صحافة دولية

بلومبيرغ: إلى أين تمتد حدود اللعبة السعودية في المنطقة؟

بلومبيرغ: استخدام ابن سلمان للاحتجاجات لن يمنع إيران من الرد عليه- أ ف ب

نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا للكاتب غلين كيري، يقول فيه إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حقق نجاحات مزيجة العام الماضي، مشيرا إلى أنه وإن نجح على الملف الداخلي، إلا أن العام ذاته كان بمثابة الفشل على السياسة الخارجية.

 

وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن خبراء، قولهم إن القادة العرب، من جمال عبد الناصر إلى صدام حسين، فشلوا في محاولات تشكيل العالم العربي بناء على نجاحات داخلية، حيث هزم عبد الناصر في اليمن، وتكبد خسارة فادحة أمام إسرائيل، أما صدام حسين فإنه واجه إيران من عام 1980- 1988، وغزا الكويت عام 1990، وكلتا الحربين انتهت بنهايات دموية. 

 

ويورد كيري نقلا عن ضابط المخابرات السابق والمحاضر حاليا في جامعة جورج تاون بول بيلار، قوله إن الأمير البالغ من العمر 32  عاما ربما رغب بأن يكون مختلفا عن أعمامه من الملوك، ووالده البالغ من العمر 81 عاما، ويريد ترك أثر، ما يدفعه للمخاطرة، وفي المخاطرة هناك الكثير من مظاهر الفشل.

 

ويشير الموقع إلى أن حلفاء السعودية باتوا قلقين من حدود اللعبة السعودية في المنطقة والمخاطر التي قد تجلبها، لافتا إلى تصريحات ابن سلمان النارية حول إيران، ووصفه مرشدها الأعلى آية الله خامنئي بهتلر الشرق الأوسط، وبأنه يريد نقل المعركة للداخل الإيراني، في محاولة منه لوقف تأثيرها على المنطقة العربية. 

 

ويلفت التقرير الانتباه إلى شريط قصير انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، وهو عبارة عن مقتطفات من مقابلة أجرتها قناة سعودية معه قبل 8 أشهر، وفيها تهديد بنقل المعركة إلى داخل إيران، مشيرا إلى أن سر الاهتمام في المقابلة هو الاحتجاجات التي اجتاحت إيران خلال الأيام الماضية ضد الفساد والنخبة الحاكمة. 

 

ويقول الكاتب إنه "ليس واضحا إن كان للسعودية دور في إثارة الاحتجاجات أم لا، إلا أن ما هو واضح هو التحركات التي اتخذتها السعودية لمواجهة التأثير الإيراني في المنطقة، التي لم تحقق نجاحات بعد". 

 

ويجد الموقع أن آثار الهزيمة لم تظهر على أعداء الأمير، لكن حلفاءه في المنطقة والخارج يشعرون بالقلق في العالم السني، والدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي أبعدت نفسها عن مغامرات المملكة، تواجه اليوم نتائجها. 

 

ويعترف التقرير بما حققه الأمير ابن سلمان على الصعيد الداخلي، من تقوية موقعه بصفته وليا للعهد، وتحييده منافسيه في اللعبة السياسية كلهم، مستدركا بأن جهوده ضد إيران في الخارج فشلت، سواء كانت في اليمن والعراق ولبنان وسوريا. 

 

وينقل كيري عن مؤسس "ألف" للاستشارات في نيويورك هاني صبرا، قوله إن ابن سلمان يتعامل مع التحديات المحلية والإقليمية بالجرأة ذاتها، فـ"على الصعيد المحلي نجحت سياسته الجريئة، وتفوق على عدد من أقاربه المؤثرين، أما في الخارج فإن نهجه أدى إلى خلق عدد من المخاطر". 

 

وينوه الموقع إلى أن "القصف الجوي في اليمن لم يستطع ترويض جماعة الحوثيين، التي تتكون من مقاتلين يرتدون الصنادل، ويحملون (إي كي-47)، بل استطاع هؤلاء تهديد المدن السعودية، وإطلاق صواريخ باليستية وصلت إلى الرياض".

