كتب

أزمة النظام الدولي أحادي القطبية.. قراءة نقدية (2من2)

كيف هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية على العالم وأعادت صياغته؟ كتاب يجيب (عربي21)

الكتاب: إعادة النظر في النظام الدولي الجديد
الكاتب: يورغ سورنسن، ترجمة أسامة الغزولي
الناشر: سلسلة عالم المعرفة، يصدرها المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب في الكويت، العدد480، يناير 2020،(عدد الصفحات 335، من القطع المتوسط).


على الرغم من استقرار النظام العالمي الجديد على الريادة الأمريكية وسيادة اقتصاد السوق، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود حركية اقتصادية دولية لإعادة النظر ليس فقط في الريادة الأمريكية، وإنما في الخارطة الدولية بشكل عام.

كتاب "غعادة النظر في النظام الدولي الجديد"، وهي من إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، وهو في الأصل للكاتب الدنماركي "يورغ سورنسن"، وقام بترجمته أسامة الغزولي، يعمل على تفكيك مقومات النظام العالمي الجديد ورهانات إعادة تشكيله في ظل استمرار الهيمنة الأمريكية.

وقد سبق لـ "عربي21"، أن نشرت قراءة أولى للكتاب بقلم الكاتبة والباحثة الأردنية عبير فؤاد، وننشر اليوم الجزء الثاني والأخير من وجهة نظر جديدة لذات الكتاب بقلم الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني، تعميقا للحوار أولا، ولفهم أكثر شمولا لتوجهات العالم اليوم.


هل تراجعت الحرب بين الدول؟

هناك وجهةَ النظر القائلة بأن الحرب بين الدول تتراجع أهميتها على نحوٍ ملموس في السياسات الدولية. وبالنسبة إلى الواقعيين يظل تاريخ السياسات الدولية هو تاريخَ الحروب، وتتصل أطروحتهم بوجود الفوضى في المشهد الدولي. فالنظام الدولي هو نظام يضم وحدات سياسية مستقلة، هي الدول ذات السيادة. لا وجود لسلطة مركزية تعلو على الدولة، ولا وجود لحكومة متجاوزة لكل حد؛ وبذلك المعنى يكون النظام فوضويا. وبسبب الفوضى تكون الحرب إمكانية واردة دوماً والسِّلم موقوتاً بالضرورة.

كانت الحرب الباردة استراحة مُؤقَّتة من هذا الخطر الواضح والماثل. وإبان تلك الفترة كان هناك ضبط أو نظام يُعتدُّ به، اتسمت فيه الشؤون الدولية بقدر من المعقولية والاستقرار. قامت مجابهة بين قوتين عظميين، يساند كلاً منهما حلفاؤها؛ والقوتان المسلحتان بترسانتين نوويتين كانتا، تقريباً، متساويتين من حيث القوة العسكرية، ومهمومتين باحتمالات الدمار المتبادل المؤكد، ما جعل الجانبين يحرصان على تجنب المسّ بالتوازنات الحرجة على نحو يتجاوز الحد.فالاستقرار الذي كان قائمًا في ظل النظام ثنائية القطبية أخلى مكانه لحالة من عدم الاستقرار متعددة الأطراف، من النوع الذي أفضى إلى حربين عالميتين في أوروبا؛ عاد انعدام الاستقرار وعاد الاضطراب وخطر الحرب.
 
يقول الباحث يورغ سونسن: "يزعم البعض أيضاً أن المشكلة أكبر كثيراً من مجرد تحول في إعادة توزيع القوة بين الدول. والسياسات الدولية في الحقبة الجديدة يُنْظَر إليها باعتبارها حقبة اضطراب وأخطار وتأزم وعلامات استفهام ... وانطلاقاً من موقف معاكس لهذه الرؤى، سوف نذهب إلى القول  أن السياسات الدولية تشهد تحولات مهمة. وليس من الضروري أن تصبح الفوضى شرطاً لحرب وشيكة بين قوى متعادية، إذ يمكن أن تصبح أيضا شرطا لتعاون وثيق بين أصدقاء. وخطر الحرب الوشيكة ليس بالشيء الذي قد يظهر في كل مكان: إنه مشروط بشروط معينة من العداء الناشب بين دول ذات سيادة، وهذه الشروط المعينة تتراجع بدرجة كبيرة. وقد تكون المسألة أن المتمتعين بالسيادة في وقت مضى لم يكونوا يفكرون إلا في شيء واحد: أن تَقْتُلَ أو تُقْتَل (Hobbes 1946:101). لكن المسؤولين في الدول ذات السيادة اليوم مشغولون بكثير من الأمور المختلفة الموضوعة على الأجندة؛ فالخطر القاتل الخارجي المصدر لم يعد حتى بين أول الاهتمامات لديهم"(ص99 من الكتاب).

