صحافة دولية

FA: هل زاد انتشار كورونا التوترات الطائفية بالشرق الأوسط؟

فورين أفيرز: فاقم انتشار فيروس كورونا من التوترات الطائفية والسياسية القائمة- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للباحث البارز في العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد، توبي ماتثيسن، الذي يعد كتابا عن التاريخ العالمي للعلاقات السنية الشيعية، يتحدث فيه عن تأثير فيروس كورونا المستجد على التوترات الطائفية في الشرق الأوسط.

 

ويقول ماتثيسن في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن المرض أعاد إلى المنطقة العدو القديم وهو الطائفية، مشيرا إلى أن الفيروس ينتشر في الشرق الأوسط بشكل أدى إلى ضغوط على الخدمات الصحية الضعيفة، وفاقم من التوترات الطائفية والسياسية القائمة، في داخل الدول وعلى المستوى الإقليمي.

 

ويشير الباحث إلى أن معظم الحالات التي انتشرت في المنطقة تم تتبعها إلى مدينة قم المقدسة في إيران، المعروفة بحوزاتها الدينية وقبر "فاطمة المعصومة"، الذي يجلب إليه الحجاج والطلاب الطامحين بالحصول على شهادة دينية. 

 

ويلفت ماتثيسن إلى أن "المسؤولين الإيرانيين قدموا شهادات متناقضة حول طريقة دخول الفيروس إلى قم، فمرة لاموا طلاب المدارس الدينية المسلمين القادمين من الصين، وفي مرة أخرى حملوا العمال الصينيين الذين يقومون ببناء قطار سريع في المدينة، وما هو واضح أن الفيروس بعد وصوله إلى المدينة، التي يعيش فيها 1.2 مليون نسمة، انتشر بسرعة، وأعلنت الحكومة الإيرانية في 19 شباط/ فبراير عن حالتي وفاة من كوفيد-19، وهي أول مرة تعترف فيها الحكومة بدخول الفيروس إلى البلد، وبحلول 27 شباط/ فبراير تم الكشف عن حالات إصابة في 24 ولاية من 31 ولاية إيرانية، وحتى 23 آذار/ مارس أصاب الفيروس 23 ألف شخص، وقتل 1800 شخص، بمن فيهم عدد من مسؤولي الحكومة". 

 

ويذكر الكاتب أن "منظمة الصحة العالمية ترى أن العدد قد يكون خمسة أضعاف العدد الرسمي؛ نظرا لمحدودية أجهزة الفحص، وتميز رد حكومة الرئيس حسن روحاني على الأزمة المتزايدة بالبطء، ورفض الدعوات لفرض حجر كامل للمدن أو منع السفر، وبعد أسابيع من التردد، أعلن روحاني في 16 آذار/ مارس بإغلاق العديد من المزارات الدينية، وهو قرار غير مسبوق، حيث تظل المزارات مفتوحة 24 ساعة، وشجب رجال الدين القرار وتظاهروا ضده، مع العلم أن بقاء المشاهد الدينية مفتوحة سيكون خطأ كبيرا لإيران والشرق الأوسط".

 

ويقول ماتثيسن إن "ملايين الشيعة من أنحاء العالم كله يزورون في كل عام المزارات في العراق وإيران وسوريا، ويقبلون ويلمسون جدرانها، تبركا بعائلة النبي محمد، وفي الأيام الأولى لفيروس كورونا أصبحت المزارات أهم المراكز لتحرك الفيروسات، وأصابت الحجاج الشيعة بالعدوى، وبعضهم كان يعاني من ظروف صحية، أو أنهم كبار في العمر قاموا بنقل المرض إلى مناطق أخرى". 

 

وينوه الباحث إلى أن لبنان أكد في 21 شباط/ فبراير أول حالة كوفيد-19 لامرأة في الـ45 عاما عادت قبل فترة من مدينة قم، وفي 24 شباط/ فبراير أعلنت حكومات البحرين والعراق وعمان والكويت عن حالات فيروس كورونا، وأعلنت قطر والسعودية في 2 آذار/ مارس عن حالات أخرى، وفي الدول الست فإن الحالات الأولى كلها جاءت من أشخاص زاروا إيران".

 

ويستدرك ماتثيسن بأنه رغم ظهور الفيروس في الصين، إلا أن طريقة تعامل إيران مع انتشاره داخل أراضيها كانت مصدر غضب وخوف، فقال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إن الولايات المتحدة قلقة من التقارير التي تحدثت عن كتم إيران معلومات حول معدلات انتشار كورونا داخل إيران، فيما حذر قائد القيادة الوسطى في الشرق الأوسط الجنرال كينث ماكنزي، في شهادة أمام لجنة القوات المسلحة، من أن انتشار الفيروس سيجعل إيران "أكثر خطرا وليست أقل خطرا".

