صحافة دولية

رهينة لدى تنظيم الدولة بالنيجر يروي لـ"الغارديان" قصته

رهينة لدى تنظيم الدولة في النيجر: يريدون قتل الجنود الأجانب- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلتها في غرب أفريقيا روث ماكلين من نيامي عاصمة النيجر، تقول فيه إنه عندما وقع فريق من القوات الأمريكية الخاصة التي تلاحق مقاتلي تنظيم الدولة في كمين للتنظيم، وقتل أربعة من الجنود الأمريكيين، فإن قائد القوات الأمريكية في أفريقيا وصف الهجوم بأنه كان "مفاجأة تكتيكية تماما". 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مقتل هؤلاء الجنود تحول إلى فضيحة سياسية في واشنطن، حيث لم تكن هناك معرفة بعمليات للقوات الأمريكية في تلك المنطقة، وما زاد الطين بلة هو قول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأرملة أحد الجنود عندما اتصل بها ليعزيها إنه "كان يعلم طبيعة العمل الذي اختاره".

 

وتنقل ماكلين عن الجنرال الأمريكي ثوماس والدهاوزر، قوله الشهر الماضي: "لم يروا أي شيء بهذا الحجم، العدد وإمكانية التنقل والتدريب"، وذلك عندما قدم نتائح التحقيق في الهجوم، الذي توصل إلى وجود "فشل على مستوى الفرد والمؤسسة" أدى إلى الوقوع في الكمين.

 

وتستدرك الصحيفة بأن المجموعة التي هاجمت الفريق الأمريكي بالقرب من قرية تونغو تونغو، قرب الحدود المالية، قامت بعدة هجمات، بما في ذلك واحد مشابه بالحجم على موقع متقدم لحرس الحدود التابع للنيجر قبل ذلك بعام تقريبا. 

 

ويكشف التقرير عن أنه في ذلك الهجوم، كما في هجوم تونغو تونغو، ظهر فجأة أكثر من 100 رجل مسلحين بأسلحة ثقيلة على دراجات نارية وفي سيارات، وقاموا بقتل ستة جنود نيجريين، وأخذوا اثنين رهائن، ولم يبق على قيد الحياة سوى واحد.

 

وحصلت "الغارديان" على معلومات نادرة عن تلك المجموعة المرتبطة بتنظيم الدولة، من خلال مقابلة مع هذا الجندي، الذي قضى ثلاثة أشهر مربوطا رهينة لديهم.

 

وتنقل الكاتبة عن عبد الواحد (28 عاما)، قوله إنه تحدث للعديد من مختطفيه، الذين قالوا إنه ليست لديهم مطالب، وإنما يريدون فقط أن يجاهدوا، وتحدثوا عن رغبتهم في قتل الجنود الأجانب بالذات، وأضاف أنه رآهم يجندون ويدربون أطفالا أعمارهم حوالي 10 سنوات.

 

وتورد الصحيفة أن عبد الواحد وصف ذلك الصباح البادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، عندما تمت مهاجمة 17 جنديا في موقعهم المتقدم، من مجموعة من المسلحين، وكان يقودهم رجل نحيف، هو أبو بكر شابوري، الذي يلقب أيضا بشابوري الصغير، وهو أحد المساعدين الرئيسيين لقائد تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى أبي وليد الصحراوي.

 

وقال عبد الواحد للصحيفة: "أطلقنا عليهم النار حتى لم يعد لدينا رصاص.. وحينها كان قد قتل ستة من الجنود، بما في ذلك القائد، الذي ضرب رصاصة في رأسه أمامنا جميعا، وتم أخذ اثنين منا رهائن".

 

وينوه التقرير إلى أنه تم وضع عبد الواحد في شاحنة صغيرة، ومعه زميله حبيب عيسى، وانطلقت قافلة الجهاديين بسرعة، مشيرا إلى أن عبد الواحد وعيسى تدربا معا، وقال عبد الواحد: "كنا فعلا صديقين حميمين"، وتم نقلهما عبر الأدغال الجافة في شرق النيجر، وكان عبد الواحد يعرف المنطقة جيدا، وعرف أين كانوا ذاهبين به، وعندما وصلوا منطقة تونغو تونغو وقفوا وأنزلوا عيسى من الشاحنة، وقال عبد الواحد: "لقد ذبحوا صديقي وقالوا إنه كلب.. ثم ربطوا يدي ورجلي معا وغطوا عيني، وقالوا: هل رأيت ما حصل لصديقك؟ أنت التالي".