والنتيجة الملموسة التي ترتبت عن هذا التحول هي أن الحرب بين الدول ذات السيادة يتراجع خطرها، أكثر فأكثر، هذا في العالم الغربي. لكن أحداث 11 أيلول / سبتمبر2001 فتحت حقبة جديدة في التاريخ المعاصر ، لجهة تجسيد القطيعة الواضحة مع المرحلة التي أعقبت سقوط جدار برلين و انهيار الاتحاد السوفياتي ، التي شهدت ازدهار العولمة الليبرالية ,و هي تمجيد النظام الديمقراطي والاحتفال بدولة القانون, وتعظيم حقوق الإنسان ، حيث اعتبر هذا الثالوث الحديث على صعيد السياسيتين الداخلية و الخارجية بمنزلة أمر واجب يشار إليه باستمرار .

فباسم "الحرب العادلة" ضد الإرهاب، فرضت الإمبراطورية الأمريكية أينما كانت في العالم رؤيتها الأحادية ومصالحها وتجارتها، وعقدت تحالفات مع العديد من الحكام المستبدين، لم يكن من اللائق التعاطي معهم. الجنرال الانقلابي برويز مشرف في باكستان أو الديكتاتور الأوزبكي إسلام كريموف، وشجعت الأنظمة العسكرية، وجعلتها تحت إشرافها لقهر الشعوب، وتشتيتها، كما سمحت باسم الحرب ضد الإرهاب بالقضاء على المعارضة السياسية والنقابية وحتى تجريمها .

 واستقوت إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش الإبن ـ بالمتطرفين النيو ـ إمبرياليين الملقبين بالصقور في الادارة الأمريكية من مؤيدي "الليكود" والمتطرفين الصهاينة لممارسة الضغوطات على باقي الأعضاء الدائمي العضوية في مجلس الأمن من أجل الحصول على تفويض من الأمم المتحدة لشن حرب الولايات المتحدة الأمريكية القذرة على العراق في سنة 2003، بوصفها الهدف الاستراتيجي الذي عمل من أجله صقور الإدارة الأمريكية السابقة، الذين كانوا يهدفون إلى تحقيق طموحاتهم النيو كولونيالية لجهة تغيير ملامح المنطقة العربية عبر القوة العسكرية، وترجيح ميزان القوى في الشرق الأوسط وجعله يميل نهائيا لكفة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني .

فقد رأت الولايات المتحدة قائدة النظام الدولي الجديد أحادي القطبية، في الحرب على الإرهاب والتطرف الإسلامي والعربي فرصة لا سابقة لها للتخلص من نظام الرئيس صدام حسين وإعادة رسم خريطة الوطن العربي وصياغة علاقات جديدة مع أنظمة المنطقة. وهي الأهداف التي باتت تعرف بـ "الامبريالية الديمقراطية"، وذلك لطرح فكرة استخدام القوة العسكرية الأمريكية للقضاء على الأنظمة العربية التي تعاني من الضعف والهوان ـ بدءا ببغداد ـ كمقدمة لإدخال الديمقراطية وإصلاحات "غربية" أخرى إلى الوطن العربي، هي في حقيقتها التاريخية والسياسية شكل من الإستعمار الأمريكي الجديد للمنطقة العربية.

مراكز القوة في النظام الدولي الجديد 

فأين مكمن القوة في النظام الدولي، وما تأثيرها الحالي في الترتيبات الدولية، في ظل الشروط الدولية والمحلية الحالية؟ هذه مسائل جوهرية يدور حولها الجدل، وقليلاً ما يقع الاتفاق بشأنها. فالقوة تحتل موقعاً مركزياً بين اهتمامات المعنيِّين بالشؤون الدولية. وحيث إن ذلك لم يفْضِ إلى إجماع، أياً كان شكله، بخصوص طبيعة القوة وتوزيعاتها الحالية بين اللاعبين، فأفضل ما يمكن عمله هو رسم صورة تقريبية للمواقف الرئيسة وطرح رؤى التحليل الراهن على هذا الأساس. يميل الواقعيون إلى إبراز تركيز القوى المادية في قبضة الدول القوية؛ ويميل الليبراليون إلى تبيان توزيع عديد من أشكال متنوعة من القوة بين كثرة من اللاعبين. وينطوي الموقفان على قدر من التبصر وقدر من النقائص.

