مقالات مختارة

هانتِ الجزائر فأغرتِ النواكر..!

1300x600

تأتي الانتخابات الرئاسيّة وفق الأعراف الديمقراطية الدولية في مصافّ الاستحقاقات الوطنيّة والرهانات الشعبيّة، لتحقيق التطلعات المنشودة وبلوغ الآفاق الموعودة، وصناعة التغيير نحو الأفضل في ميادين الحياة كافّة، إذ تنقل البلد من ضفّة إلى أخرى، راسمة مسارًا جديدًا في تاريخها المعاصر، بفعل الاختيار الصائب للزعامات والمشاريع والبرامج، لذلك يستقطب الحدث الرأي العام، المحلّي والإقليمي وحتّى العالمي أحيانا، على أوسع نطاق، فقد تقلب مخرجاته الأوضاع الداخليّة والخارجية رأسًا على عقب.


أمّا في الجزائر، وبعد استهلاك 30 عامًا بالتمام من عمر التجربة الديمقراطيّة، فإنّ الموعد الأهمّ في الحياة السياسية العامّة قد تحوّل إلى مناسبة سمجة للتنكيت والتنفيس والتندّر بمآسي الوطن، وفق المثل الشعبي الشهير: “همّ يضحك وهمّ يبكي“!


لم تمض أيّام قليلة عقب استدعاء الهيئة الناخبة، حتى تهافت أكثر من 100 طامع في رئاسة البلاد، من النواكر والمجاهيل، التي لا نعلم عن أصلها السياسي وفصلها النضالي مثقال ذرة، طبعًا هذا الرقم المهول سجّلناه بعد خصم قيادات حزبيّة معروفة من التعداد الإجمالي المرشّح للارتفاع.


ربّما يقول قائل إنّ هؤلاء مجرّد “مرضى نفسيًّا“ يلهثون خلف شهرة زائفة، ولا يعبّرون عن واقع الاستحقاق الرئاسي.. لا شكّ في أن هذا التشخيص يعكس بعض الصواب، لكنّه يغفل عن قراءة ما وراء النفسيّات والرغبات من استخفاف بالأمر الجلل.


قبل عشرين عامًا، يوم تقلّد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة سدّة الحكم، نافسه على عرش المراديّة فرسانٌ كبار، تجاوزت المسيرة الوطنيّة لبعضهم نصف قرن، من وزن الزعيم حسين آيت أحمد، رحمه الله، ونجل الإبراهيمي، أحمد طالب، وقائد الولاية الرابعة، يوسف الخطيب، ومهندس الانفتاح والإصلاحات، مولود حمروش، رفقة التكنوقراط الذي حنّكته دواليب الإدارة والدولة، مقداد سيفي، مع أحد أبرز مؤسسي الحركة الإسلاميّة، الشيخ عبد الله جاب الله، كما نشير إلى إقصاء رمز الإخوان المغاربي، المرحوم محفوظ نحناح، من السباق.


لم نسمع يومها أن مواطنين تقدَّموا نحو وزارة الداخليّة لإبداء الرغبة في مزاحمة هؤلاء المتنافسين، لأنّ الأغلبيّة منهم وجدوا أنفسهم وتطلعاتهم وأحلامهم مجسّدة في أفكار المرشّحين المتسابقين وهويتهم.


لكن الأوضاع تغيرت كثيرا الآن نحو السيِّئ، فأصبح منْ هبّ ودبّ تسوّل له نفسه المكبوتة التحرّش برأس السلطة، كأنها عرينٌ مستباح، بعدما سقطت، أو أسقطت، من عيون المجتمع المرجعيّاتُ السياسية والرموز الوطنيّة، فتساوى الرّعاع بالرّعاة في ساحة الغاب، التي لا تُعير قدرًا لسابق فضل وبلاء في النضال لأجل الدين والوطن.


لقد تآكلت، وفق قوانين البيولوجيا والحياة، الكثيرُ من تلك الشخصيات والتنظيمات الثقيلة التي يمكن التعويل عليها في استكمال مسيرة الجزائر، في وقت تبدو الطبقة السياسيّة عمومًا، حكما ومعارضة، عاجزة عن تجديد نفسها، بما يُبرز كفاءات واعدة بإمكانها رفع التحدّي والاستجابة للرهانات الكبرى التي تفرضها التحوُّلاتُ الوطنيّة والكونيّة من حولنا.


ذلك أنّ الجزائر تدفع خلال هذه السنوات ضريبة التصحّر السياسي، الذي وقعت فيه، بفعل الطيش السلطوي والتطرّف، فلا أمل في تخضير الأرض القاحلة دون استصلاح منهجّي وجادّ، أليست هكذا هي قواعد الزراعة؟ 


لقد أفضى بنا زمن الرداءة، بتعبير المرحوم مهري، إلى طمع الرّويبضة في شأن الأمة الأسمى، إثر انصراف العقلاء إلى حاجياتهم الخاصّة، والنأي بأنفسهم عن السقوط في وحل التلوّث، فكيف نرجو خلاصًا موهومًا، بينما لا يستقيم وضعُ الأوطان بتقديم العربة على الحصان؟

عن صحيفة الشروق الجزائرية