حول العالم

"الكابويرا".. رياضة برازيلية يحترفها مقدسيون (شاهد)

بدأت حكاية شحادة مع هذه الرياضة في عام 2000 حين زار وفد من المدربين البرازيليين مدينة القدس- عربي21

يسابق المقدسي مهند شحادة الزمن من أجل تطوير أكاديميته التي أنشأها في مدينة القدس المحتلة تحت اسم "مينينو بوم"؛ فهي تعبّر عن مقدار الطاقة التي يستطيع أن يبثها داخل العشرات من مرتاديها الذين أحبوا رياضة "الكابويرا" برازيلية الأصل.


وبدأت حكاية شحادة مع هذه الرياضة في عام 2000، حين زار وفد من المدربين البرازيليين مدينة القدس، ثم قاموا بتدريباتهم على الشاطئ في "تل أبيب"، وشوهدت من قبل عدد من الفلسطينيين، وفي حينها كان يبلغ من العمر 12 عاما، وبقيت الرياضة هذه ملتصقة في ذهنه بعد أن تعلّق بتلك الحركات التي أدّوها.


ومع مرور السنوات، ورغم الأوضاع الملتهبة التي شهدتها المدينة في تلك الفترة مع بداية انتفاضة الأقصى، إلا أن شحادة بقي مصرا على أن يتدرب على "الكابويرا"، وبعد بحث طويل تمكن من التدرب عليها وإتقانها، حتى حصل على أعلى حزام لها في فلسطين، وأصبح مدربا بحلول عام 2006.


ويقول لـ "عربي21" إن هذه الرياضة هي أحد فنون الدفاع البرازيلية، وتعتمد على مرونة الجسد ولياقته وقوته بشكل كبير، كما أنها تعتمد على تناغم التدريبات والحركات مع الموسيقى البرازيلية الشهيرة، وهو ما يميزها عن الرياضات الأخرى.


ونشأت هذه الرياضة خلال الحقبة الاستعمارية في أمريكيا اللاتينية، حين كان  السكان الأصليون يُمنعون من ممارسة الفنون القتالية ضد المستعمر، فابتكروا حركات تبدو في ظاهرها رقصات، لكنها في الحقيقة فنون قتالية أشبه بالكاراتيه والتايكواندو والجودو.


ويبين المدرب بأنه واجه صعوبة كبيرة في بداية التدريب في إقناع الأهالي بالسماح لأبنائهم بالتدرب عليها، حيث لم يكونوا يعرفون هذه الرياضة وأسبابها، ولم تكن في منظورهم ذات هدف محدد، ولكن مع مرور الوقت تلاشت هذه التخوفات، وأصبحت الكابويرا رياضة شهيرة يحترفها العديد من المقدسيين.


المساحة لطالما شكلت عائقا أمام مدربي ومتدربي الرياضة، فالكابويرا وحركاتها تحتاج إلى مكان واسع يمارس فيها المتدربون تحركاتهم بأريحية، لكن المدرب مهند نجح في وضع أسس أكاديمية لها، والتي فتحت أبوابها أمام عشرات المنتسبين، والآن وصل عدد المشاركين في الأكاديمية إلى 500 طالب.


أما عن عمر المتقدمين لهذه الرياضة، فيوضح مهند أنه يبدأ من ثلاث سنوات وحتى أي سن، وأن المقدسيين باتوا يرسلون أبناءهم إلى الأكاديمية في أعمار صغيرة؛ من أجل اللياقة البدنية والابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي.


ويتحدث شحادة عن فوائد هذه الرياضة، حيث إنها إلى جانب أثرها على الجسد تساهم في وضع حد للاهتمام اللا معقول للأطفال بالأجهزة الإلكترونية، التي بحسب علماء نفسيين تؤثر على مستويات الذكاء والنطق لديهم، وتنمّي فيهم مسببات الكسل.

 


أما الفائدة الثانية، فخاصة بالمقدسيين، حيث يبرع الاحتلال في خلق وسائل تضييق وتنغيص على حياتهم اليومية، وباعتقال الأطفال والفتية تزداد الحاجة إلى مراكز ومؤسسات توفر أنشطة معينة يفرغ من خلالها المقدسي ما يشعر به من ضغط نفسي أو توتر يحدثه الاعتقال، وما يتبعه من ممارسات تهدف إلى تدمير نفسيتهم.


ويضيف شحادة: "كنا دائما نستقبل أطفالا وفتية من الذين فرض عليهم الاحتلال الحبس المنزلي، وهم كثيرون في المجتمع المقدسي، وتسبب لهم ذلك بالضغط النفسي، ودخول بعضهم في حالات إحباط؛ بسبب التواجد الدائم في المنزل، وعدم وجود مكان لتفريغ الضغط، وبعد انتهاء تلك الفترة كانوا يأتون إلينا، وتساعدهم التدريبات في تفريغ كل ذلك، وتحفزهم نفسيا وجسديا، وتعطيهم القدرة البدنية والعقلية".


المميز في هذه الرياضة أنه لا يوجد من لا يستطيع ممارستها؛ فهي تعتمد على الارتكاز على مهارة معينة في كل شخص، فقد يميل أحدهم إلى التناغم الجسدي مع الموسيقى، وقد يحب آخر فنون الدفاع فيها، وقد يعتمد البعض على قدرتهم البدنية الفائقة أو السرعة أو التركيز، وكلها تساعد في احترافها، والوصول إلى العالمية من خلالها.


ويشير شحادة إلى أن متدربي الأكاديمية تمكنوا من المشاركة في مسابقات وعروض دولية كانت أولها عام 2013، وتمكنوا من الحصول على ميداليات عدة، وهو ما زاد من رصيد هذه الرياضة بين المقدسيين.


معيقات


ولا بد حين تكون في القدس أن تتعرض لجملة من التضييقات عنوانها الاحتلال، حيث تعرض المتدربون عدة مرات لمضايقات من جنود الاحتلال، أبرزها المنع من القيام بعروضات خاصة بها، كما تم توقيف المدرب شحادة في إحدى المرات، واستجوابه حول ما يقوم به.


ويؤكد شحادة أن الاحتلال هو أكبر معيق لأي نوع من الرياضات التي تفتقر في القدس للمساحة الكافية والبيئة الهادئة، لكن المقدسيين رغم ذلك يصرون على إكمال تعلمهم لها والانشداد لتحركاتها التي تمنحهم راحة نفسية وتفريغا للطاقات السلبية.


أما المتطلب الأكبر لدى منتسبي الكابويرا، فهي عدم وجود اتحاد رياضي يتبناهم ويحمل همومهم ويمثلهم في كل المحافل، رغم وصول عددهم إلى المئات، بينما حل فيروس الكورونا معيقا إضافيا، خاصة فترات الإغلاق التي تعرضت لها مدينة القدس وما فيها من مراكز تدريب.


ويتابع المدرب القول: "في فترة الكورونا، اضطررنا عدة مرات لإغلاق أبواب الأكاديمية، وهو ما جعلنا نتراجع في التدريب، ولكننا عوضنا ذلك في فترات لاحقة، والآن نعيش الإغلاق من جديد وسط أمنيات أن نعود للتدرب، وأن تفتح الأكاديمية أبوابها للمنتسبين الذين يشتاقون لكل أجواء الكابويرا، وما تمنحهم إياه من ثقة في النفس وتجديد للطاقة".