 يقول الباحث يورغ سونسن: "وعلى هذا الأساس سوف أطرح وجهة نظري.القوة، وفقاً للتمييز الأكثر شيوعاً، هي ما يتيح لأحد اللاعبين (أ) أن يجعل لاعباً آخر (ب) يفعل شيئاً لم يكن ليفعله لولا ذلك. وهذه هي القوة في حال الفعل: عند نشوب صراع بين لاعبين ينتصر الأكثر قوة. ومن الواضح أن القوة قد تفعل فعلها حتى عندما لا يكون الصراع الواضح وارداً. فاللاعب المتحكم في الأجندة قد يحُول، تماما، دون طرح مسائل معينة على الطاولة. وهذا شكل من القوة البنيوية: القدرة على تقرير القواعد التي يعمل الآخرون وفقاً لها. وغالباً ما تمضي القوة البنيوية حتى إلى ما هو أبعد من ذلك، لأنها تعمل حتى في غياب صراع معترف به: فاللاعبون الأقوياء قادرون على تحديد الأجندات وصوغ بُنى التفاعل مع من هم أقل قوة؛ وهذا ما يدعوه ستيفن لوكس بالسيطرة (ص124 من الكتاب)..

يقوم التحليل الواقعي على افتراض أن النظام الدولي يتألف من دول ذات سيادة. والدول تسيطر على أدوات العنف؛ فهي تحدد قواعد اللعبة لجميع اللاعبين الآخرين وبينهم الشركات والأفراد والمنظمات. والنظام الدولي الجديد أحادي القطبية تسوده الفوضى ،والفوضى تعني انعدام الأمن. لا يسع الدول أن يثق بعضها بنيَّات البعض الآخر. ولكي تدافع الدول عن نفسها فهي في حاجة إلى القوة، وبخاصة القوةُ العسكرية، لكنها تحتاج أيضاً إلى الحجم (السكان والإقليم)، إضافة إلى القدرات الاقتصادية والتكنولوجية وغيرها.

وهذا هو التفكير الذي يحكم الرؤية التي تعطي الأولوية للدولة ذات السيادة، وتركز على القدرات المادية باعتبارها المصدر الرئيس لقوة الدولة. الدول هي الوحدات الأساسية التي يتألف منها النظام الدولي. وللقوة العسكرية للدول أهمية خاصة لأنها هي ما تلجأ الدولة إلى استخدامه حال نشوب صراع عنيف، لكن القوة العسكرية لا بد لها من موارد قوة مادية أخرى أيضا، من بينها القدرة الاقتصادية. ووفقاً لهذه الرؤية تكون القوة المقتدرة هي دولة لديها قدرة صناعية وعسكرية يُعتد بها.

إعادة النظر في النظام الدولي الجديد

في مناقشته للفصل الأخير من الكتاب، يطرح الباحث يورغ سورنسن، الانقسام الحاصل بين المتفائلين الليبراليين والمتشائمين الواقعيين بشأن المناظرة الدائرة حول إعادة  النظر في النظام الدولي الجديد. فبالنسبة إلى الليبراليين يبدو المستقبل مشرقاً: إذ يبدو أن القيم الليبرالية السياسية والاقتصادية تتصاعد سيطرتها، وهذا يمهد لعالم متعاون على أساس من القيم والطموحات المشتركة. وبالنسبة إلى الواقعيين تبدو الفوضى ملمحاً رئيساً من ملامح النظام العالمي؛ وفي إطار تعدُّد القوى الصاعدة يبدو الأمر منذرا بتصاعد الصراع والتنافس، بل منذراً بحرب بين الدول. 

الأول؛ تقدم هذه المواقف إسهامات عديدة في المناظرة، لكن الموقفين الليبرالي والواقعي هما اللذان يحدِّدان الموضوع الرئيس للمناظرة حول النظام الدولي.