 

ويفيد الكاتب بأن جيران إيران سارعوا لتحميلها مسؤولية انتشار الفيروس، واتهم وزير الداخلية البحريني الجنرال الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة إيران بشن "عدوان بيولوجي يعد جرما بحسب القانون الدولي"، لأنها تكتمت على الفيروس، ولم تختم جوازات السفر للبحرينيين الذين زاروا أراضيها، وشجبت وزارة الخارجية السعودية على حسابها في "تويتر" إيران؛ لأنها "خلقت تهديدا صحيا يهدد الإنسانية"، وزعمت صحيفة في الإمارات العربية المتحدة أن حالات فيروس كورونا في المنطقة كلها مرتبطة بإيران، مع أن الحالات التي ظهرت في الإمارات كلها مرتبطة بسياح صينيين جاءوا من ووهان، بالإضافة إلى أنه تم تأكيد الحالات الأولى في الشرق لأوسط في 27 كانون الثاني/ يناير، أي قبل أسابيع من الكشف عن حالات قم. 

 

ويشير ماتثيسن إلى أن السعودية والبحرين زادتا في السنوات الأخيرة القمع ضد سكانهما الشيعة، الذين تم تهميشهم سياسيا، وتشويههم بسبب معتقداتهم الدينية، واتهموا بالولاء لإيران. 

 

ويجد الباحث أن "أزمة فيروس كورونا تكشف عن أنها ضخمت من المشاعر المتحيزة ضد الشيعة، فبعد اكتشاف السلطات السعودية أول حالة في مدينة القطيف في المنطقة الشرقية تم وضعها تحت الحجر الصحي، ودعت وزارة الصحة الذين سافروا إلى إيران كلهم للاتصال بها، ومع أن السفر إلى إيران هو جريمة لكن الكثير من السعوديين يسافرون إليها عبر دولة ثالثة، وقد استجاب أعداد من الشيعة السعوديين لدعوة وزارة الصحة، واعترفوا بسفرهم إلى إيران". 

 

ويلفت ماتثيسن إلى أنه "في الوقت الذي زادت فيه حالات كوفيد-19 في المملكة، فإن سعوديين بدأوا في الهجوم على الشيعة السعوديين عبر منصات التواصل الاجتماعي، واتهامهم بالخيانة، والدعوة لإعدامهم".

 

وينوه الكاتب إلى أن "البحرين اتخذت أزمة فيروس كورونا مبررا لمتابعة حركة مواطنيها الشيعة، ودعت من سافروا إلى إيران للكشف عن أنفسهم والاتصال بالخط الساخن، ورغم أن السفر إلى إيران لا يعد جريمة في البحرين، كما في السعودية، إلا أن شيعة البحرين لديهم ما يخشونه من التداعيات". 

 

ويقول ماتثيسن إن "فيروس كورونا فاقم التوترات السياسية والطائفية في لبنان، الذي يعاني من مشكلات سياسية ومالية، فحزب الله من أقوى الأحزاب في لبنان، ولديه علاقات مع إيران، ولم يوقف لبنان الرحلات الجوية إليها إلا في الأسبوع الثاني من آذار/ مارس، وحاولت الأحزاب المعادية لحزب الله تسييس الأزمة واتهام إيران، وحصل وزير الصحة على دعم حزب الله في الحكومة الجديدة، ومنذ 21 آذار/ مارس تم إغلاق بيروت بشكل كامل، إلا أن الكثير من اللبنانيين يعتقدون أن الأزمة هي أكبر مما تعترف به الحكومة، فالنظام الصحي مثقل بالأعباء مع وجود 1.5 مليون لاجئ سوري فروا بسبب الحرب الأهلية، وأي انتشار للوباء سيكون كارثة على لبنان". 

 

ويفيد الباحث بأن "اليمن لم يعلن عن حالات، وفي سوريا تم الكشف عن حالة واحدة، رغم تأكيد وزير الصحة السوري في مقابلة تلفازية خلو بلاده من الحالات، ومدح الجيش السوري على تطهيره البلاد من الجراثيم، في إشارة إلى المعارضة السورية، ونظرا للعلاقات التجارية والعسكرية مع إيران فلن تكون سوريا بمأمن من الفيروس". 

 

ويختم ماتثيسن مقاله بالقول إنه "بعد سنوات من الحرب فإن انتشار فيروس كورونا في اليمن وسوريا، وفي مخيمات اللاجئين، التي يعيش فيها ملايين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان، سيكون كارثيا، ومن ناحية أمنية وإنسانية فإن أزمة فيروس كورونا تتشكل لتكون أزمة ذات أبعاد ملحمية".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)