قضايا وآراء

وصيتي في ذكرى يناير العطرة

1300x600
مع نسائم كانون الثاني/يناير التي عادت تهب من جديد محملة ببشريات الموجة الثانية للربيع العربي، أجد لزاما عليّ أن أتوجه لشبابنا وقطاعات شعبنا كافة، بضرورة استثمار ذكرى الثورة العطرة والتأهب، لإنقاذ بلادنا وشعبنا من الأوضاع السياسية الفاسدة التي أضرت بسمعة مصر ومكانتها، بل وحضارتها، كما وضعت شعبنا في أوضاع معيشية كارثية، حيث اتساع دوائر الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار.

ومن الضروري أن نتذكر في ذكرى يناير التي شارفت على الإقبال؛ تلك اللحمة المباركة بين أطياف شعبنا كافة وقواه الحية، والتي كانت أهم أسباب نجاحنا عام 2011 في الإطاحة بالديكتاتور، وما تزال هي السبب الرئيسي في امتلاك القدرة على هزيمة الديكتاتور الجديد، فلم يعد هناك أمل لإنقاذ بلادنا من القهر وشعوبنا من الفقر بغير توحيد صفوفنا لنقف جميعا معا في خندق واحد، فهو السبيل الوحيد لتغيير المعادلة الفاسدة التي تحكم بلادنا والانتصاف للمظلومين الذين طالما عانوا ويلات الاستبداد وما زالوا يعانون.

ولهذا يصبح من أهم واجباتنا اليوم، على اختلاف مشاربنا وتنوع توجهاتنا، التبشير بهذه الثورة وتوضيح أهم أهدافها وقيمها ورسم أهم ملامحها، وردم الفجوة العميقة بينها وبين أمل تحققها واستكمال أهدافها، تلك الفجوة من اليأس التي تهدف إليها وتعمل على تعميقها كل أذرع الثورة المضادة..

كما يصبح من أهم واجباتنا الأكيد أن "مشروعنا السياسي" لا ينفك عن ثورة يناير، وأننا نسعى لاستعادتها وتحقيق أهدافها بكل أساسياتها وتقاليدها وقيمها ورموزها وكياناتها. فنحن لا نسعى لثورة جديدة، وإنما لاسترداد ثورتنا المختطفة واستكمالها.

كما يجب علينا الخروج فورا من "الثنائيات القاتلة للثورة المصرية"، وأخطرها ثنائية "العسكر/ والإخوان" أو "الإسلامي/ وغير الإسلامي"، ومن ثم ضرورة تأكيد ثنائية "الثورة/ والثورة المضادة". فلا ينبغي أن ننسى أن من أهم أسباب نجاح الانقلاب، وأهم أسباب بقائه حتى الآن مرتبط بخريطة الصراع التي فرضها وحرص عليها بقوة، والتي تعتمد بالأساس على تمزيق صفوفنا وتبديد وحدتنا.

_ ولا بد من العمل على "إعادة بناء كل صفوف المعارضة" على أساس "المبادئ المشتركة" التي تضع أهم ملامح المشروع الوطني الجامع، الذي نرتضيه جميعا والذي يرسم "خارطة المستقبل".

ولا بد من حرمان الانقلاب من أهم نقاط قوته وتمركزه في المجتمع وأخطرها "تمزيق للمجتمع" بصورة لم تحدث من قبل، وذلك من خلال "المصالحة المجتمعية" التي تمثل المسمار الأخير في نعش الانقلاب ومن ثم الديكتاتورية. وفي هذا الإطار، فإن المصالحة المجتمعية تعد ضرورة لتجاوز الانقسام الذي يتغذى عليه الانقلاب، كما يمكنها أن تكون أهم سبل محاصرة مخططاته في البقاء.

ولا بد من "طمأنة كل الأطراف بل والمؤسسات التي ورطها الجنرال" في الوقوف معه في خندق مناوئ للشعب ولثورته. فالأزمة المصرية التي صنعها الانقلاب عميقة وتستدعى احترافا في التعامل مع كل الأطراف، بما يؤدى لعزل الجنرال وأعوانه بعيدا عن جسم الدولة وكيان المجتمع، وهو ما يضمن نجاح الثورة بأقل خسائر لكليهما.

كما من الضروري استحداث "خطاب سياسي وإعلامي" رشيد يعمل على تفكيك جبهة الانقلاب وليس استنفارها، كما يعمل على استيعابها لا استبعادها، كما يعمل على التقريب بين القوى المتضررة من النظام الحالي وليس استمرار تنافرها والصراع فيما بينها، كما يبشر بمستقبل البلاد في ظل أهداف يناير، وليس التخويف من هذا المستقبل.

وختاما.. لا بد من العمل على تطوير "خطابنا الجماهيري" وتغيير ديناميات "حراكنا الشعبي"، لينشغل بشكل أساسي بالقضايا الاجتماعية ومعاناة الغالبية الساحقة من الشعب؛ لأن الثورة الشعبية تفقد أهم عناصر قوتها إذا انشغلت فحسب بالقضايا السياسية ذات الطابع والاهتمام النخبوي.. كما أن الانشغال بمعاناة الناس من أهم أسباب تجسير الفجوة بين القوى السياسية، حيث تصبح معاناة الناس هي الهم المشترك للجميع.