فمن يفوز في هذه المناظرة، إذن، إن كان لأحد أن يفوز؟ لا بد أن نبدأ بالإشارة إلى أن هذه ليست مجرد مباراة في كرة القدم يمكننا أن نحصي الأهداف ونحدد الفائز فيها. فكل منظور من هذين المنظورين يلقي بقدر من الضوء على بعض جوانب الواقع المعقد، تاركاً جوانب أخرى في الظلام؛ وهكذا يرسم الليبراليون صورة أكثر تفاؤلاً للنظام الحالي، في حين يبدو الواقعيون أكثر تشاؤماً بكثير. وفي وسعنا أن نجد دائماً ما يؤيد هذه النظرة أو تلك للنظام الدولي؛ ومن المفيد أن نوجز التصورين الليبرالي والواقعي لما يجري.

 

إن التوتاليتارية الليبرالية الجديدة تسعى إلى السيطرة على العالم لخدمة أهداف الإمبراطورية الأمريكية وليس إلى الحرية، وإلى اغتيال الديمقراطية الفتية في العالم الثالث. وتحاول الإمبراطورية الأمريكية تكييف النظام الدولي الجديد وفق مصالحها، وإعادةالعالم المتمدن إلى الفاشية والبربرية وشريعة القوة العارية .

 



يقول الباحث يورغ سورنسن: يبدأ السيناريو الليبرالي بإشارة إلى تحولات كثيرة في اتجاه ليبرالي: وقع تقدم هائل باتجاه الليبرالية بما يعني أن عدد البلدان الديموقراطية ارتفع عما كان قبل ذلك، كما ارتفعت أعداد الناس الذين يعيشون في ظل نظام ديموقراطي. وحقيقةُ أن جميع البلدان، تقريبا، تؤيد اقتصاد سوق رأسمالية وانفتاحا اقتصاديا تعني تغيرا مهما باتجاه التلاقي في المجال الاقتصادي. لم تعد الأجندة التقليدية للأمن تقف وحدها؛ معها الآن الأمن الإنساني بما له من أهمية. والأمن الإنساني هو حماية حياة جميع الأفراد والجماعات من أخطار تؤثر فيهم بالفعل. وهو بهذا المعنى يتضمن التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والتحول إلى الديموقراطية والحماية البيئية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وأمورا أخرى. 

ويُبرز السيناريو الواقعي حقيقة أننا سبق لتاريخنا أن مر بفترات اعتماد متبادل وتعاون ما لبثت أن انتهت إلى تنافس وصراع في عالم فوضوي مؤلَّف من دول مستقلة. ونحن نمضي إلى الوجهة ذاتها، في الوقت الحالي. والقوى الناشئة التي تزايد بأسُها تسعى وراء زيادة نفوذها في أقاليمها؛ والأرجح أن هذا سوف يُفضي إلى تصاعد حدة التنافس والمجابهة بين الغرب وكل من روسيا والصين. ولن تكون هناك مواجهة فعالة لمشكلة الدول الهشة لاتصالها بمصالح وطنية مختلفة، ولأن الظروف الداخلية في تلك الدول الهشة غير مواتية بالمرة، وتشهد بذلك الأوضاع في سورية أو جمهورية أفريقيا الوسطى أو جنوب السودان. وفوق ذلك قد تُفضي المشكلات المتصلة بتحولات المناخ إلى سيناريو كارثي، لأن الدول ليس في وسعها الاتفاق، قبل فوات الأوان، على إصلاحات غير معتادة"(ص279 من الكتاب).
 
أيُّ السيناريوهين سيُكتَب له التحقق؟ لم يفُز في المناظرة، حول النظام الدولي، الليبراليون المتفائلون ولا الواقعيون المتشائمون. لكن وجهتي النظر هاتين تحتويان، كلتاهما، على تبصر لا غنى عنه. فالليبراليون محقون في تأكيدهم أننا نعيش اليوم في نظام ليبرالي، من حيث الشروط الأساسية: فجميع البلدان، تقريباً، منخرطة في اقتصاد سوق رأسمالية عالمية؛ وهي تتعاون في شبكة المؤسسات الدولية؛ وقد كوَّنت العناصر الرئيسة لنظام أمني؛ وهي تتشارك ـ على الأقل ـ في بعض القيم الليبرالية الأساسية. والواقعيون محقِّون في تأكيد أن الحرص على الاستقلال يفوق اليوم، من حيث الأهمية، الاعتمادَ المتبادل، وأن البلدان تقدِّم مصالحها الوطنية الضيقة على المصالح المشتركة، وأن الاندماج في اقتصادعالمي ينطوي على قدر لا يمكن إغفاله من التوترات والتباينات، وأن النظام الأمني مثقل بالمشكلات وغير مستقر.

