سياسة عربية

أتلانتك: سياسة الصين بسنجان أكبر من مجرد "تنظيم الأسرة"

انتهاكات صينية عديدة بحق الأويغور - جيتي


نشرت مجلة "ذي أتلانتك" مقالا للصحافية مي فونغ قالت فيه: عندما كنت ألقي كلمات أو أناقش تقاريري عن سياسة الطفل الواحد الصينية اعتدت أن أسمع أسئلة من الحضور الذين يسألون بنية حسنة: "بالطبع الإكراه على الإجهاض والتعقيم أمر سيئ.. ولكن أليست سياسة الطفل الواحد جيدة بشكل من الأشكال؟ ألا تساعد على إخراج ملايين الناس من الفقر؟".

وهذه بالضبط كانت سردية الحزب الشيوعي الصيني. وهي أن سياسة الطفل الواحد كانت صعبة ولكنها ضرورية ومهمة لتقدم البلد. وأصر الزعيم دينغ شياو بنغ عام 1979 بأنه من دون تراجع كبير في معدلات الولادة "لن نستطيع أن نطور اقتصادنا ونرفع من مستوى المعيشة لشعبنا".

وتعلق: "يجب أن تسقط تقارير الأسوشييتد برس مؤخرا والعالم البارز المختص في إقليم تشنجيانغ أدريان زنز حول الإكراه على عمليات التعقيم التي فرضتها الصين على أقلية الأويغور ورقة التوت، فإن كانت سياسة الطفل الواحد مصممة لتشجيع النمو الاقتصادي وتفيد المواطنين فلماذا تقوم بكين بقمع التكاثر بين الأويغوريين – الذين هم مواطنون صينيون – بعد أن تراجعت معدلات الولادة في البلد إلى أدنى نسبة لها في 70 عاما وهو ما يهدد النمو المستقبلي؟ ولماذا يقوم الحزب بمطالبة الصينيين من إثنية الهان (الأكثرية) بأن ينجبوا أكثر من ولد وفي نفس الوقت يجرون عمليات تعقيم على نساء الأويغور بأعداد تزيد عن عدد سكان هوبوكن في نيوجيرزي؟".

والجواب طبعا هو أن سياسات تحديد النسل الصينية كانت دائما لا علاقة لها بالتكاثر ولكنها تدور حول السيطرة. أولئك الذين رسموا خطة الطفل الواحد كانوا مهتمين أكثر بالحفاظ على السلطة من إنقاذ الناس من الفقر. وهذا هو السبب الذي جعل زعماء الصين يقاومون الدعوات لإنهاء السياسة مع أن الاقتصاديين حذروا من أنها تقلل من القوة العاملة الصينية وتقلل الإنتاجية وتخزن مشاكل مستقبلية مثل نقص أموال التقاعد. والبديل كان يعني التنازل عن أداة سيطرة اجتماعية قوية، إضافة إلى كونها أداة ولدت ما لا يقل عن 3 مليارات دولار سنويا كغرامات للخروقات، باعتراف بيجين نفسها.

 وتضيف: "أنا أعرف ذلك لأنني غطيت معجزة الصين الاقتصادية كمراسلة لصحيفة وول ستريت جورنال وقضيت سنوات عديدة أبحث وكتبت كتابا تفحصت فيه ثمن وتداعيات أكثر التجارب الاجتماعية راديكالية في العالم والتي بدأت عام 1980 وبدأت تخف عام 2016 عندما زادت بيجين عدد الأطفال الذي يمكن للعائلات إنجابه إلى طفلين.

 وخلال بحثي لأفهم كيف تقوم الدولة بفرض النظام على الأرحام سمعت روايات مروعة، وتحدثت مع نساء أكرهن على الإجهاض في وقت متأخر من الحمل حتى في الشهر السابع، ووصف المسؤولون كيف كانوا يتعقبون ويحاصرون النساء المخالفات وأمهات تحدثن عن حالات تخلي وقتل مواليد جدد. ولكن معظم هذه القصص وليس كلها كانت تتعلق بصينيين من إثنية الهان والذين تعرضوا لقيود أشد من غيرهم من الأقليات الإثنية بمن فيهم الأويغور.

