تقارير

كنيسة المهد.. غزاها كثيرون وحاصرها جيش الاحتلال 40 يوما

تعد كنيسة المهد من أقدم كنائس فلسطين والعالم التي تقام فيها الطقوس الدينية بانتظام حتى الآن (الأناضول)

بطقوسهم التراثية الخاصة يستقبل الفلسطينيون زوار وحجاج كنيسة المهد، حيث تعزف فرق الكشافة الموسيقية بقربها ومزاميرها النشيد الوطني الفلسطيني وموسيقى التراث الفلسطيني على الجانب الآخر من ساحة المهد المدخل الرئيسي للكنيسة.

وتتجمع الحشود وهي تلبس الملابس الأنيقة ويحمل آخرون بالونات فيما ترتفع الأصوات بالتراتيل المسيحية باللغة العربية عبر مكبرات الصوت في الساحة.

وباتت ذكرى ميلاد السيد المسيح مناسبة لإقامة احتفاليات ضخمة تستحوذ على اهتمام العالم بحكم وجودها على تماس مباشر مع المكان الذي يعتقد معظم المسحيين بأنه مكان ميلاد المسيح عليه السلام في كنيسة المهد.

 



وتقع الكنيسة في بيت لحم جنوب الضفة الغربية على بعد عشرة كيلومترات جنوب مدينة القدس، وتعتبر مدينة بيت لحم واحدة من أشهر المدن ذات المكانة الدينية والتاريخية في العالم. 

فيما تعد كنيسة المهد من أقدم كنائس فلسطين والعالم التي تقام فيها الطقوس الدينية بانتظام حتى الآن منذ مطلع القرن السادس الميلادي حين شيدت الكنيسة بشكلها الحالي.

وكانت كنيسة المهد هي الأولى بين الكنائس الثلاث التي بناها الإمبراطور قسطنطين ووالدته سانت هيلانة فوق المغارة التي وضعت فيها السيدة مريم السيد المسيح، وتتميز الكنيسة بروعتها وبنائها المهيب واحتوائها على الرخام الجميل والفسيفساء.

ومن مميزات البناء أنه حوى في بنائه الأساسي مثمنا فيه فتحة تؤدي إلى مغارة الميلاد حيث المذود والنجمة، فيما يجد المرء غربا بازيليكا كبيرة تنتهي ببهو محاط بالأعمدة والذي يطل على مدينة بيت لحم.

يطلق على باب كنيسة المهد اسم "باب التواضع". فهو صغير لدرجة أنه يجبر الزائر على الانحناء. وبناء المدخل بهذا الصغر حمل تفسيرات وروايات شتى وهناك مراجعات تاريخية تؤكد أنه بني في فترة الحكم العثماني لمنع الجيوش من الدخول إلى حرم المكان على صهوة الجواد وتتميز هندسة الكنيسة بأسلوبها البسيط بشكل عام.

تعرض بعض أجزاء الكنيسة للدمار عدة مرات، كان أولها عام 529 عندما دمرها السامريون، ويعتقد أنهم جماعة من اليهود ينسبون إلى عاصمتهم القديمة السامرة، وبعد ذلك أعاد الإمبراطور جستنيان بناء كنيسة المهد على نفس موقعها القديم، ولكن بمساحة أكبر، وكان ذلك في عام 535.

ولم تقف الاعتداءات على الكنيسة عند هذا الحد، ففي سنوات الحروب بين الفرس والرومان تعرضت كنيسة المهد للهدم من قبل الفرس عام 614، وفي القرن الثاني عشر قام الصليبيون بتزيين الكنيسة بالفسيفساء على الجدران وبالرسومات على الأعمدة وبالرخام على الأرضيات.

ولكنيسة المهد أهمية خاصة في قلوب المسيحيين بمختلف طوائفهم، فبالإضافة إلى مكانتها التاريخية فهي أيضا تحمل مكانة دينية خاصة، فهي تضم ما يعرف بكهف ميلاد المسيح، وهو المكان الذي وضع فيه بعد مولده، وأرضيته من الرخام الأبيض، ويزين الكهف خمسة عشر قنديلا فضيا التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة والعديد من صور وأيقونات القديسين.