ويقترح هذا الكتاب أن يشمل التحليل عددا كبيرا من الشروط والعمليات، إذا كنا نبحث عن تقييم متأنٍ ومتوازن للنظام الدولي الحالي. وقد وقع تفحُّص الظروف الداخلية للدول أولا. وركزنا على ثلاثة أنماط من الدول: الدول الرأسمالية المتقدمة في شمال العالم؛ والدول على طريق التحديث، وبخاصة الصين وغيرها من دول البريكس؛ والدول الضعيفة في جنوب العالم. وبالنسبة إلى جميع الدول انتهى التحليل إلى تزايد الهشاشة وتراجع التماسك الاجتماعي ـ السياسي. 

غير أن الكاتب لا يتعمق في تحليل بنية النظام الدولي الجديد، الذي هو نظام أمريكي بامتياز، إذ فرضت الولايات المتحدة هيمنتها على النظام العالمي منذ سقوط النظام ثنائية القطبية، وعملت على بناء نظام بوليسي عالمي وسلطة توتاليتارية كونية لامنظورة يخدمان  المنطق التوتاليتاري والطبيعة التوتاليتارية لليبرالية الجديدة في السعي إلى التعبئة الإيديولوجية ضد الدول الوطنية في منطقة الشرق الأوسط.

وأمراض هذه السلطة التوتاليتارية أمراض أمريكية بامتياز، نشير في هذا الصدد إلى ظاهرات أساسية :

1 ـ انتهاك القانون الدولي بشكل فاضح وسافر، وتهميش الأمم المتحدة، وتحديد الولايات المتحدة وحدها معايير الحياة السياسية الدولية باسم "تفوق أخلاقي" مزعوم ومن أجل فرض قانون الإمبراطورية الأمريكية الفاشي على عالم اليوم، الذي يخدم أهدافها ومصالحها الإستراتيجية، متجاهلة بصورة متعمدة أن العالم هذا الذي نعيش فيه شبع من حكم الإمبراطوريات الإستعمارية التعسفية .

2 ـ الصهيونية في ادارة الرئيس ترامب، من خلال الدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة لدولة الكيان الصهيوني وهو ليس دعما لدولة أجنبية، بل هو دعم لدولة لا تعدو كونها مظهرا من مظاهر الفاشية الأمريكية، وقاعدة عسكرية استيطانية للإمبريالية الأمريكية في قلب الوطن العربي.

3 ـ العدوانية السافرة، واستخدام القوة العسكرية وسيلة لدفع شبح الأزمة الرأسمالية العالمية التي تنذر بالانفجار، بعد الأزمات التي عرفتها في سنة 2008، والأزمة الحالية خلال جائحة كورونا، والتي  أفصحت عن العديد من مساوئ و إخفاقات النظام الرأسمالي الأمريكي ، الذي كان ينظر إليه بعضهم باعتباره " النموذج " الذي يجب أن يحتذى به في البلدان التي تأخذ بنظام " اقتصاد السوق ".

أخيرا، إن العدوانية العسكرية المنفلتة من عقالها، والفاشية التي تمارسها الإمبراطورية الأمريكية ضد الأمم و الشعوب والدول التي تبدي نزوعا إلى الاستقلال الوطني والتنمية المستقلة، أو فك الروابط مع الامبريالية والخروج من منطق العولمة الرأسمالية المتوحشة، تعكس درجة التوحش والفاشية والتوتاليتارية التي بلغتها هذه الليبرالية الجديدة التي تبناها اليمين الامريكي المتطرف. إن التوتاليتارية الليبرالية الجديدة تسعى إلى السيطرة على العالم لخدمة أهداف الإمبراطورية الأمريكية وليس إلى الحرية، وإلى اغتيال الديمقراطية الفتية في العالم الثالث. وتحاول الإمبراطورية الأمريكية تكييف النظام الدولي الجديد وفق مصالحها، وإعادةالعالم المتمدن إلى الفاشية والبربرية وشريعة القوة العارية . 

 

إقرأ أيضا: أزمة النظام الدولي أحادي القطبية.. قراءة نقدية (1من2)