والآن رجحت كفة الميزان. فما يحصل في إقليم تشنجيانغ يثير الذهول، فبحسب العالم زنز تم استهداف مقاطعتين في إقليم سنجان للقيام بحملتي تعقيم، إحدى المقاطعتين بنسبة 14% والأخرى بنسبة 34% من النساء في سن الحمل خلال عام واحد. وإذا تم حساب ذلك بحسب عدد السكان فإن ما قامت به الصين من تعقيم في سنجان خلال عام أكثر مما قامت به الصين من عمليات تعقيم في كل الصين على مدى 20 عاما.

وروت نساء الأويغور اللواتي تم اعتقالهن في معسكرات الاعتقال كيف تم حقنهن بحقن غيرت أو أوقفت الدورة لديهن. وذكرت بعض المصادر الإعلامية أنه تم زرع أجهزة منع حمل لعدد من نساء الأويغور. وفي عام 2018 كان 80% من أجهزة منع الحمل التي زرعت في الصين في إقليم سنجان، مع أن الإقليم لا يحتوي سوى على 1.8% من سكان البلد بحسب ما توصل إليه زنز بناء على تحليل الوثائق الصينية الرسمية.

 

اقرأ أيضا: صفقة تجارية منعت ترامب من معاقبة الصين على ملف الأويغور

 وتؤكد أن الإبادة الجماعية مصطلح بشع، ولكن هذا ما يجب إطلاقه على ما يحصل في سنجان والتي كانت هدفا للمزيد والمزيد من السياسات القمعية بعد أحداث شغب خطيرة في الإقليم عام 2009. ومنذ ذلك الحين، شنت بيجين حملة اجتثاث للثقافة الأويغورية، واعتقلت حوالي مليون مسلم أويغوري في معسكرات "إعادة تأهيل" وقامت بهدم المساجد، وتعرض السكان للمراقبة على غرار ما ورد في رواية جورج أورويل 1984 وفصل أطفال الأويغور عن عائلاتهم.

وأيضا تحسين النسل مصطلح بشع آخر، كما تقول، فهو والإبادة الجماعية مصطلحان يدوران حول الفكرة البغيضة بأن هناك مجموعات من البشر يجب القضاء عليها أو قطع نسلها. وتحسين النسل كان هو المبدأ الذي بنيت عليه سياسة الطفل الواحد وهو ما يختار العديد من مؤيدي السياسة أن يغضوا الطرف عنه. وكان أحد شعارات تلك السياسة هو "زيادة في النوع وليس في الكم". ففي عام 1988 منع إقليم غانسو في شمال غرب الصين "ولادة الأغبياء والبلهاء والحمقاء". وسنت الصين عام 1995 القانون الوطني لصحة الأم والطفل والذي يمنع الأشخاص الذين يعانون من "مرض جيني خطير" أن يتكاثروا.

ومع ذلك قامت الأمم المتحدة عام 1983 باختيار الصين لمنحها الميدالية الذهبية لسياساتها السكانية. وفي 2014 صنفت مجلة ايكونوميست سياسة الطفل الواحد على أنها أهم استراتيجية أبطأت الاحتباس الحراري، أكثر فعالية حتى من الحفاظ على الغابات الاستوائية في البرازيل، مع أن المجلة اعترفت بأن في الأمر "نوع من الغش" لأن بيجين لم تقرر السياسة بهدف حماية المناخ. كما أن ذلك التصنيف مبني على تقديرات بيجين بأن سياسة الطفل الواحد قلصت عدد الولادات بـ 300 مليون ولادة، ولكن هذا رقم يشكك فيه ديمغرافيون بارزون مثل وانغ فينغ، الذي يقول إن بيجين لم تأخذ بالحسبان توجه انخفاض الخصوبة على مستوى العالم عندما قامت بتقديراتها.

 وكتب الأكاديمي والناشط البيئي الإسرائيلي ألون تال عام 2015: "من السهل جدا انتقاد سياسة الطفل الواحد: فقد كانت بالتأكيد علاجا صارما وكان تطبيقها قاسيا دون داعٍ"، قبل أن يخلص إلى أنه "من الجيد أن نتذكر كم هي محظوظة الصين اليوم بأنها تبنت تلك السياسة". 

