الذي تتبعه واشنطن هذه الأيام في موضوع العقوبات ضد إيران أنه بعد استنفاد ما في جعبتها من حظر كلي وشامل على جميع القطاعات الاقتصادية الإيرانية، بدأت تلجأ إلى تجزئتها ضد كل كيان وشخص مرتبط بهذه القطاعات، بعضها شملتها العقوبات أكثر من مرة.

 



رغم ما سبق ذكره، فالجديد في العقوبات الأمريكية أنها تدرج شركات مستقرة في دول أخرى، تحديدا في الإمارات والصين وبريطانيا وسنغافورة، ساندت إيران على تجاوز العقوبات خلال العامين الماضيين، في تدبير لاستهداف المنافذ التي تستخدمها الحكومة الإيرانية للإفلات من قبضة الحظر الأمريكي المتشدد. وتأتي الخطوة بعد نجاح إيران في تصدير كمية كبيرة وغير مسبوقة من النفط منذ حظره الشامل، خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، والتي قدرتها شركات تتبع مسار ناقلات النفط، في مقدمتها شركة "تانكر تراكرز"، بين 400 ألف إلى 1.5 مليون برميل يوميا من الخام والمكثفات، ما يظهر فشلا لسياسة الإدارة الأمريكية في تصفير الصادرات الفنطية الإيرانية.

 

لا تأثير له على الانتخابات الأمريكية


لكن السلوك الأمريكي الجديد في موضوع العقوبات على إيران وإعادة تدويرها لا يأتي من فراغ ومن دون أهداف، وهي على الأغلب غير مرتبطة بالانتخابات الأمريكية ومحاولة ترامب تسجيل نقاط على حساب غريمه، كما جاءت في تعليقات الحكومة الإيرانية، لأن من يراقب تفاصيل المشهد الانتخابي الأمريكي يرى أن الملف الإيراني بما فيه العقوبات لم يعد له تأثير يذكر على المشهد والناخب الأمريكي تهمه بالدرجة الأولى السياسة الداخلية وليست السياسة الخارجية. وفي السياق لا يخفى أن أهم ملف خارجي يمكن أن يترك أثرا ويندفع نحوه ترامب هذه الأيام، هو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وذلك بغية اجتذاب أصوات الإنجليين المسيحيين. 

أما الهدف الأساسي فهو سعي ترامب ولوبيات خارجية مقربة منه، في مقدمتها اللوبي الإسرائيلي لتفخيخ مرحلة ما بعده تجاه إيران، مدفوعا بمخاوف هذه الأطراف من احتمال فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية، وما قد يتبعه من تراجع استراتيجية الضغط الأقصى تجاه طهران. وعليه فيبدو أن ثمة توجها لدى الإدارة الأمريكية الحالية لتكثيف العقوبات بموجب سلطات "مكافحة الإرهاب" بغية تحصين هذه الاستراتيجية من أي محاولة للتخلص من العقوبات في حال فوز بايدن، وجعل العقوبات لا رجعة فيها في هذه الحالة.

إلا أن هذه السياسة لا يبدو أنها مرفوضة من بايدن، لكونها تمنحه المزيد من الأوراق وتخلق له أعذارا وذرائع، ولذلك على فإنه على الأغلب سعيد بها لاستخدامها بغية الحصول على ما أخفق ترامب فيه.

 

وأخيرا فإنه في حال فاز المرشح الديمقراطي، فإن من المتوقع أن يبقى جوهر السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران من دون تغيير مع تبدل في المفردات والأدبيات، لذلك فإن بايدن على الأغلب سيحاول توظيف ما فعله ترامب بشكل آخر للوصول إلى اتفاق شامل وفق الشروط الأمريكية، أنشده الرئيس الحالي لكنه أخفق فيه.