 

وتستدرك ماكلين بأنهم أبقوا عبد الواحد على قيد الحياة، مربوطا في خلف الشاحنة، التي استمرت لمدة يومين عابرة الحدود المالية، ومروا خلال قرى في الطريق، حيث يقول عبد الواحد إنه سمع القرويين يصيحون "الله أكبر"، فشعر أنه دخل أراضي العدو.

 

وتقول الصحيفة إنه من غير المعلوم كم كان عدد المقاتلين، إلا أن بعض المحللين يقولون إنهم كانوا أقل من 100، مستدركة بأن عبد الواحد يقدر بأنه رأى حوالي 600 مقاتل، وقالوا له إنه لم ير سوى نصف عددهم.

 

ويفيد التقرير بأنه منذ هجوم تونغو تونغو، فإن وزير الداخلية النيجري محمد بازوم قال بأنه تم إضعاف المجموعة بشكل كبير، ولم يبق سوى عدة مئات منهم، مستدركا بأنه بحسب مصادر أمنية مالية ونيجرية تحدثت مع "الغارديان"، بشرط عدم ذكر أسمائهم، فإن هجوم تونغو تونغو جلب الاحترام للصحراوي، والمال لتنظيم الدولة وفروعه، مثل بوكو حرام في نيجيريا المجاورة، حيث قال أحدهم: "تونغو تونغو أعطت أبا وليد أهمية كبيرة ودعما من رؤسائه".

 

وتذكر الكاتبة أن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس، أمر بإعادة دراسة لقوات مكافحة الإرهاب في أفريقيا بعد ذلك الهجوم، وهو ما قد يؤدي إلى تخفيض الميزانيات لعمليات مشابهة إلى النصف على مدى الثلاث سنوات القادمة.

 

وتقول الصحيفة إنه لا يعرف الكثير عن تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، فقامت "الغارديان" بمحاولة تجميع تاريخ هذا التنظيم، من خلال الحديث مع مصادر استخباراتية وعسكرية وسياسية، بالإضافة إلى مصادر من المتمردين في مختلف أنحاء النيجر.

 

ويشير التقرير إلى أن الصحراوي هو القائد والمؤسس، قد يكون جهاديا بايع تنظيم الدولة، لكن جيشه المحمول على الجمال والدراجات النارية لا يشبه كثيرا مقاتلي تنظيم الدولة في العراق وسوريا.

 

وتبين ماكلين أنه يعتقد أن الصحراوي أصلا من المناطق المتنازع عليها في الصحراء الغربية، وقضى وقتا في الجزائر قبل أن يقدم إلى مالي، وانفصل بعد سنوات من العمل مع حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا، وحركة المرابطين المرتبطة بتنظيم القاعدة، ليشكل تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، مستغلا الصراع الدائر بين النيجر ومالي على الحدود، الذي استمر لعقود، وكان يمكن استغلاله.

 

وبحسب الصحيفة، فإن الصحراوي اختار الرعاة من قبائل الفلاني في مناطق تيلابيري وتاهوا، الذين كانوا على صراع لعقود مع طوارق الدوساهاك من منطقة ميناكا في مالي، مشيرة إلى أن السجلات تظهر بأن هناك قتالا حول المياه والمراعي منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن بحسب بعض المصادر التي شهدت الصراع يتطور، فإنه ازداد حدة في تسعينيات القرن الماضي.

 

ويورد التقرير أن اتفاقية تم توقيعها بين النيجر ومالي في التسعينيات تسمح للرعاة الذين يبحثون عن الماء من النيجر الجافة بالدخول إلى أراضي منطقة ميناكا في مالي الأقل جفافا، لكن لم يتم شرح هذه الاتفاقية للناس الذين يعيشون في المنطقة، لذلك فإنه عندما وصل الرعاة النيجريون من قبائل الفلاني ومعهم مئات الأبقار إلى مالي قام طوارق الدوساهاك بالرد بمهاجمة قطعانهم.

 

وتوضح الكاتبة قائلة: "لأنهم كانوا من النيجر، ولم يكن قيادات قبائل الفلاني ممثلون في مالي، وليس لهم اصدقاء في مناصب كبيرة ليقوموا بدعمهم، فإنهم بدأوا بمقايضة أبقارهم مقابل رشاشات كلاشنكوف لحماية أنفسهم، ومع حلول عام 2010، قامت كل من قبائل الفلاني وطوارق الدوساهاك بشن هجمات دموية على معسكرات بعضهما".