والكنيسة عبارة عن مجمع ديني كبير، فهي تحتوي على مبنى الكنيسة بالإضافة إلى مجموعة من الأديرة والكنائس الأخرى التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة.

تقام الطقوس الدينية في كنيسة المهد من قبل الطوائف المختلفة (الروم، اللاتين والأرمن) بحسب جدول للصلوات وضع في عهد الدولة العثمانية وما زال يعمل به حتى يومنا هذا، كما تم في الفترة تحديد حقوق وصلاحيات كل طائفة متواجدة في الكنيسة.

 



يذكر أن الكنيسة تضم ثلاث طوائف رئيسية (الروم الأرثوذكس، اللاتين والأرمن) ولكن يتم السماح لـ(الأقباط والسريان) مرتين في السنة بالصلاة داخل الكنيسة. 

وتربط كنيسة المهد كل الطوائف المسيحية بعضها ببعض لأنها مركز حج للمسيحيين من كل أنحاء العالم، والذين يعبرون المسار الذي عبره ماري ويوسف أثناء رحلتهم إلى بيت لحم وقت ولادة المسيح، مسار للحج خلال عيد الميلاد.

دخلت كنيسة المهد عام 2012 قائمة مواقع التراث العالمي، وكانت أول موقع فلسطيني يدرج ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة "اليونيسكو".

وفي حزيران / يونيو الماضي قررت لجنة التراث العالمي المجتمعة في باكو إزالة موقع مكان ولادة المسيح: كنسية المهد ومسار الحجاج في بيت لحم من قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.

وأثنت اللجنة على جودة الأعمال التي أنجزت في كنيسة المهد، وأعمال ترميم السقف وأبواب وواجهات الكنيسة الخارجية ولوحات الفسيفساء الجدارية فيها. وقد رحبت بقرار التراجع عن مشروع إقامة نفق تحت ساحة المهد، وكذلك باعتماد خطة إدارة وحماية الموقع.

والحديث عن كنيسة المهد يعيد للذاكرة يوم العاشر من أيار/مايو عام 2002 ذكرى مرور 18 عاما لإبعاد 39 مقاوما، بعد حصارهم داخل كنيسة المهد في مدينة بيت لحم.

فقد غادر 39 مناضلا كنيسة المهد، بعد انتهاء الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الكنيسة لأكثر من 40 يوما خلال اجتياح المدينة، باتفاق يقضي بإبعاد 13 منهم قسرا إلى خارج الوطن، و26 آخرين إلى قطاع غزة. وخلال الحصار سقط سبعة شهداء، وأصيب 26 مواطنا.

 



وبدأت القوات الإسرائيلية اجتياحها لمدينة بيت لحم حيث دارت اشتباكات بين المسلحين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي على أطراف مدينة بيت لحم وفي نفس الليلة قام المسلحون الفلسطينيون بالهرب والتحصن داخل كنيسة المهد، وفرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارا على الكنيسة، وأثناء الحصار جرت مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي من قبل المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية وعلى أثرها أُبعِد المسلحون الفلسطينيون عن الضفة الغربية إلى قطاع غزة وبعض الدول الأوروبية.


قد تكون مدينة بيت لحم من أكثر الأماكن ارتباطا بالدين المسيحي عبر التاريخ، لكن هناك مخاوف الآن من هجرة سكانها المسحيين منها.

وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المسيحيين في المدينة تقلصت إلى أقل من 15% من عدد سكانها بينما كانت نسبتهم أكثر من 80 %. ويحاول رجال الدين والقوى الوطنية الفلسطينية بشتى الطرق حث المسيحيين على البقاء في المدينة والمحافظة على تراثهم الثقافي ومواجهة أية مخططات للاحتلال.

وفي دراسة حديثة فقد شهدت أعداد المسيحيين في فلسطين تراجعا مستمرا في نسبتهم منذ نهاية القرن التاسع عشر.

المسيحيون في فلسطين، بحسب رئيس أساقفة سبطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا هم "أصيلون في انتمائهم لوطنهم ولهم امتداد لم ينقطع لأكثر من ألفي عام، وهم مرتبطون وباقون في هذه الأرض، بالرغم من كل التحديات والظروف".