 وتقول: "تخيلوا لو أن علماء بارزين خرجوا علينا اليوم ليقولوا بأنه كان للمحرقة نقاط إيجابية، مثل تعزيز الصناعة أو أن العبودية في أمريكا، بالرغم من شرها، كان لها مشاركة إيجابية في تطوير اقتصاد الجنوب. فهناك مواقف يجب أن يطغى الغضب الأخلاقي فيها على المادية. فبدلا من القول: "نعم، إنها انتهكت حقوق الإنسان ولكن.."، نحتاج أحيانا أن نقول: "إنها انتهكت حقوق الإنسان". بشكل فاضح وبشكل مروع وانتهى".

معلقة: "أدت سياسة الطفل الواحد إلى مجتمع فاقد للتوازن تماما، يتفوق فيه عدد الذكور وكبار السن. لقد زادت من اختلال التوازن في الجنس والعمر إلى درجة أنه خلال أقل من عقد سيكون هناك عزاب صينيون أكثر من عدد سكان أستراليا ومتقاعدون صينيون أكثر من سكان أوروبا الغربية. ووصل العجز في أموال التقاعد إلى 540 مليار دولار بحسب أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية. وتقول النساء الصينيات، من إثنية الهان التي تشكل الأكثرية من الطبقة المتوسطة إن سياسة الطفلين التي تحث عليها الحكومة الآن تضع عليهن ضغطا لإمداد القوة العاملة المتقلصة وأدت إلى تمييز في أماكن العمل. وقلة النساء الصينيات في الريف أدى إلى ازدهار في عبودية الجنس والاتجار بها، مما أثر ليس على النساء الصينيات فقط، بل على النساء من كمبوديا وميانمار وكوريا الشمالية وباكستان".

ورد بيجين المبكر على هذا التراجع الديمغرافي لا يزال العصا أكثر من الجزرة، التشهير الاجتماعي والقيود على الطلاق والإجهاض وورشات عمل ممولة من الحكومة لتشجيع خضوع الإناث والحديث عن غرامات، ولكن هذه المرة لعدم الإنجاب. حتى أنه تم اقتراح تعدد الأزواج. وهناك مخاوف من أن نظام الضمان الاجتماعي الصيني الذي لا يزال في مرحلة التطوير قد يستخدم للعامل مع الآثار الاجتماعية السلبية لسياسة الطفل الواحد، مثل دعم الانضمام للجيش من الأبناء الوحيدين لعائلاتهم. فماذا بعد؟ هل سيكون هناك نقاط إضافية لإنجاب المزيد ونقص في المميزات للبقاء عازبا؟ قد يبدو هذا السيناريو من قصة رعب، ولكن لا يمكن إسقاطه إذا ما اعتبرنا إجراءات الصين المتطرفة للسيطرة على التكاثر السكاني.

والحقيقة المرة هي أن القيود الصارمة لسياسة الطفل الواحد كانت غير ضرورية للرفاه الاقتصادي. وفي الواقع فإن النمو الملحوظ  والقضاء على الفقر يتعلق أكثر  بتحرير المؤسسات المملوكة للدولة منه بالقيود على التكاثر. وكثير من البلدان، بما فيها ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتاليلندا، استطاعت أن تبطئ النمو السكاني وتزدهر في نفس الفترة التي أخذتها الصين، دون تعريض سكانها لجيل من الصدمة. وحتى الصين نفسها فقد أثبتت أن بإمكانها الحد من النمو السكاني باستخدام نظام أقل قمعا: فقبل سياسة الطفل الواحد بعشر سنوات كانت هناك حملة تشجع الأزواج على التأخر في الزواج وكانت ناجحة جدا حيث تراجع معدل انجاب العائلة من 6 أطفال إلى 3 أطفال. ويرى العديد من الخبراء أنه كان بإمكان الصين الاستمرار في تلك السياسة وتحقيق نمو اقتصادي جيد في نفس الوقت.

والأدلة في الواقع واضحة: يمكننا الحد من النمو السكاني بدون اعتماد أي شيء بوحشية سياسة الطفل الواحد أو سياسة الإبادة الجماعية الوحشية في تشنجيانغ.