 

وتقول الصحيفة إنه جاء بعد ذلك سقوط القذافي في ليبيا المجاورة، حيث عاد الطوارق الماليون الذين كانوا يعملون في الجيش، وجلبوا معهم السلاح والمال، وانفجر شمال مالي، فعندما انضموا الى المتمردين لخلق حركة انفصالية، هي الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وانضم إليها الكثير من طوارق الدوساهاك، وبحسب وزير داخلية النيجر محمد بزوم، فإن هذا دفع بشباب قبائل الفلاني لأن ينضموا إلى حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا، ليس رغبة في الجهاد، لكن لحماية أنفسهم ضد عدوهم القديم.

 

ويلفت التقرير إلى أن الصحراوي قام بأخذ عدد من شباب قبائل الفلاني من حركة الوحدة والجهاد والمرابطين، وكذلك بعض المقاتلين الطوارق والعرب؛ ليضمهم إلى صفوف تنظيم الدولة، وكانوا مجموعة صغيرة في البداية، وزاد عددهم وقوتهم العسكرية بشكل رئيسي، من خلال مهاجمة الجيش النيجري. 

 

وتورد ماكلين نقلا عن بزوم، قوله إنه منذ أن عين وزيرا للداخلية أرسل مبعوثين ليسألهم ماذا يريدون، ويضيف: "قلت لهم، إن كان لديكم أي مطالب سياسية أو مشكلات مع العدل أو الإدارة او الدول أخبروني.. نحن مستعدون لمناقشة مشكلاتكم معكم لنجد لها حلا، اعلنوا أنكم جبهة ثائرة لديها مطالب من دولة النيجر". 

 

ويقول بزوم إن الرد وصله على شكل رسالة مكتوبة بخط اليد من الصحراوي نفسه، يقول فيها: "لا ليست لدينا مشكلة معكم، نحن نجاهد ضد مالي"، وقال إنه كان مع الرسالة قائمة بأسماء بعض السجناء من تنظيمه في سجون النيجر، الذين يريد إطلاق سراحهم، ووعد إن أطلق سراحهم سيقوم تنظيم الدولة بحماية النيجر من الهجمات. 

 

ويضيف الوزير: "أطلقت سراح بعضهم كبادرة حسن نية، لكن لم أستطع إطلاق سراح الجميع، فبعضهم كان لا يزال قيد المحاكمة".

 

وتقول الصحيفة إن "الاتصالات انقطعت بعد ذلك، وزادت الهجمات، وإن كان البعض يعتقد أنه يمكن مصالحة تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، فإن الوزير ليس واحدا منهم، ولا يرى حلا سوى الحرب ضدهم".

 

وينوه التقرير إلى أن عبد الواحد كان مقيدا طيلة الوقت، وتفك قيوده أحيانا ليقوم بقضاء حاجته، ولم يقدم له سوى الخبز والماء، وقال إن الجنود الأجانب كانوا هم الهدف الأكبر للتنظيم، حيث كان هناك الكثير من الجنود البيض في مالي، الذين لا يدري إن كانوا أمريكيين أم فرنسيين.

 

وتنقل الكاتبة عن عبد الواحد، قوله إنه كان محتجزا لدى المسؤول عن التجنيد شابوري الصغير، وإنه جاءه يوما "وسألني إن كنت شربت الكحول عندما كنت جنديا، فقلت لا، فسألني إن كنت دخنت، فقلت نعم، وسألني إن كنت مارست الجنس مع النساء، فقلت نعم، وكم فرشة كنت أفرش للنوم، قلت اثنتين أو ثلاث، فضحك وقال: انظر إلى حياتك الآن إنك تنام على الأرض ودون أي فراش"، وأضاف: "شابوري الصغير يتحدث عن الإسلام، لكنه في الحقيقة ليس مؤمنا، إنه مجرد سفاح".

 

ويقول عبد الواحد إنه لم ير أحد من المجموعة يمارس الإسلام كما يعرفه هو، فلم ير أيا منهم يتوضأ للصلاة، ولم يسمحوا له هو بأن يستحم، وصلوا قصرا، وعندما سألهم لماذا قالوا إنهم مسافرون.

 

وتختم "الغارديان" تقريره بالإشارة إلى قول عبد الواحد إنه عندما كان يسألهم لماذا يقاتلون، فإنهم كانوا يجيبون دائما بأنهم لا يريدون شيئا، لكن "مهمتنا هي الجهاد".