قضايا وآراء

إيران تتويج للانتصار أم بداية خروج من الميدان؟

1300x600
يأتي إسقاط الطائرة الإسرائيليّة في السّياق الطبيعي لمجرى الأحداث التي وصلت لعنق الزّجاجة وحافّة الهاوية. ففي عام 2011م، كاد الأسد يتنازل عن السّلطة "لولا التّدخل العسكري الإيراني في سوريا"، وفق تصريح عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، علي آقا محمدي.. تصريح محمدي والمسؤولين الإيرانيين خلال السنوات المُنصرمة؛ كشف بما لا يدع مجالاً للشكّ مدى الجهد الإيراني في الحفاظ على الأسد لإدراكها أن مصيرها في سوريا ولبنان لاحقاً مرتبط بالأسد ونظامه. وأوشك الأسد على السّقوط رغم ما حشدته إيران من مليشيات طائفيّة، وما قدمته من دعم عسكري ومادي وسياسي له، فأسعفها التّدخل الرّوسي الذي بدأ يسيطر على مفاصل السّيطرة العسكرية، ويبرمج خارطة ما تبقى من الجيش السوري ليكون تحت الإمرة الرّوسية من خلال قاعدة حميميم، ناهيك عن السيطرة على القرار السّياسي، ولم ينتظر الرّوس انتهاء الحرب لقطف ثمار سيطرتهم العسكريّة والسياسيّة في سوريا.

ومع نهاية داعش، ورسم الخارطة العسكرية لنقاط خفض التّصعيد عبر تفاهمات كان الجانب التّركي فيها طرفاً مقابلاً للروس، خلافاً للإيرانيين الذين ظهروا تابعين للقرار الرّوسي شأنهم شأن النّظام السّوري، ظهر واضحاً أنّ الصّدام قادم لا محالة بين الرّوس والإيرانيين، خلافاً لما يبدو طافياً على السّطح من ود. وثمّة مؤشرات عدّة ترسم هذا الانطباع، فقد سحب الرّوس ملف الفوسفات من الإيرانيين، واستحوذوا على ملف الغاز والنّفط من ألفه إلى يائه.

وهذا يجعلنا نعتقد أنّ إسقاط الطائرة الإسرائيليّة كان فخّاً روسيّاً للإيرانيين هدفه المستقبلي إخراجهم من سوريا، وما يدلل على ذلك أنّ إسقاط الطائرة جاء عقب الزّيارة الثّامنة لنتنياهو لموسكو خلال عامين، زيارات يسبقها ويعقبها غارات إسرائيلية تدّعي غالباً استهداف شحنات أسلحة لحزب الله. فالطّائرة الإسرائيليّة لم تسقط عبر منظومة "s400" الرّوسيّة، كما جاء الرّد الرّوسي باهتاً تماماً كالرّد الرّوسي الذي أعقب المقتلة التي فعلها الطّيران الأمريكي بحق لواء الباقر "الإيراني"، حيث قتل في لحظات أكثر من 100 مقاتل، مما يؤكد الفرضيّة القائلة باتفاق ضمني بين روسيا وأمريكا وإسرائيل والسعوديّة على إخراج إيران والمليشيات المرتبطة بها من سوريا، مقابل إطلاق يد روسيا في سوريا.

وتحاول إيران، التي تشعر بزهوة الانتصار من خلال الإبقاء على الأسد ودحر داعش، عرقلة هذا السيناريو من خلال أمرين؛ أحدهما محاولة تعطيل تفاهمات أستانة. فقد قصفت المليشيات الطائفية المتمركزة في "الحاضر" جنوب حلب؛ رتلاً تركياً قرب بلدة "العيس"، كان وصل لوضع نقاط مراقبة، وقد تكرر هذا مراراً من المليشيات المرتبطة بإيران، ليتدخل الرّوس لاحقاً لحل الخلاف.

وثانياً، زيادة الوجود العسكري الإيراني جنوب سوريا. فزيادة الوجود الإيراني جنوب سوريا مشابه للوجود جنوب لبنان، وجود يجعلها رقماً صعباً في المعادلة. فإيران تنظر لوجودها وتوسعها من منظور عقائدي، وتعتقد أن العالم يتآمر عليهم لمنع ظهور المهدي، وفق كلام محمدي "أعداء إيران يخططون لإسقاط النظام الإيراني قبل ظهور المهدي".

وما يرجّح سيناريو إخراج إيران، عجز الرّوس الخروج من المستنقع السّوري دون تنفيذ هذا السيناريو. فقد أكّدت الولايات المتّحدة الأمريكيّة صراحةً، على لسان وزير خارجيتها تيلرسون، أنّ "ابتعاد الولايات المتحدة عن سوريا سيتيح لإيران فرصة ذهبية لتقوية وجودها ونفوذها، وأنّ انسحاب العسكريين الأمريكيين كليّاً من سوريا سيساعد الأسد على البقاء"، وهذا ما يتناقض مع الاستراتيجية الأمريكيّة الجديدة التي "تمهد الطّريق دبلوماسيّاً لرحيل بشار الأسد لاحقاً، وليس على المدى القصير"، وفق ما صرّح به تيلرسون.. ويدرك الرّوس أنّ هذا لن يتم طالما إيران موجودة.

وبالمقابل، فإنّ اتفاقات خفض التّصعيد التي تفاهمت بموجبها روسيا مع تركيا لا يمكن أن تكون نهاية المطاف، بل وسيلة لغاية تفضي لحل سياسي. وهذا الحل تتّفق في نهايته تركيا وأمريكا حول نقطة الأسد. فأردوغان مهما سار مع روسيا في تفاهمات أستانة، فإنّه لا يستطيع القبول باستمرار الأسد، وقد عبّر أردوغان عن ذلك في أكثر من موقف مؤخراً.

ويخشى الرّوس عند هذا المنعطف من تقارب تركي أمريكي يقلب الطّاولة عليهم في لحظة ما، فعقدة المنشار التي تقف عائقاً بين تركيا والولايات المتحدة تتمثل بالدّعم الأمريكي للقوات الكردية. وهذه عقدة يمكن تجاوزها، ولا سيما أن معظم القوى السّياسيّة الكرديّة ذات النّزعة الانفصاليّة باتت تدرك أن الظّرف التّاريخي المناسب لم يأتِ، فالواقعيّة السّياسيّة لطبيعة العلاقات تجعل مشروعهم مؤجلاً.

وتدرك موسكو أن إسرائيل مسرورة ببقاء الأسد الضّعيف لكن دون إيران، وأخبر نتنياهو بوتين ذلك صراحةً خلال الزيارة الأخيرة لموسكو: "اتساع النشاط الإيراني هو تطوّر خطير يخلق وضعاً جديداً، ويجعل من سوريا ساحة صدام إسرائيلي إيراني ولن يمرّ بسكوت إسرائيل". ولا شكّ أنّ الرّوس متضررون من هكذا صراع، ويفضلون خروج إيران على حصوله.

وبالمحصلة: لا يستطيع الرّوس الإبقاء على الوضع الحالي إلى ما لا نهاية في سوريا، ويدركون أن بيان الخماسية قبل مؤتمر سوتشي "المهزلة"، وتصعيد الخطاب الغربي حول استخدام الأسد الكيماوي وضرورة فتح ملفه من جديد، فضلاً عن التهديد باستخدام القوة.. ليس كلاماً في الهواء، وعليه فإخراج إيران من سوريا المخرج الوحيد للروس.