قضايا وآراء

أسبوع الآلام لمخاض الحكومة في لبنان

1300x600
على وقع أسبوع المشاورات السياسية والاقتصادية وتحريك المياه الراكدة في بورصة أسماء رؤساء الوزراء، والحكومات بأشكالها المتنوعة من السياسية إلى التكنو- سياسية، وصولا إلى حكومة الاختصاصيين الباهتة، مر الأسبوع ووصلنا إلى نقطة الاستشارات التي كانت ستفضي إلى بلوغ الرئيس سعد الحريري العودة إلى السرايا الحكومية بالتكليف فقط، حيث الانتظار المر للوصول إلى التوليفة المناسبة لبلوغ التأليف والخروج بحكومة ترضي اللبنانيين أو الشريحة الأكبر منهم من جهة، وترضي المجتمع الدولي المتناحر في الباطن على الصيغة اللبنانية حكوميا وربما أبعد نحو عقد اجتماعي سياسي اقتصادي جديد.

وما كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببعيد عن عقد جديد بين اللبنانيين، ولا كلام السفيرة الأمريكية السيدة شيا عن المبادرة الفرنسية بأنها تخص الفرنسيين وحدهم، حيث أخطر الأوصاف كان من جان إيف لودريان، ناظر الخارجية الفرنسية، بقوله عن خطر السياسيين اللبنانيين أنفسهم على لبنان، وأن العقلية القائمة قد تؤدي إلى زوال لبنان نفسه عن الخارطة.

صراعات بلا أفق..

لا شك في أن ضبابية المرحلة فرضت مزيدا من التعقيدات على عمليتي التأليف والتكليف في آن واحد، بداية من الصراع الدولي الفرنسي الأمريكي الذي بات يتمظهر رويدا رويدا، حيث العقوبات الأمريكية التي فعلت فعلها إبان مرحلة الرئيس المكلف مصطفى أديب، وعرقلة الاندفاعة الفرنسية ودفع الرئيس ماكرون إلى حد التهديد المبطن للقادة اللبنانيين. وما الفرملة الثانية في التأجيل الحالي للاستشارات إلا رصاصات أصابت المبادرة الفرنسية مرة أخرى، فهل وراء الأكمة ما وراءها؟

أما البعد الإقليمي فلا يخفى على أحد أن الإيراني يشتري الوقت حتى الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر، موعد الانتخابات الأمريكية القادمة، لكي يبني على الشيء مقتضاه في بلورة أرضية جديدة مع الأمريكان في ساحات مختلفة، وعلى رأسها الورقة اللبنانية الأقوى في سلسة أوراق مختلفة يملكها الجانب الإيراني.

وليس بعيدا، فإن السعودي لا زال يرى في إبعاد حزب الله عن الحكومة حاجة، برغم ما أشيع عن موافقة ضمنية وضوء برتقالي للرئيس الحريري، بانتظار القادم في عملية التأليف، حيث ترغب المملكة بصورة حكومة قادرة على لجم نفوذ عدة أطراف لبنانية باتت تقلق حديقتها الخلفية في اليمن وسواها، وتناصبها العداء في المنابر الإعلامية المختلفة.

إما في الداخل المأزوم، فالحديث يطول، بدءا من الصراعات المسيحية- المسيحية، حيث لغة الخطاب النارية التي استعملها رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل نحو حزب القوات اللبنانية ورئيسه، وضمنيا إلى باقي الحلفاء المسيحيين، كذلك الصراع الحاد بين باسيل والحريري في لغة طالت الحريري نفسه بأنه ليس من ضمن الاختصاصيين وليس ناظر المبادرة الفرنسية، أما الأخطر، فكان وصف دستور الطائف بالعفن، وفي ذلك دعوة مبطنة أمام الخائفين على اتفاق الطائف، وفي مقدمتهم الطائفة السنية التي ردت عبر العديد من أقطابها وعلى راسهم الرئيس نجيب ميقاتي، حيث ذكّر بأن الطائف "هو من أوصلكم للحكم".

