منوعات تركية

هذه قصة سفارة أنقرة بواشنطن مع "موسيقى الجاز" والعنصرية

السفارة التركية تمكنت من جمع السود والبيض عبر "موسيقى الجاز" صباح التركية

أصبحت السفارة التركية في واشنطن التي فتحت أبوابها لموسيقيي الجاز في فترة انتشار العنصرية بالولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، مركزا لموسيقى الجاز عبر سلسلة "أرتغون جاز".

 

في ذلك الوقت، وصلت العنصرية ذروتها في الولايات المتحدة، فقد كان يفصل بين السود والبيض في الأماكن العامة، ووضعت قواعد تمنع السود من دخول الأماكن التي يتواجد فيها البيض.

 

ولقد كانت لحفلات "سلسلة أرتغون" التي تقام على شرف سفير تركيا الثاني في واشنطن منير أرتغون، لنجليه أحمد ونصوحي، دور في محاربة العنصرية في الولايات المتحدة.

 

وفتحت السفارة التركية أبوابها أمام موسيقى الجاز في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، في الفترة التي كانت فيها العنصرية سائدة بدرجة لا يمكن تصورها.

 

ومنع السود في ذلك الوقت، من دخول مطاعم البيض، وكان يسمح لهم بركوب الحافلات العامة، ولكن في المقاعد الخلفية.

 

وقام السفير التركي، منير أرتغون، في تحد للعنصرية، بفتح أبواب السفارة بواشنطن، أمام "موسيقى الجاز"، لتقيم الحفلات الموسيقية، وشارك الموسيقيون السود والبيض جنبا إلى جنب، وغنوا مع بعضهم البعض رغم التمييز والعنصرية.

 

اقرأ أيضا: أمريكيون يفتحون حسابا مع ماضي العبودية ورموز "الكونفدرالية"
 

وشارك الملحن الأسود دوق إلينغتون، مع جو مارسالا، وهنري ألين، وأديل جيرار، وزوتي سينغلتون، وماكس كامينسكي، وتومي بوتر وغيرهم، في الحفلات التي نظمت بالسفارة التركية، والتي كان ينظمها نجلا السفير، والمعروفان لحبهما لموسيقى الجاز.

 

وذكرت صحيفة "صباح التركية" في تقرير، ترجمته "عربي21"، أن الحفلات الموسيقية التي نظمتها السفارة التركية، لافت ردود أفعال ما بين مؤيدة وناقدة لها، ونقلت عن المخرجة السينمائية أومران سفتر، أنه "في ذلك الوقت من المستحيل أن يجتمع السود والبيض في مكان واحد".

 

وأضافت المخرجة التركية، أن الحفلات الموسيقية التي نظمتها السفارة، أصبحت جدلا كبيرا في الأوساط الأمريكية، مشيرة إلى أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجنوبيين، بعثوا رسالة غاضبة للسفير منير أرتغون، تساءلوا فيها: "كيف يمكنك فعل هذا الأمر"؟.

 

وأشارت إلى أن السفير التركي رد بدبلوماسيته مواجها العنصرية قائلا: "نأخذ ضيوفنا من الباب الأمامي، بغض النظر عمن يكونون، تعالوا وكونا ضيوفا لنا من الباب الأمامي".

 

وفي مذكراته شرح أحمد أرتغون، أسباب تنظيم هذه الحفلات الموسيقية قائلا: "كان لدينا الكثير من الأصدقاء السود في واشنطن، ولا يمكن لنا الذهاب إلى السينما أو المسرح أو المطاعم برفقتهم، حتى آن الخروج معهم كان مستحيلا، ولم أستطع اصطحاب الدوق (إلينغتون) أحد أروع الموسيقيين بالبلاد إلى العشاء، وكان هذا الواقع الذي لم نقبل به".

 

بدوره قال نصوحي الابن الآخر للسفير التركي معلقا: "لا يمكن تخيل حجم التمييز في واشنطن في ذلك الوقت، وفي معظم الأماكن، لا يمكن للسود والبيض الجلوس معا، لهذا السبب قررنا تنظيم الحفلات الموسيقية، وكان "الجاز" سلاح النشاط الاجتماعي لدينا".

 

وانتقلت الحفلات الموسيقية التي كانت تعقد في داخل مقر السفارة تدريجيا لخارج المبنى، وفي عام 1943، نظم الأخوان أحمد ونصوحي، حفلا موسيقيا في مركز للجالية اليهودية بواشنطن، اجتمع فيه موسيقيو الجاز السود والبيض.

 

وسلطت وسائل الإعلام الأمريكية الضوء على الحفلة التي نظمها الأخوان، وذكر أحد التقارير: "في واشنطن حيث ينقسم فيه المجتمع إلى قسمين بسبب التميز، قام تركيان أخوان مسلمان، بجمع البيض والسود المسيحيين في قاعة احتفالات للجالية اليهودية"، وكتبت واشنطن بوست، أن الشابان أظهرا نموذجا مثير للاهتمام يختلف عن النموذج الأمريكي والأوروبي.

 

اقرأ أيضا: هكذا استخدم الدين المسيحي في أمريكا لتبرير العبودية والتمييز
 

وتساءلت الصحيفة، فيما كان هل من قبيل الصدفة أن الدبلوماسي منير أرتغون، أنتج مثل هذه السياسة في تلك السنوات؟!.

 

وأجابت المخرجة السينمائية سفتر، أن "تركيا بلد يستند دائما لسياسة الباب المفتوح، والوقوف إلى جانب الضحية، وفي الثلاثينات من القرن الماضي، ،كان العلماء الألمان الذين فروا من النازيين موضع ترحيب فيها، وفي الحرب العالمية الثانية، سمحت لليهود للإقامة لديها، وفي ثمانينيات القرن الماضي، أنقذت اليابانيين الذين تقطعت بهم السبل في طهران خلال الحرب بين العراق وإيران، في الوقت الحاضر احتضنت السوريين بسبب حربهم".

 

وتابعت قائلة: "وما قام به السفير التركي وأبنائه، جزء من هذه السياسة الدبلوماسية المنفتحة، التي نفذت على مدى تاريخ الجمهورية".

 

ولفتت إلى أنه في عام 1947، أسس الأخوان أرتغون، تسجيلات "أتلانتك"، وغيروا من تاريخ الموسيقى الأمريكية، وشارك فيها الموسيقيين السود.

 

وذكرت الصحيفة، أن أحمد أرتغون، كان اسما مهما في عالم الموسيقى، وقبل وفاته عام 2006، كتب الكثير عن مساهماته في الموسيقى وخاصة الجاز.

 

وقبل وفاته، ذكر أن :" الموسيقى الشعبية ترجع جذورها من موسيقى السود، من الجاز و الروك أند رول".