 

ويستدرك التقرير بأنه في المقابل فإن ابن سلمان لم يكن قادرا على تعبئة الحلفاء لدعم جهوده الحربية في اليمن، مشيرا إلى أنه حتى مصر، التي تعتمد ماليا على السعودية، لم تبد حماسة للمشاركة العسكرية، أو حتى دعم خطة ابن سلمان لمواجهة إيران. 

 

ويفيد الكاتب بأن لبنان، الذي حاول الأمير التدخل فيه سياسيا وليس عسكريا، وأجبر رئيس وزرائه سعد الحريري على الاستقالة؛ في محاولة منه لإضعاف حزب الله، التنظيم الوكيل لإيران، فإن النتائج كانت عكسية، فبعد عودته إلى بيروت تراجع الحريري عن استقالته، فيما عبرت الولايات المتحدة وأوروبا عن قلقها، وتدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيا لحل القضية.

 

ويذكر الموقع أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وبخ السعوديين، ودعاهم علنا للتفكير بعواقب تصرفاتهم، وأشار تيلرسون لليمن ولبنان وقطر، التي تحاصرها السعودية اقتصاديا، والتي تعاقبها السعودية على عدد من الأمور، منها العلاقة الدافئة مع إيران، مشيرا إلى أن الحصار أدى إلى تقوية هذه العلاقات، فيما تهدد قطر برفع دعوى قانونية وطلب تعويضات من السعودية على الأضرار الناتجة عن الحصار. 

 

وبحسب التقرير، فإن علامات قلق ظهرت من الكويت وعمان، الدولتين العضوين في مجلس التعاون الخليجي، من السياسة العدوانية للسعودية، واستخدمتا الأزمة لتعميق العلاقات التجارية والعسكرية، لافتا إلى أن ابن سلمان تجرأ على تحركاته، معتمدا على الحلف القوي الذي أقامه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعادي إيران بالدرجة ذاتها. 

 

ويبين كيري أن خبراء يحذرون الأمير من المبالغة في اللعبة، واستخدامه الاحتجاجات في إيران لإضعاف النظام، حيث يقول المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة جيمس دورسي: "ستتجنب إيران المواجهة المباشرة.. لكن لديها القدرة على الانتقام من خلال وكلائها في لبنان والعراق، وتقوم بإثارة الاضطرابات في المنطقة بين شيعة البحرين، وفي داخل السعودية ذاتها"، ويضيف دورسي أن جهود وقف النشاطات الإيرانية تعتمد على أمريكا، وهي "استراتيجة خطيرة"، في ضوء غياب الدعم الدولي لترامب بعد إعلانه عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، بالإضافة إلى مواعيد تنتظر الرئيس للقرار بشأن الاتفاقية النووية، وقد تقود واشنطن بعيدا عن الإجماع الدولي.  

 

ويعتقد الموقع أن الإصلاحات الداخلية لابن سلمان أثرت على السياسة الخارجية من ناحية تخليه عن دبلوماسية "دفتر الشيكات" التي لم تعد تنفع، حيث دفعت السعودية مليارات الدولارات لأصدقائها الذين استخدموها لتمويل أجندتهم الشخصية، بحسب علي الشهابي من مؤسسة الجزيرة العربية في واشنطن. 

 

ويذهب التقرير إلى أن السلطة المطلقة التي يتمتع بها الأمير ابن سلمان لا تمتد إلى خارج حدود المملكة، منوها إلى أن صبرا يعتقد أن هذا مرتبط بعدم وعيه، أو عدم اهتمامه بالتفاصيل المحلية في المنطقة والدول الأخرى، "وهذا هو أصل المشكلات".

 

ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالقول إن "القادة العرب تعلموا من قبل أن النجاحات الداخلية، مثل تقوية السلطة والثروة وتحييد الأعداء، ليست مهمة، عندما كانوا يحاولون تشكيل الشرق الأوسط بحسب ما يريدون".