قضايا وآراء

أمراء الخيانة والدم

عمرو عادل
1300x600
1300x600
في الكتاب الشهير "الأمير" لصاحبه ميكافيللي أثناء سرده لمثال عمن وصلوا لمنصب الإمارة بالخديعة؛ يذكر الكاتب تلك العبارة نصا "فحُسْن ارتكاب الجريمة القاسية (إذا كان بإمكاننا استخدام كلمة حسن عند الحديث عن النوايا الشريرة) يمكّن من جني الثمار فيما بعد. أما عندما ترتكب الجرائم بطريقة خاطئة فإنها تزيد من أعداد من يعارضوننا مع مرور الوقت، ولا تقضي عليهم".

هذه العبارة جاءت في سياق المقارنة بين أجاثوكل وهو من قام بفظائعه بطريقة "حسنة" كما يصفها ميكافيللي، والآخر أولفيرتو وهو قتل خاله الذي رباه بلا رحمة مع مذبحة كبرى للتخلص من مناوئيه في السلطة؛ واعتبرها ميكافيللي استخداما للقسوة بطريقة "ليست حسنة". يبدو أن هذا الرجل حقا يستحق أن يكون كتابه (الأمير) هو دستور الاستبداد والسلطة الباطشة.

بالتأكيد يسير من يمتلك أمور مصر على هذا المنهج وربما كان هذا الباب تحديدا أهمها بالنسبة له، فمن وصل لرأس السلطة في مصر وصل بالخديعة وعلى وقع مذابح كبرى؛ وإذا سرنا وراء حكايات أمراء ميكافيللي سنجد أن مذابح مصر لم تكن حسنة على الإطلاق، وكل المحاولات التي تسعى إليها سلطة الانقلاب لطمس ما حدث بعد الانقلاب العسكري ذهبت أدراج الرياح وبقي "السوء" الذي صاحب المجازر.

وفي حكاية الأمير أولفيرتو؛ لم يستطع أن يستمر طويلا حيث إنه كما ذكرنا لم تكن فظائعه تقام "بطريقة حسنة" فتم إعدامه بعد عام واحد، فدائما ما تكون الجرائم البشعة الناتجة من الخيانات الكبرى صعبة التجاوز والنسيان.

ويشير ميكافيللي إلى أن طريقة الخداع في الوصول للحكم تحتاج أن تتم كل الجرائم دفعة واحدة، أما إذا لم يحدث ذلك؛ فسيعاني من يحكم من إزعاج دائم وسيظل واقفا والخنجر في يده، وربما هذا ما نراه اليوم في مصر.

ما حدث في الأيام الماضية في مصر يشير إلى حقيقة الخنجر الدائم في يد من سطوا على مصر، فكما تدور القوى الثورية "بصرف النظر عن قوة تأثيرها الحالي" في متاهات ودوائر لا تستطيع الخروج منها؛ فقد أنتجت السنوات الست السابقة حالة مشابهة للانقلاب العسكري وهو أيضا يدور في دوائر مغلقة وربما أكثر سوءا من دوائرنا، فرأينا حالة من السيولة الأمنية الكبرى داخل الدولة.. كلما حاول النظام تصدير الإحساس للمجتمع بتحسن الحالة الأمنية؛ عادت الأحداث لتثبت عكس ذلك بل وربما بصورة أكثر حدة مما كانت عليه سابقا، وهذا في كافة الملفات وليس في ملف الأمن فقط، فالمعاناة في الاقتصاد والأمن وغيرها لا تخفى علي متابع.

إن قرار نزول الجيش في الشارع أحد مظاهر حالة السيولة التي لم يستطع النظام الانقلابي الخروج منها منذ حدوثه في 2013، ويشير أيضا إلى أن الأمور تتحرك بشكل ما نحو مسار خطير مختلف بشكل جذري عن المسارات السابقة في مصر، حيث أصبح هناك استحالة في إعادة كل المجتمع إلى حظائر ما قبل 2011. 

كثيرة هي الدماء التي سالت في مصر؛ ويبدو أن الخنجر الميكافيللي المجنون لا يشبع من الدماء، ولكنه يأمل أن ينقل الخنجر إلى يد أخرى ليستريح قليلا. ولا أفضل من وضعه في يد أعدائه ليقتلوا بعضهم بعضا بخنجره.

إن محاولة توصيف ما يحدث في مصر على أنه صراع طائفي هو خطأ بالغ حتى لو كانت الكنيسة وجزء كبير من المسيحيين مشاركين في دعم الانقلاب العسكري؛ لأنه توجيه خاطئ للمعركة، فالعدو الرئيسي لكل المجتمع المصري هو العسكر ومنظومته، وتوجيه الغضب إلى المسار الطائفي هو بمثابة فك الحصار عن العسكر مهما كان حجمه متواضعا؛ وإعطائهم الفرصة لوضع خنجرهم أرضا، بل ووضعه في أيدينا نحن وكيلا عنهم لنقتل بعضنا بعضا.

فمهما كان حجم التوتر أو حتى المشاكل الطائفية في مصر فلا ترقى بأي حال إلى الصراع الوجودي مع النظام الحاكم، فمن الضروري دائما أن تكون المعركة محددة المعالم ومفهومة ولا نسمح بجرها إلى مساحات أخري زائفة.

لقد أخطأت الكنيسة خطأ بالغا – كما غيرها من المؤسسات – في المساندة المطلقة للانقلاب العسكري؛ ومن المتوقع بعد انهيار المشروعات السياسية بكل هذا الكم من العنف أن تنشأ أفكار شديدة التطرف ضد الجميع، وتدفع إلى مسارات قد تكون مدمرة على كل المجتمع وقد تحفز من التشوهات في رؤية كامل الصورة.

إن الرسائل المنطلقة مع دخان الانفجارات التي حدثت في مصر تخرج منها رائحة الاحتراب الأهلي الطائفي، قد يحدث ذلك فعلا أو قد يصنع زيفا كما الكثير مما نسمعه ونراه في مصر، وعلى الجميع منع ذلك بكل قوة والتركيز على المعركة الكبرى؛ معركة إنقاذ مصر من الاحتلال بالوكالة، وإنقاذها من أمراء ميكافيللي؛ أمراء الخيانة والحرب والدم.  
0
التعليقات (0)