كتاب عربي 21

تسويغ الاحتلال الأرميني لأراضي أذربيجان

1300x600

يحتدم الصدام بين أذربيجان وأرمينيا بشكل غير مسبوق اليوم على خلفية احتلال يريفان منذ حوالي ٣٠ عاماً أراضي أذربيجانية تقدّر مساحتها بحوالي خُمس مساحة البلاد. وبينما يركّز كثيرون على المعركة العسكرية على الأرض، يخوض الطرفان معارك موازية في ساحات أخرى من بينها الساحة الإعلامية على سبيل المثال. ففي الوقت الذي تتقدّم فيه باكو عسكرياً، تحاول يريفان أن تحقق بعض المكاسب على مستوى السرديات. 

ووفقاً للقانون الدولي، فإنّ أرمينيا دولة محتلة طالبها مجلس الأمن بالانسحاب الفوري من المناطق التي احتلتها في بداية التسعينيات من القرن الماضي أربع مرّات عل الأقل فضلاً عن قرارات الجمعية العامة. ويعترف المجتمع الدولي بما في ذلك الدول التي تدعم أرمينيا تقليدياً بأنّ الأراضي التي تسيطر عليها يريفان هي أراضٍ أذربيجانية. وبالرغم من ذلك، فإنّ هناك محاولات لتغييب هذا الأمر.

وبمتابعة التغطية التلفزيونية لعديد من القنوات الغربية المعروفة كـ "سي أن أن"، و"فرانس ٢٤"، و"دي بليو" الألمانية وغيرها من القنوات، يمكن للمتابع أن يُلاحظ أنّ هناك تجاهلاً متعمّداً لذكر حقيقة واحدة وهي أنّ أرمينيا دولة محتلة أو أنّ هناك أراضي أذربيجانية تحتلها أرمينيا. نفس الشيء ينطبق على التقارير الصحفية الغربية بما في ذلك صحف شهيرة مثل نيويورك تايمز. كل هذه المصادر لم تذكر بتاتاً كلمة "احتلال" في تقاريرها خلال الأسبوعين الماضيين وذلك لسبب بسيط جداً وهو أنّ تقديم هذه الحقيقة للمشاهد أو القارئ ينسف كل ما يمكن أن يتمّ تقديمه له لاحقاً لتبرير الموقف الأرميني.

لم يتم الاكتفاء بتغييب حقيقة وجود احتلال، وإنما تمّت إشاحة النظر عن ذلك أيضاً من خلال خلق روايات مغلوطة أو بث إشاعات لتكون بمثابة قنبلة دخانية لإخفاء الواقع. من أبرز هذه السرديات على سبيل المثال، السرديّة المتعلّقة باستعانة أذربيجان بمقاتلين سوريين. وبغض النظر عن النفي الأذربيجاني والتركي لهذا الموضوع، فإنه لم يتم تقديم دليل قاطع حتى الآن على المزاعم التي تمّ ترويجها بهذا الشأن. في المقابل، يوجد مقاطع فيديو تؤكّد استعانة أرمينيا بمقاتلين أجانب لاسيما من لبنان وسوريا بالإضافة إلى بعض المقاتلين الأكراد اليزيديين وأولئك المنتمين إلى حزب العمّال الكردستاني، ويجري تجاهلها بشكل تام ما يدفع إلى التساؤل عن المعايير المزدوجة المتّبعة في هذا الإطار.

 

وفقاً للقانون الدولي، فانّ أرمينيا دولة محتلة طالبها مجلس الأمن بالانسحاب الفوري من المناطق التي احتلتها في بداية التسعينيات من القرن الماضي أربع مرّات عل الأقل فضلاً عن قرارات الجمعية العامة.

 



يتم التركيز مؤخراً على أنّ تركيا تزوّد أذربيجان بالسلاح. وبالرغم من أنّ هذا الأمر صحيح، إلاّ أنّ الرسالة التي يراد إيصالها هي أنّ أنقرة تؤجّج الصراع في المنطقة وأنّها تتحمّل مسؤولية التصعيد ومسؤولية خسارة أرمينيا للمعركة. وفي هذا السياق، أشار تقرير لرويترز نُشر قبل أيّام إلى أنّ أذربيجان اشترت ما قيمته ٧٧ مليون دولار من الأسلحة التركية قبل شهر واحد من اندلاع الاشتباكات. مثل هذه التقارير على سبيل المثال تتجاهل عمداً الإشارة إلى أنّ روسيا وإسرائيل تتبادلان صدارة قائمة الدولة المصدّرة للسلاح إلى أذربيجان. ليس هذا فقط، بل إنّ موسكو تعتبر أكبر مصدّر للأسلحة لأرمينيا أيضاً.
 
أرمينيا وحلفاؤها يحاولون التهرّب من المأزق القانوني من خلال تصوير تركيا بأنّها تقف وراء الأزمة. التصويب باتجاه أنقرة يجذب الأطراف المتخاصمة ويوحد صفوف المحور الداعم لأرمينيا ويوفّر غطاءً مُهمّاً لتمرير الأجندة هناك. ولهذا نجد انّ جل التركيز هو على موقف أنقرة.

روسيا وفرنسا والولايات المتّحدة وإيران وأرمينيا وغيرها من الدول تُطالب بوقف إطلاق النار وتتحدث عن ضرورة تجميد الصراع. وفي الوقت الذي تحاول فيه هذه الدول أن تظهر بمظهر الداعم للسلام والساعي لوقف إراقة الدماء وإيجاد حل للازمة، فإنّ المضمون الحقيقي لموقفها هو تكريس الاحتلال الأرميني للأراضي الأذربيجانية وجعلها بمثابة أمر واقع مع مرور الزمن. 

لذلك، لا أحد يريد أن يتحدث عن وجود احتلال ولا عن ضرورة انسحاب الاحتلال ولا عن حقيقة أنّ إنهاء الأزمة عبر حلٍّ مستدامٍ يضمن الأمن والاستقرار لجميع الأطراف إنما يتطلب إنهاء الاحتلال! هل سيغيّر تجاهل الأمر شيئا؟ ربما نعم. لكن حالياً، وبخلاف ما كان عليه الأمر خلال العقود الماضية، فإنّ ميزان القوى العسكري يميل على ما يبدو إلى صالح أذربيجان. ولذلك، ما لم يكن هناك تدخّل عسكري مباشر من حلفاء أرمينيا لمساعدتها، فإنّ الأمر سينتهي على الأرجح إما بتحرير أذربيجان المزيد من أراضيها وإمّا بقبول أرمينيا دخول مفاوضات تنتهي بانسحابها. 

لتفادي مثل هذا الأمر، تقوم يريفان حالياً بالمناورة بين خيارين، الأوّل محاولة الدفع باتجاه مناقشة استقلال الأراضي التي تنسحب منها ومن بينها نغورنو قره باغ كشرط لوقف المعارك. أمّا الثاني، فهو محاولة توسيع رقعة المعارك من خلال استهداف التجمّعات المدنيّة الكبرى داخل أذربيجان بالإضافة إلى الاهداف الحسّاسة التي تتعلق بالنفط أو الغاز أو الطاقة أو المياه، على أمل أن يؤدي ذلك إلى ردّة فعل أذربيجانية أو تركية تدفع حلفاء أرمينيا إلى التدخل مباشرة في المعركة لإنقاذها. لكن، وحتى هذه اللحظة، لا يبدو أنّ هناك شهيّة لدى هذه الدول للتدخل المباشر نظراً للمصاعب الجمّة التي تعترض طريقها داخلياً وخارجياً.