أما الجديد والخطير في آن، فهو الصدام حول وفد لبنان المفاوض في قضية ترسيم الحدود البحرية والبرية، والذي رسم إشكاليات كبرى في علاقة حزب الله مع العهد، حيث برزت أسئلة حادة حول شكل الوفد وأفراده، وخطورة منحه الصبغة السياسية والبعد التطبيعي في زمن يخشى حزب الله من جر لبنان إلى أماكن باتت تلوي يده، من باب المأساة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، حيث الإحصاءات تدل على كارثة اجتماعية قادمة مع أرقام حزب الفقراء الجدد الذي سيتجاوز 50 في المئة، وأرقام العاطلين عن العمل التي تفوق 48 في المئة، ونسبة نمو بالسالب على حدود 22 في المئة، القائمة تطول.

فهل تدخل إسرائيل من الباب الاقتصادي الاجتماعي عبر الأمريكي للضغط على لبنان المنهك؟ وتاليا هل يرمي الرئيس عون في شكل الوفد وأعضائه لبعث رسالة لبنانية رئاسية للأمريكان؛ وعلى حسب علاقته بالثنائي الشيعي الذي لم يستسغ شكل الوفد وأطلق بيانا عند منتصف الليل ليؤكد أن العدو لا يفهم إلا اللغة العسكرية، وأنه لا بد من أن يكون الوفد بالجمع من أصحاب الباذات المرقطة، أكانوا عسكريون أم وخبراء؟ لا شك في أن في المؤسسة العسكرية من الكفاءات ما يكفي ويزيد.

وهناك أيضا بيان الرئاسة الثانية (رئاسة مجلس النواب) حول تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الوزراء المكلف، حيث قال البيان إن الرئيس بري يرفض التأجيل ولو ليوم واحد، وفي ذلك إشارة واضحة من الرئيس بري أن إجهاض المبادرة الفرنسية تم على يد الرئاسة الأولى (رئاسة الجمهورية) والكتلة النيابية الداعمة لها.

أسئلة لا تنتهي وأيام صعبة


وعليه، ستبدأ الكثير من الأسئلة عن اتفاق الطائف وجدواه ومدى الالتزام به، ضمن ميثاقية فضاضة المفاهيم والتأويلات والتفسيرات. فكل فريق لبناني بات يفسر الطائف وميثاقيته على هواه ومشتهاه، ولذا إننا نرى في المرحلة المقبلة مزيدا من التعقيدات إن لجهة مصرف لبنان والتحقيقات الجنائية المالية، وإن لجهة قرارات الإصلاحات المنتظرة من المجتمع الدولي.

وكذلك، أين فرنسا ومبادرتها المترنحة على مسافة أسبوعين من مهلة الرئيس ماكرون المستحدثة؟ فهل تسقط المبادرة مجددا وتذهب إلى طريق النهاية؟ وما معنى سقوطها وانعكاساتها على لبنان شعبا وقيادة؟ وتاليا، هل من عقوبات جديدة تلوح في الأفق؟ وهل يحتمل لبنان مزيد من العقوبات أمريكية كانت أو فرنسية؟ علما أننا على أبواب ذكرى انتفاضة تشرين السنوية، والتي حتى الساعة لم تنجز أهدافها، بل للأسف أصبحت ورقة يستفيد منها كل اللاعبين على الساحة اللبنانية.

إن الأيام القادمة تتطلب حكمة ودراية من جميع الفاعلين على مدى الوطن سياسيا واقتصاديا، وماليا خاصة مع الإجراءات الجديدة التي تضرب اللبناني في عمق حياته اليومية في شعب أصيل ملّ السياسة والسياسيين والاقتصاد والاقتصاديين، حتى إنه احترف الصبر نفسه ومل منه.