قضايا وآراء

إسرائيل بين مكامن القوة والضعف

1300x600

في الوقت الذي تتفاقم فيه عنصرية إسرائيل وعنجهيتها، ثمة أسئلة واقعية  تبرز إلى الأمام  وبقوة حول مكامن القوة والضعف في التجمع الاستيطاني الإسرائيلي، وتالياً  مستقبل إسرائيل كدولة ابارتايد. وقد أجاب عن تلك الأسئلة عدد من المفكرين الإسرائيليين والعرب. 

وفي هذا السياق أكد المفكر والمؤرخ الإسرائيلي بني موريس في أكثر من لقاء صحفي خلال السنوات الأخيرة بأنه "لايرى مخرجاً لإسرائيل، بسبب عدم وجود فرص في البقاء كـ "دولة يهودية"، نظراً لأن العرب أكثر من اليهود بين البحر الأبيض المتوسط والأردن، وستصبح الأرض بأكملها حتما دولة واحدة ذات أغلبية عربية، وأشار إلى أن إسرائيل لا تزال تدعو نفسها دولة يهودية لكن حكمنا لشعب محتل بلا حقوق ليس وضعا يمكن أن يدوم في القرن الحادي والعشرين، في العالم الحديث".

ماذا عن المستقبل؟

إضافة إلى ما قاله بني مورس وغيره من المفكرين الإسرائيليين عن مستقبل إسرائيل، أثارت بعض الأعمال الدرامية الإسرائيلية، ومنها الفيلم السينمائي الذي حمل عنوان "2048" ذعر الإسرائيليين وخاصة المهاجرين الجدد من الصهاينة، وجعلهم يفكرون في النهاية المتوقعة لدولتهم، حيث تحدث الفيلم قبل عدة سنوات عن نهاية إسرائيل وزوالها من الوجود وهو الهاجس الذي يطارد كل مستوطن إسرائيلي. 

وقال مخرج الفيلم؛ وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويدعى كفتوري لصحيفة "الجروزاليم بوست" الإسرائيلية: "أشعر أننا نسير في الاتجاه الخاطئ ونهدد بتدمير إسرائيل، وهذا لا يأتي بموجب تهديد خارجي، بل من الداخل"، لأنه لاحظ وجود تناقضات كبيرة داخل التجمع الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يضم مجموعات يهودية غير متجانسة تعود أصولهم إلى أكثر من (100) دولة في العالم. ويمكن الجزم بأن هناك تناقضات جوهرية داخل التجمع الاستيطاني الإسرائيلي ستدفع إلى الاعتقاد بزوال إسرائيل  بعد انتهاء دورها الوظيفي. 

 

تعتبر حرب حزيران /يونيو في عام 1967 حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيسي، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل

 



حقيقة زوال إسرائيل ليست أمنية لكل فلسطيني فحسب، فثمة تقارير تصدر دورياً عن وكالة الاستخبارات الأمريكية تتنبأ بأفول إسرائيل كما تنبأت في السابق بسقوط الاتحاد لسوفييتي السابق ودولة الابرتايد في جنوب إفريقيا؛ وتستند تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية على حقائق في مقدمتها، عنصرية إسرائيل المتفاقمة وعدم قدرتها على الاستمرار في ظل أكثرية عربية  داخل فلسطين ومحيطها العربي الكثيف. 

ويلحظ المتابع أنه منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948 لم يتبوأ اليهود الشرقيون مناصب رئيسية في المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، وخاصة منصب رئيس الوزراء، باعتبار أن بناة دولة الاحتلال الأوائل هم اليهود الغربيون "الأشكناز". وثمة شواهد عنصرية أحرى داخل التجمع الاستيطاني الإسرائيلي، ومنها رفض التبرع بالدم لصناديق التبرع من قبل يهود الفلاشا من أصول إثيوبية قبل أكثر من عقدين من الزمن . 

قوة إسرائيل الهشة

في مقابل ذلك هناك أسئلة أخرى حول عوامل استمرار إسرائيل كدولة ابارتايد، حيث أشار الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته حول اليهود واليهودية والصهيونية إلى أن مقومات الحياة في إسرائيل ليست من داخلها وإنما من خارجها، ولهذا أكد المسيري  بانه "يوجد عنصران أساسيان هما الدعم الأميركي بلا حدود والثاني الغياب العربي أيضا بلا حدود، هذان العنصران هما اللذان يضمنان بقاء إسرائيل واستمرارها".

وقد استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 استحضار حليف خارجي له وزنه في إطار العلاقات الدولية؛ وذلك بغية المزاوجة بين إمكاناتها الذاتية وبين الدعم الخارجي لها وتعزيز شكل من أشكال القوة، واستثمار تلك القوة في اتجاهين: الاتجاه الأول يتمثل في محاولة استكمال بناء المؤسسات الإسرائيلية؛ والعمل على توفير المقومات الاقتصادية والبشرية والعسكرية الضامنة لبقاء واستمرار إسرائيل كدولة غير طبيعية في المنطقة العربية. أما الاتجاه الثاني فيكمن في استحضار القوة للتصدي للتحديات الخارجية، ونقصد هنا هاجس الخوف الإسرائيلي من القوة العسكرية العربية. 

ويذكر أن إسرائيل اتجهت إلى التحالف مع فرنسا في منتصف الخمسينات من القرن العشرين كمصدر أساسي لتسليح الجيش الإسرائيلي، كما استطاعت بناء علاقة وطيدة مع ألمانيا الغربية سابقاً، واستفادت من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى منتصف السبعينات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية. 

وبعد إنشائها في عام 1948 استطاعت إسرائيل استحضار حليف قوي، بريطانيا وفرنسا وتالياً استحضار الحليف الأمريكي القوي، حيث تميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها علاقة خاصة بالمقارنة مع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الأخرى في العالم، ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ودوره في المحافظة على التأييد الأمريكي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية من جهة أخرى. 

وتعتبر حرب حزيران /يونيو في عام 1967 حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيسي، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل. ومولت إسرائيل حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية والطارئة. 

وتجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1967 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لإصدار قرار دولي يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية.
 
إن استمرار إسرائيل كدولة أبارتايد على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين مرهون بشكل كامل بدورها الوظيفي الذي يخدم الغرب الذي أنشأها على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه. والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو مستقبل إسرائيل بعد انتهاء الأهداف التي أنشئت من أجلها؟

 

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا